رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حتى لا ننسى فظاعة الإخوان المسلمين

أسس حسن البنا جماعة الإخوان فى مصر فى 22 مارس من عام 1928 بأعقاب تخرجه فى كلية دار العلوم التى تقوم بتدريس اللغة العربية والعلوم الإسلامية، أسسها تحت شعار شعرى بائس مغرور، تضمن اسمه بطريقة بلاغة العكس التقليدية «فصيلة للمسلمين... كل ما فيها حسن... لا تسل عمن بناها... إنما البنا حسن». الإخوان المسلمون حركة إسلامية سياسية، تصف نفسها بالحركة الإصلاحية الشاملة، وفى الحقيقة لم يكن جانبها السياسى واضحًا فى بدايتها، بل أقر القانون الأول لجمعية الإخوان المسلمين، الصادر فى الإسماعيلية عام 1930، أن الجمعية لا شأن لها بالعمل السياسى، بيد أن الوضع تبدل بعد أن قويت الجماعة، وصعد رقمها صعودًا فاعلًا بين بقية الجماعات والفرق، حينذاك وجدت أن اشتغالها بالسياسة صار حتميًا، وهو ما كانت تنويه منذ النشأة فى الحقيقة ولكن تكتمه، والمعنى أنها أصابت ثقة كبيرة بالانتشار، فأظهرت أخيرًا ما كانت أخفته من الأول!
امتد حبل الجماعة من مركزها مصر «الجماعة الأم كما يسميها الإخوانيون الذين ظهروا بعدها» إلى بلاد العرب والعالم؛ أى صار التنظيم دوليًا ذا تمويل ضخم مموه متعدد الجهات، لا يعتمد على بلد واحد ولا مدد واحد، ومن ثم اتسعت آثاره المدمرة نقيضة المنطق السليم والسير المستقيم وعظم خطره؛ لأنه صار ينافس سياسيًا باسم الدين، وهكذا لا يبقى على الدين ولا على السياسة، فى تصورنا الدقيق، إنما يخلط بينهما خلطًا غريبًا، يضيع روح الدين وشروط السياسة، ولا يبالى بشىء سوى أن يكون هو القائد المتصدر للمشاهد، رابح الاقتصاد والمهيمن على المجتمعات، ولو باستحلال الأموال والاستهانة بحيوات البشر وتفتيت الكتل المتماسكة، ككتلة الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين، مثالًا، والأخطر أنه يتعاون مع الأعداء من أجل تحقيق مصالحه؛ فقد تعاون إخوان مصر مع البريطانيين الذين احتلونا، وقد كانوا قد كذبوا فزعموا أنهم نشأوا أصلًا لمقاومة الاحتلال البريطانى، ولكن انكشفت صفقات بينهم وبين بريطانيا، صفقات مريبة مقلقة، فضحها المراقبون النبهاء فى حينها، وبعد أن تجلت الأمور بمرور السنين، تؤكد أن دورهم الوحيد، وقتئذٍ، كان الحفاظ على وجودهم، بل تشير، فى عمقها، إلى أنهم ساهموا فى سقى زرعة الصهيونية، وإمدادها بالهواء والضوء اللازمين لنموها، وأنهم لا يتورعون البتة عن موالاة أعداء الأمة، فى السر، ما دام الموضوع يخدم أهدافهم وينفع مقاصدهم، ولا يزال الإخوان يعاملون بريطانيا، ولا تزال الدولة الاستعمارية الماكرة تعاملهم، هم يعتصمون بديمقراطيتها الزائفة، وهى تدخرهم إلى وقت يسمح باستخدامهم ضد حكوماتهم وأوطانهم. ولقد أطلق المحللون الساخرون على لندن اسم «لندنستان» عطفًا إلى «أفغانستان» التى سيطر عليها الإسلام الأيديولوجى المسلح المتشدد؛ فقضى على آمال تغييرها وتطويرها، وشوه وجهها تشويهًا طمس ملامحها التى كان يمكن أن تتعدل وتتحسن، وأكدها كبلد من بلاد القرون الوسطى!
وصل الإخوان إلى حكم مصر فى غفلة زمنية قاتلة من عام 2012، وهو الحكم الذى أسقطه الشعب المصرى العظيم، وهذا هو الحق، بعد أن طالب قائده العسكرى وجيشه بالتدخل لإنقاذ البلاد والعباد من حرائق هائلة واردة، تكاد ألسنة نيرانها أن تعلو فعليًا فى كل مكان.
فشل حكم الإخوان فى مصر فشلًا ذريعًا خلال مدتهم القصيرة، بالمناسبة، وقد كان حكمها غايتهم الكبرى منذ التأسيس، هكذا الحديث الموزون، وفشلهم الموصوف سبق وتوقعه الواعون من المفكرين والمثقفين منذ إعلان فوز محمد مرسى، ذيل محمد بديع، بالرئاسة «إعلان لجنة الانتخابات الرئاسية المصرية فى 4 يونيو 2012»؛ حيث قام رجال الطائفة، الذين لا يستريح الشارع المصرى عمومًا إلى لحاهم التى يعسر اكتناه الخطط المخبوءة وراءها، بصنع الخلطة البائسة المحفوظة بين الدين والسياسة، ففقدوهما معًا؛ لا الدين وافق خبثهم ولا السياسة احترمت غباوتهم!
يريد تنظيم الإخوان الذى لا يسقط سقوطًا نهائيًا مهما ضربته معاول التقدم والاستنارة، لكنه دومًا، وبمنتهى الدهاء، يحرص على ترك طوبة صغيرة يعيد بها بناءه القديم الذى قارب الانهيار؛ يريد، بالنظر الثاقب إلى ما يحدث فى البلدان من حولنا الآن، أن يصحو من الموت الذى أصابه بمصر بالذات، أن يتجدد بالأوهام الكلامية التى ظل يتجدد بها سرمديًا مستغلًا سذاجة كثير من الناس وحسن ظن كثيرين آخرين بطواياه مجهولة اللعنة، أن يمسح يده من ذنب ضحاياه، وهم ملايين لا تعد، لكنه برد قارس وظلام مدلهم، لا يصح تخمين شروق الشمس من محيطه، إلا أن يرى الناس، فى غفلة جديدة تكون الأدهى والأمر، أن الشمس بنت الزمهرير والليل!