محمد الباز يُحقق: القصة الكاملة لمحاولة اغتيال أحمد عدوية
مات أحمد عدوية
لكن لم تكن هذه هى المرة الأولى التى مات فيها، فقد مات قبل ذلك فى 29 يونيو 1989، عندما حاول أمير عربى أن يقتله فى غرفته بفندق ماريوت بالقاهرة، فقد رحل من يومها المطرب الشعبى الكبير، ولم يبق لنا إلا رائحته القديمة.
هنا لوجه أحمد عدوية ولوجه التاريخ، نوثق معًا القصة الكاملة لمحاولة اغتيال أحمد عدوية.
ما الذى جرى، وهل كانت الأقدار تقول كلمتها التى لا يفهم أحد مقاصدها ولا أهدافها ولا فلسفتها؟
يقولون إن الغناء كما منحه مجده.. نزعه منه.
من بين الألغاز فى حياة عدوية أغنيته «يا بنت السلطان»... التى غناها بإحساس طاغ: يا بنت السلطان/ حنى على الغلبان/ دى المية فى إيديكى/ وعدوية عطشان.
نسج على هامشها محللون ومفسرون قيمة أن يغنى عدوية ليظهر عوار الفوارق الطبقية فى المجتمع المصرى، فعدوية فيها هو المواطن الفقير الذى يحب البنت الغنية «بنت السلطان» ويعرف أن حياته بيديها، يرجوها أن تحن عليه، لكنها لا تلتفت إليه، وهذه هى طبيعة الحياة التى تفصل بين كوبرى عباس الذى يعيش على جانبيه مواطنون بسطاء بين القاهرة والجيزة، ومصر الجديدة التى كانت رمزًا لعلية القوم.
لكن من يدعون معرفتهم بنميمة الوسط الفنى، يرجحون أن الأغنية لم تكن اجتماعية، ولا مكان فيها للسياسة، بل كانت عاطفية، ورسالة واضحة لواحدة من بنات الأسر الحاكمة فى الخليج، اختار عدوية أن يغازلها بكلمات حسن أبوعتمان، الذى يبدو أنه لم يكن يمانع فى تفصيل كلمات لأهواء صديقه.
هل غضبت أسرة بنت السلطان؟
هل رأت أن المطرب الشعبى تجاوز حدوده واعتدى على حقهم، فقرروا الانتقام منه؟
وهو ما جعل البعض يتقول على عدوية بأن ما تعرض له لم يكن إلا لإفقاده رجولته.
الرواية التى سعى عدوية إلى نفيها
ظاهر الأحداث التى تتعاقب بين أيدينا تقول إن هذه الرواية مختلقة تمامًا، سعى عدوية نفسه إلى نفيها، وحاولت زوجته «نوسة» أن تنفيها بطريقة غير مباشرة، ففى أحد حواراتها الصحفية بعد الحادثة تحدثت عن رغبة عدوية فى الإنجاب مرة أخرى «كان لديه ولد هو محمد وبنت هى وردة»، وأنها تفكر فى الأمر بشكل جدى.
ورغم أن القصة مختلفة تمامًا، فإن الحادثة كانت فيها امرأة كويتية.
اسمها «هند شهيد».
اعتادت هند التردد على القاهرة، واعتادت حضور حفلات عدوية وفقراته فى الفنادق المختلفة.
فى صيف 1989 وتحديدًا 22 يونيو جاءت إلى القاهرة، وكالعادة كان معها أصدقاؤها، لن نلتفت إليهم، فقط سنتوقف عند من سيشكل الأحداث بعد ذلك بفعلته التى أنهاها فى 29 يونيو.
هو بالضبط... الأمير طلال بن ناصر الصباح... أحد أبناء الأسرة الحاكمة فى الكويت.
بعد سنوات طويلة كان عدوية قد نسى تقريبًا ما جرى، أو على ما يبدو كان قد عزم على عدم الحديث فيما جرى، قال: واحد عربى بدون ذكر اسمه، والله يرحمه إذا كان مات، ويسامحه إذا كان عايش، قال لى إن عنده حفلة فى الماريوت، وكان عنده أصحابه أشكال وألوان، وأنتم تعرفون طبعًا السهرات الحمرا، حط لى فى الويسكى كودايين ومورفين وكوكايين، وقال لى اشرب، من غير ما آخد بالى شربت، وضعت فى غيبوبة 3 شهور، وفضلت أتعالج أكثر من سنة ونص تقريبًا، وانقطعت عن الغناء خمس سنين تقريبًا، وقعدت سنتين لغاية ما قدرت أقف على رجلى تانى.
أنهى عدوية الحكاية كلها فى جمل قصيرة مكثفة، لكن خلف هذه الجمل مئات الأسرار والأحداث والمواقف والخطايا وتصاريف الأقدار، ولذلك سنعود به مرة أخرى إلى الأيام التى حتمًا لا يريد أن يتذكرها.
