سلامًا على مَن يحرث ويحرس أرض الوطن «1»
نبهنا الكاتب والمفكر الكبير، أ. «سمير مُرقص»، فى مقاله بجريدة «الأهرام»، «٢٣ مارس ٢٠٢٤»، بحلول الذكرى المئوية لميلاد «القانونى، والمؤرخ، واللاهوتى، الأستاذ الدكتور، المفكر، والقاضى «وليم سُليمان قلادة»، الذى غادرنا قبل ربع قرن. هذه الذكرى الطيبة التى حلَّت ومرت دون انتباه يُذكر من أى جهة معنية: فكرية، أو ثقافية، أو سياسية، أو قانونية، بل حتى لاهوتية، بهذه المُناسبة البارزة، التى تكتسب أهمية قصوى الآن، بالنظر إلى عاملين حاليين مُهمين:
أولهما: المخاطر التى تهدد الدولة الوطنية، فى المنطقة، بالزحف الإرهابى والمُتطرّف الذى نجح فى الاستيلاء والهيمنة على دولة عربية كُبرى؛ سوريا، وأحيا من جديد مشاريع السيطرة التركية على مناطق محورية فى الوطن العربى، بعد أن أفشلت مصر مشروع «العثمانية الجديدة» فى وقت سابق، جاذبًا إلى صفوفه، وفى صدارة مراكز صُنع القرار السياسى والعسكرى، عناصر إرهابية معروفة، من هنا وهناك، على رأسهم «أحمد الشرع» ذاته، الذى سبق أن خصصت الولايات المتحدة جائزةً كبيرة «عشرة ملايين دولار؛ أى أكثر من خمسمائة مليون جنيه مصرى، ثمنًا لمن يُدلى بمعلومات عنه»!
وثانيهما: المشاريع الاستعمارية الجديدة التى باتت تُطرح بوضوح لا لبس فيه، تحت دعاوى صهيونية عدوانية فاشية يوميّة، تُمارس على أرض الواقع بالمذابح الجماعية؛ والتدمير الشامل المُمنهج للأرض والحرث والبشر، وبالمحاولات التى لم تنقطع لدفع أبناء الشعب الفلسطينى الصامد للقبول بالتهجير العُنفى، ما يعنى «تطهير» الأرض، وموت القضية؛ ومع الإعلانات المتكررة، والفاضحة عن الإصرار على «إعادة رسم خرائط المنطقة»، بواسطة اليد الإسرائيلية الطولى الباطشة، التى بمقدورها الوصول إلى كل مكان فى واقعنا المأساوى، فى ظل صمت بائس وتواطؤ فاجر من قوى العالم.
ومن هنا منبع التقدير الكبير لما قدمه الراحل الكبير، د. «وليم سُليمان قلادة» من جهد ومُثابرةٍ، لتحديد مقومات أحد أهم المفاهيم المؤسسة لاجتماع الإرادة المصرية، وركيزة صمود مصر على مر تاريخها، ومفاجأتها للأعداء، حتى فى وقت المحن والأزمات، بل الضعف والتراجع، بتماسك أهلها المُذهل، والذى فشلت كل محاولات اختراقه، أو تفكيك عراه الوثقى!.. وهو مفهوم «المواطنة المصرية»، وتحريره من الأثقال التى كبّّلت حركته، وتبدّت فى الكثير من المُمارسات المنحرفة، والمُغالطات المُصطنعة، وتمدد الأفكار المُتعصبة المُستفحلة، وتغلغل قيم العنف والتعصُّب، المُستوردة من سياقات سياسية وأيديولوجية مختلفة عن المناخ الذى ساد، ويسود، فى مصر عبر العصور، تحت الشعار الصحيح المعروف: «الدين لله والوطن للجميع»، وكذا الشعارات التى ما زالت مرفوعة، وفاعلة، منذ الثورة الوطنية الكبرى فى ١٩١٩، حتى الآن: «يحيا الهلال مع الصليب»، رغم كل محاولات الأعداء والكارهين، لاختلاق الفتنة وزرع الشقاق، التى باءت بالفشل الذريع.
والحق أن أُسس هذه المدرسة الراسخة البُنيان؛ مدرسة «الوطنية المصرية» الجامعة، ليست بالأمر الطارئ أو المُستحدث، فهى أسس قديمة قِدم التكوين المصرى ذاته؛ فى مختلف تَشَكُّلاته، وتجلياته، ومقوماته، ويمكن، فى العصر القريب، الرجوع- على سبيل المثال- إلى إسهامات الشيخ «رفاعة رافع الطهطاوى» وتلاميذه الكُثر، ومن أبرزهم الشيخ «محمد عبده» والثائر «عبدالله النديم»، حيث عبَّر «الطهطاوى» أوضح تعبير، بأبسط لغة وأعمقها، عن أحد الجوانب المُهمة من فكرة «المواطنة»، بقوله: «المُسلمون والنصارى، وجميع مَن يحرث أرض مصر، ويتكلم لُغتها.. إخوان، وحقوقهم فى السياسة والشرائع مُتساوية». (يتبع).