الكاتب العراقي علي بدر: في عالم ما بعد الكولونيالية "عدوية" ثورة موسيقية
لم يقتصر الأثر الذي تركه الفنان أحمد عدوية، على الفن الشعبي المصري، ولا المستمع المصري وحده فحسب، بل امتد خارج مصر إلى المنطقة العربية، وناطقي لغة الضاد. وهو ما عكسته أصداء رحيل أحمد عدوية أمس الأحد عن عمر ناهز التاسعة والسبعين.
عدوية هو الغناء الشعبي الذي يرفض أن يكون هامشًا
فعبر حسابه الشخصي، بموقع التواصل الاجتماعي، “فيسبوك”، كتب الروائي المترجم العراقي، علي بدر، تحليلا لما قدمه أحمد عدوية من فن وغناء شعبي.
واستهل “بدر” منشوره لافتا إلى أن “أحمد عدوية خرج من الأزقة والحارات ليصبح إيقاعًا لمصر الحقيقية، سردية مضادة لمصر التي تختبئ خلف الخطابات الرسمية والأغاني النخبوية. عدوية هو الغناء الشعبي الذي يرفض أن يكون هامشًا، هو اللغة التي يفهمها الجميع، من السائق الذي يدندن على إيقاع المقامات الشرقية إلى النخبوي الذي يسترق السمع ويبتسم”.
وتابع “بدر”: في دراسات ما بعد الكولونيالية، الأغنية الشعبية ليست مجرد فن، بل مقاومة. هي صوت من لا صوت لهم، هي رواية المضطهدين، هي صيحة الهوية المقهورة التي ترفض أن تذوب في سرديات الحداثة الغربية. عدوية غنى "بنت السلطان" و"سلامتها أم حسن"، ولم يكن يغني فقط للفرح، بل كان يكتب تاريخًا غير رسمي، تاريخًا يقول: نحن هنا، نحن نبني هويتنا بعيدًا عن المراكز الثقافية التي تحاول فرض نموذجها.
أحمد عدوية هو الغناء الشعبي المتجذر في التقاليد الموسيقية
واستكمل “بدر”: “أحمد عدوية أثبت أن الأغنية الشعبية ليست فنًا ثانويًا، بل هي قلب الثقافة. هي الذاكرة، هي اللغة، هي الإيقاع الذي ينبض في وجدان الأمة. وفي عالم ما بعد الكولونيالية، أحمد عدوية ليس مجرد صوت، هو ثورة موسيقية، هو سردية مضادة، هو دليل على أن الشعبية ليست الهامش، بل المركز”.
واختتم منشوره قائلا: “شعبان عبد الرحيم، في المقابل، يمثل الوجه الآخر للأغنية الشعبية، الوجه الأكثر صخبًا وصراحة. أغانيه جاءت في زمن مختلف، زمن الفضائيات وسرعة الانتشار، حيث لم يكن الفن الشعبي بحاجة إلى أن يمر عبر فلاتر النخبة أو المؤسسات. شعبان هو الغناء الذي يصرخ، يعبر عن الاحتجاج بطريقة مباشرة، حتى لو على حساب الجماليات الموسيقية. أغانيه كانت صوتًا سياسيًا شعبيًا صريحًا، تهاجم الواقع وتعبّر عن الغضب الاجتماعي. أما أحمد عدوية فهو الغناء الشعبي المتجذر في التقاليد الموسيقية، في المقامات الشرقية، وفي الغناء الذي ينبع من الحارة المصرية بطابعها الأصيل. أغاني عدوية، رغم بساطتها الظاهرة، تحمل طابعًا موسيقيًا معقدًا، تعتمد على مهارة عالية في الأداء والتلحين. عدوية يمثل زمنًا كانت فيه الأغنية الشعبية تُعيد تشكيل الهوية الثقافية بعد نكسة 1967، تُقاوم الحزن وتبعث الأمل، تُعبّر عن أوجاع الناس لكن دون صدامية مباشرة. هو الفن الشعبي الذي يداعب الأذن دون أن يخدش، ويقف عند حدود التمرد دون أن يكسر القواعد”.