جحيم ترامب أرهب نتنياهو!!
أفلح تهديد الرئيس الأمريكى المنتخب، دونالد ترامب، بـ«فتح أبواب الجحيم» فى الشرق الأوسط، إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن بحلول يوم تنصيبه، فى العشرين من يناير الجارى.. وتلوح فى الأفق آمال التوصل إلى هذا الاتفاق فى الدوحة، بوساطة مصرية- قطرية- أمريكية، بعد المكالمة التى أجراها مبعوث دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيفن ويتكوف، الأسبوع الماضى، والتى كانت صريحة وتفتقر إلى اللباقة الدبلوماسية.. ويقال إن ويتكوف أبلغ مساعدى بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، أنه متوجه إلى إسرائيل بعد ظهر يوم السبت الماضى.. وعندما أُبلغ بأن الاجتماع سيكون فى منتصف السبت، وأراد نتنياهو التملص من الموعد بالقول بأنه يمكنه الاجتماع فى المساء، كان رد ويتكوف «لاذعًا» وواضحًا على ما يبدو، وفقًا لصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية.. وفى أثناء تنقلاته من الخليج إلى إسرائيل، ورد أنه مارس ضغوطًا على نتنياهو لتقديم تنازلات، وقال دبلوماسى إسرائيلى كبير للصحيفة، «ويتكوف ليس دبلوماسيًا.. فهو لا يتحدث كدبلوماسى، ولا يهتم بالآداب الدبلوماسية والبروتوكولات الدبلوماسية.. إنه رجل أعمال يريد التوصل إلى اتفاق بسرعة ويتحرك بقوة غير عادية».. وبالفعل، توجه نتنياهو إلى مكتبه للقاء المبعوث الأمريكى، الذى عاد بعد ذلك إلى قطر، لمواصلة الضغط من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار لإنهاء الحرب فى غزة.
كان رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو من أوائل المهنئين للرئيس المنتخب الجديد، دونالد ترامب، وكتب فى تغريدة على X، «تهانينا على أعظم عودة فى التاريخ!».. وكان نتنياهو قد وصف ترامب فى وقت سابق، بأنه «أفضل صديق لإسرائيل فى البيت الأبيض على الإطلاق»، على خلفية أن ترامب ألغى الاتفاق النووى مع إيران الذى عارضته إسرائيل، والتوسط فى اتفاقيات تطبيع تاريخية مع العديد من الدول العربية، وقلب عقودًا من السياسة الأمريكية ـ والإجماع الدولى- من خلال الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والاعتراف بضم الجولان بشكل نهائى إلى إسرائيل، حتى إن السفير الإسرائيلى السابق لدى الولايات المتحدة، مايكل أورين، قال، إن الفترة الأولى لدونالد ترامب فى منصبه كانت «نموذجية» بالنسبة لإسرائيل، «ولكن يتعين علينا أن نكون أكثر وضوحًا بشأن من هو دونالد ترامب وماذا يمثل الآن؟».. وقال ترامب فى البداية، إنه «لا يحب الحروب»، ويرى أنها مكلفة. وحث إسرائيل على إنهاء الحرب فى غزة بسرعة.. كما أنه «ليس من المعجبين» بالمستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية المحتلة، وعارض رغبات بعض القادة الإسرائيليين فى ضم أجزاء منها.. ويمكن أن تؤدى هاتان السياستين إلى وضع نتنياهو فى صراع مع أحزاب اليمين المتطرف، فى الائتلاف الحاكم الحالى بقيادة نتنياهو، والتى هددت بإسقاط الحكومة، إذا واصل رئيس الوزراء اتباع سياسات ترفضها.
فيما سبق، يقول أورين، عندما طُلب من بنيامين نتنياهو الاختيار بين المطالب الأخيرة لحليفه الأمريكى، جو بايدن، ومطالب شركائه فى الائتلاف الحاكم، كان يميل إلى اختيار ائتلافه.. ونتيجة لذلك، زادت حدة الاحتكاكات مع الرئيس الأمريكى الحالى بايدن.. ويعتقد أورين أن نتنياهو سيحتاج إلى اتباع نهج مختلف مع الرئيس القادم، «إذا تولى دونالد ترامب منصبه فى يناير الحالى، وقال: حسنًا، لديك أسبوع لإنهاء هذه الحرب.. فسوف يضطر نتنياهو إلى احترام ذلك»، وهو ما حدث، وأدى إلى صراخ وزير الأمن الداخلى الإسرائيلى، إيتمار بن غفير، ووصفه إتمام الصفقة بالاستسلام لحماس، بينما وعد نتنياهو وزير ماليته، بتسلئيل سموتيريتش بحزمة من الامتيازات، إذا وافق على الصفقة، ولم يتبع بن غفير فى معارضته لها!!.. وكأنما كان تهديد ترامب بإشعال الجحيم فى الشرق الأوسط، كان من نصيب نتنياهو وحكومته، إذا هم عارضوا إرادته فى عقد الاتفاق.