لن أروى لكم الحكاية من طرف واحد، اعتبروها تحقيقًا يمسك باللحظة الساخنة، لن نترك هنا شاردة ولا واردة، وبعد ذلك يمكن أن تكون بين أيدينا الحقيقة، أو على الأقل بعض منها، وهذا بعض مما جرى فى أيام عدوية الفارقة.
4 يوليو 1989.. عدوية يفقد القدرة على النطق والحركة
جريدة المساء تشير إلى تأكيدات الأطباء الذين يشرفون على علاج عدوية بأن حالته تتحسن، لكنه لا يمتلك القدرة على الكلام.
قالت زوجته السيدة نوسة إنها لا تعلم سبب مرض زوجها، لكنها أكدت فى الوقت نفسه أنه لا يتعاطى الهيروين أو أى نوع من المخدرات، لكنه يشرب الويسكى فقط أثناء عمله بفندق الماريوت.
حكت نوسة أكثر، قالت: فوجئت بأحد العاملين مع زوجى يتصل بى تليفونيًا بالمنزل، ويخبرنى أن عدوية أصيب بوعكة صحية وتم نقله إلى المستشفى، فأسرعت إليه لأجده فاقد القدرة على النطق والحركة.
5 يوليو 1989.. مفاجآت وراء غيبوبة أحمد عدوية
بدأت جريدة الأخبار فى نشر تحريات المباحث عن الحادث الذى تعرض له عدوية، فطبقًا لما قالته إن التحقيقات كشفت عن مفاجآت وراء إصابة أحمد عدوية بالغيبوبة.
تقول الأخبار إن الأحداث تجددت بسهرة لعدوية وسائح وفتاة مغربية فى غرفة بأحد الفنادق الكبرى بالزمالك، سقط خلالها عدوية بعد تعاطى المخدرات، هرب السائح والفتاة المغربية وتركا عدوية ملقى فى الغرفة حتى اكتشف ابن شقيقه فى اليوم التالى أنه لم يعد إلى المنزل، وانتقل إلى الفندق ولم يجده فى غرفته، وإنما وجده فى غرفة السائح ملقى بملابسه فى حالة غيبوبة تامة.
تحريات مباحث الجيزة التى قادها العميد ممدوح الجوهرى توصلت إلى أن الفتاة التى كانت مع عدوية ليلة الحادث، روت تفاصيل ما حدث فى تلك الليلة، فعندما أنهى عدوية فقرته الغنائية بالفندق الكبير فى الزمالك، اصطحب صديقته وتدعى هند إلى مصر الجديدة، حيث قدم فقرة غنائية وعاد إلى الفندق بالزمالك مرة أخرى، حيث تقيم صديقته كما خصص له الفندق إحدى الغرف لإقامته.
بعد وصوله إلى غرفته اتصلت به صديقته وأبلغته أن سائحًا عربيًا يقيم فى نفس الفندق يرغب فى التعرف عليه، وكان مع عدوية فى ذلك الوقت زوج شقيقته، فطلب منه ترك مفاتيح السيارة والانصراف، ثم توجه وصديقته إلى غرفة السائح، وهناك كان مع السائح فتاة مغربية تدعى حنان، واضطرت صديقة عدوية للانصراف بعد نصف ساعة وذهبت إلى غرفتها، وكان ذلك فى الساعة الرابعة والنصف صباحًا.
فوجئت صديقته- طبقًا لتحريات المباحث- صباح اليوم التالى بابن شقيقة عدوية يعترض طريقها فى الفندق مستفسرًا عن عدوية الذى لم يعد للمنزل، فاصطحبته إلى غرفة عدوية بالفندق، فلم يجداه ثم ذهبًا إلى غرفة السائح العربى، وبعد فتحها عن طريق إدارة الفندق، كانت المفاجأة أن عدوية ملقى بكامل ملابسه على سرير السائح فى غيبوبة تامة، وعندما نزلا إلى قسم الاستقبال بالفندق وجدا السائح ينهى اجراءات إقامته بالفندق.
أسرعت هند إلى مدير الفندق وأخبرته بما حدث لعدوية فى غرفة السائح، وطلبت منه التحفظ على السائح والإسراع بإنقاذ عدوية، وبعد أن رآه طبيب الفندق قرر نقله بسرعة إلى المستشفى لإسعافه من حالة التسمم التى سببتها المخدرات.
كانت نيابة الدقى قد استمعت إلى أقوال الفتاة الكويتية صديقة عدوية ومحمد عبدالله صالح سكرتيره الخاص، وأحمد موافى سائقه ويسرى إبراهيم مدير الفندق، وقررت إخلاء سبيلهم من سراى النيابة، وقررت ضبط وإحضار السائح العربى ومحمد حسنين مستشاره القانونى، وحنان المضيفة المغربية صديقة السائح العربى، وطلبت الاستعلام من مصلحة الجوازات عما إذا كان أى منهم قد غادر البلاد.
8 يوليو 1989.. هل أراد أحد أن يقتل نجم الغناء الشعبى المطرب أحمد عدوية؟
دخلت جريدة الأخبار بثقلها، وقررت أن تفض غموض الحادث.