●●●
لقد أظهرت مفاوضات الأيام الأخيرة فى الدوحة، كيف تعرضت المفاوضات، التى استمرت أكثر من عام حول كيفية إنهاء الحرب، لاضطرابات بسبب إدارة ترامب الوشيكة.. ومع القول إن إسرائيل وحماس على وشك الاتفاق على اتفاق لوقف إطلاق النار، بعد أشهر من الجهود الدبلوماسية المكثفة، فقد يكون فوز ترامب فى الانتخابات وتهديده الأخير، هو الدافع النهائى للتوصل إلى اتفاق.. فقد وافقت حركة حماس على مسودة اتفاق لوقف إطلاق النار، وإطلاق سراح عشرات الرهائن الإسرائيليين، بحسب مسئولين شاركوا فى المحادثات.. على الرغم من أن التفاصيل الأخيرة كانت قيد الانتهاء، ولا تزال الخطة بحاجة إلى تقديمها إلى مجلس الوزراء الإسرائيلى للموافقة النهائية.. ويناقش «الأعداء» منذ أكثر من عام، كيفية إنهاء حرب غزة من خلال تبادل الأسرى الإسرائيليين بالسجناء الفلسطينيين.. واستمرت المناقشات لأشهر من المحادثات السرية، بدافع من وساطة قوى إقليمية وعالمية، وخصوصًا مصر وواشنطن وقطر.
وفى حين اتفق الجانبان على نطاق واسع، على مبدأ وقف القتال مقابل إطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حماس، والمعتقلين الفلسطينيين الذين تحتجزهم إسرائيل، إلا أن التفاصيل والتصميم ظلا بعيدين عن الفهم.. وأكدت حماس دائمًا، أن أى اتفاق يجب أن يؤدى إلى إنهاء الحرب بشكل دائم وانسحاب إسرائيل من غزة.. وقالت إسرائيل، إنها لن تنهى الحرب إلا بعد تفكيك حماس بشكل شامل.. وعلى مدار عام 2024، أثبتت هذه النقاط الشائكة أنها غير قابلة للحل، ما تسبب فى تعثر المحادثات مرارًا وتكرارًا.. ولكن الآن، لم يوفر تغيير الإدارة فى واشنطن موعدًا نهائيًا وتركيزًا للمفاوضات فحسب، بل أزال حالة عدم اليقين التى سيطرت على العقول.. صحيح أن جو بايدن وفريقه ضاعفوا جهودهم لمحاولة التوصل إلى اتفاق، والحصول على عائد على دبلوماسيتهم المكثفة قبل مغادرتهم مناصبهم، إلا أن تولى ترامب رئاسة الولايات المتحدة كان سببًا فى تركيز العقول فى ضرورة الوصول إلى اتفاق.
●●●
كانت العلاقة بين ترامب ونتنياهو تاريخيًا، علاقة منفعة متبادلة، على الرغم من أنها كانت غير متوقعة، وفى بعض الأحيان، معاملاتية.. خلال فترة ولاية ترامب الأولى، حقق انتصارات دبلوماسية كبيرة لنتنياهو، بما فى ذلك الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان عام 2019 ودعم اتفاقيات إبراهام مع دول الخليج.. وفى الصيف الماضى، استضاف ترامب نتنياهو فى منتجعه «مار إيه لاجو»، خلال زيارة رئيس الوزراء الولايات المتحدة.. ولكن عندما خسر ترامب انتخابات 2020، انتقد نتنياهو لتهنئته بايدن، وقال لمراسل أكسيوس: «لم أتحدث إلى الزعيم الإسرائيلى منذ ذلك الحين.. اللعنة عليه».. لكن عودة ترامب إلى منصبه، قد تكون مفيدة لسياسات نتنياهو التوسعية، وخصوصًا فيما يتصل بتوسيع المستوطنات والضم المحتمل فى الضفة الغربية.
وقال الخبير الاقتصادى، جيفرى ساكس، لصحيفة «الجارديان»، إنه رغم أنه لا يقدم المشورة لترامب، إلا أنه يأمل أن يكون ذلك بمثابة إشارة إلى تحول فى السياسة الخارجية الأمريكية، «لا أعرف موقف ترامب من هذه القضايا، لكننى آمل بشدة أن يحرر السياسة الخارجية الأمريكية من قبضة سياسات نتنياهو القاسية وغير الفعالة وغير القانونية والمدمرة».. وقد أراد ترامب أن يوصل رسالة إلى نتنياهو، بأنه يفهم عقليته، ويقرأ أفكاره،
فقد نشر ترامب مقطع فيديو مثيرًا للجدل، يصف فيه بنيامين نتنياهو بأنه «ابن عاهرة عميق ومظلم»، بعد أسابيع فقط من ادعاء نتنياهو أن الاثنين أجريا مناقشة «ودية ودافئة للغاية» حول مفاوضات الرهائن وسياسة سوريا.. وعلى موقع Truth Social نشر ترامب مقطع الفيديو، الذى يظهر فيه الخبير الاقتصادى جيفرى ساكس، الذى يتهم نتنياهو بالتلاعب بالسياسة الخارجية الأمريكية وتنظيم «حروب لا نهاية لها» فى الشرق الأوسط.. يقول ساكس ـ الذى كان يتحدث فى فعالية بجامعة كامبريدج، إن نتنياهو سعى إلى تنفيذ استراتيجية منهجية منذ عام 1995، للقضاء على حماس وحزب الله، من خلال استهداف الحكومات الداعمة لهما فى العراق وإيران وسوريا، «لقد أدخلنا نتنياهو فى حروب لا نهاية لها، وبسبب قوة كل هذا فى السياسة الأمريكية.. فقد حصل على ما يريده»، فى إشارة إلى تأثير جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل.. وتأتى إعادة نشر الفيديو وسط جهود دبلوماسية مكثفة، تبذلها مصر وقطر والإدارة الأمريكية الحالية، للتوسط فى اتفاق هدنة يشمل إطلاق سراح الرهائن.. ويأتى قرار ترامب بتضخيم تعليقات ساكس أيضًا، فى الوقت الذى يجمع فيه ما يُطلِق عليه المستوطنون الإسرائيليون «فريق الأحلام» من المؤيدين المتشددين للدولة.. ووصفت القناة الثانية عشرة الإسرائيلية هذا التحرك، بأنه يشير إلى فتور فى العلاقة بين ترامب ونتنياهو، على الرغم من دعم ترامب لإسرائيل فى ملفات عديدة خلال حملته الانتخابية.
فى نفس الوقت، كشفت القناة أن إدارة الرئيس ترامب وجهت رسائل واضحة لإسرائيل، مفادها ضرورة تجنب أى تصعيد غير ضرورى، أو تصريحات يمكن أن تؤدى إلى صراعات فى المنطقة، خصوصًا خلال الفترة الانتقالية لبدء ولايته.. وأكد مساعدو ترامب أن الإدارة المقبلة تهدف إلى تحقيق استقرار فى الشرق الأوسط، مع التركيز على تحقيق سلام بين إسرائيل ولبنان، واستمرار وقف إطلاق النار، وأن ترامب شدد، خلال محادثاته مع مسئولين إسرائيليين، على عدم وجود نية لديه للدخول فى حرب جديدة فى الأيام الأولى من رئاسته، إذ يرغب فى توجيه جهوده نحو معالجة القضايا الداخلية الأمريكية.. كذلك نقلت القناة أن ترامب بدأ بالتدخل شخصيًا فى قضية إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المحتجزين فى قطاع غزة.. وأبدى ترامب اهتمامًا كبيرًا بالتوصل إلى اتفاق لإتمام هذه القضية قبل بدء ولايته رسميًا.
وأشار مساعدو ترامب إلى أن السلام فى الشرق الأوسط، هو أحد أهم أهداف الرئيس المنتخب، من أجل التركيز على القضايا الداخلية الأمريكية.. إذ يرى ترامب أن تحقيق الاستقرار فى المنطقة، خصوصًا فى لبنان وإسرائيل، سيعزز موقفه الداخلى، ويسهم فى تحقيق تقدم دبلوماسى ملموس خلال الفترة الأولى من رئاسته.. وقال مسئولون فى إدارة ترامب إن الرئيس المنتخب نصحهم فى إسرائيل، بتجنب الإدلاء بأى تصريحات علنية ضد الحكومة السورية الجديدة، مع التركيز على خفض التصعيد واحتواء الوضع فى المنطقة.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.