عناوين تقرير الأخبار كانت دالة جدًا: لغز غيبوبة عدوية... دخل عدوية الغرفة 750 بفندق ماريوت وخرج منها فاقد الوعى... مجهول يتصل بزوجته: زوجك يموت فى المستشفى... مطلوب القبض على رجل الأعمال الكويتى ومستشاره والمضيفة المغربية حنان... الهيروين فى أمعاء عدوية عمدًا أو مجاملة أو مداعبة ثقيلة.
والتساؤلات التى بدأ التقرير بها كانت دالة أيضًا: ماذا حدث فى الغرفة رقم 750 بفندق الماريوت ليلة 29 يونيو؟ وهل أراد أحد أن يقتل نجم الغناء الشعبى المطرب أحمد عدوية؟ كيف بدأت السهرة المشئومة مع مطلع الفجر فى غرفة رجل الأعمال الكويتى الشاب المعجب بعدوية؟ وكيف انتهت بنقل عدوية فى غيبوبة تامة بين الحياة والموت إلى المستشفى بعد أن استقرت فى أحشائه كميات من الهيروين والمورفين والكودايين؟
أبطال القصة وكما حددتهم الأخبار كانوا طالبة كويتية من المعجبات بعدوية، ورجل أعمال كويتى ومضيفة حسناء غير معروف إن كانت مغربية أو مصرية الجنسية، الطالبة الكويتية لم تغادر البلاد، رجل الأعمال الكويتى سافر بسرعة وكأنه يهرب من شىء خطير مصطحبًا صديقته المضيفة، أما أحمد عدوية فما زال فى حالة خطيرة بمستشفى مصر الدولى.
فى تقرير الأخبار عثرنا على أقوال هند شهيد فى تحقيق المباحث.
قالت: رجل الأعمال الكويتى صديقى، وكان يريد أن يتعرف بعدوية، وقمت بتقديمه له، وعندما صعدنا إلى غرفته لم يقدم لنا أى مشروبات، وأخرج عدوية من جيبه سيجارة ملفوف بها حشيش، عزم على رجل الأعمال الكويتى، وأخذ الاثنان يتبادلان تدخينها، ولم أمكث أكثر من نصف ساعة لأننى أردت أن أنام، حيث إننى تعودت على السباحة فى حمام سباحة الفندق كل صباح.
وتكمل هند: الساعة الثالثة ظهر اليوم التالى كنت جالسة أمام حمام السباحة، فوجئت بأن سائق عدوية يحضر وهو منزعج، وقال لى: الأستاذ لم يعد لحجرته ولم يذهب لبيته، هو فين؟ اصطحبت السائق لحجرة رجل الأعمال الكويتى، وفوجئت بأن المضيفة حنان قد اختفت ووجدت رجل الأعمال مرتبكًا مضطربًا، وأخبرنى أن عدوية فى غيبوبة، التفت لأجد عدوية راقدًا بكامل ملابسه وفى غيبوبة تامة، انزعجت وأخذت أحاول إفاقته دون جدوى، كان يتصبب عرقًا فأسرعت أتصل بطبيب الفندق.
وصل الطبيب- كما قالت هند- ليجرى محاولات سريعة لإنقاذ عدوية، لكنه نصح فى النهاية بالإسراع بنقله لمستشفى مصر الدولى فى الحال لسوء حالته.
حديث الأطراف كانت به تناقضات كثيرة، وهو ما أثبته تقرير الأخبار.
قالت هند شهيد إنها لم تعرف مصير عدوية إلا عندما حضر سائقه وسألها عنه، بينما السائق نفسه وفى أقواله فى محضر المباحث قال إن هند قالت له عندما رأته: انتوا فين، عدوية تعبان جدًا فى حجرة رجل الأعمال الكويتى، بما يشير إلى أنها كانت تعرف ما حدث.
قالت هند إنها رأت رجل الأعمال فى استقبال الفندق يحاول الانصراف على عجل، فقالت لمدير الفندق: لا تتركوه، مدير الفندق نفسه قال إنها صرخت فيه، وقالت له: لا تتركوه ينصرف بهذه الحقيبة، إن بداخلها نفس الأشياء التى أعطاها لعدوية.
فمن أين عرفت أنه أعطى عدوية شيئًا، وأن هذا الشىء لا يزال فى حقيبته، إذا كانت تقول إنها انصرفت بعد نصف ساعة من صعود عدوية إلى غرفة رجل الأعمال الكويتى وبعد أن بدأ يتبادل مع عدوية شرب سيجارة الحشيش.
ختمت الأخبار تقريرها بسؤال مهم وهو: لماذا دس رجل الأعمال الكويتى كل هذه المخدرات لعدوية فى الويسكى؟
وبدأت لعبة الاحتمالات.
الاحتمال الأول أن يكون ما جرى بدافع الانتقام، لكن رجال المباحث لا يميلون لترجيح دافع الانتقام، لأنه لا توجد علاقة سابقة لعدوية برجل الأعمال الكويتى أو المضيفة حنان، وعلاقته بالطالبة الكويتية هند قديمة عمرها خمس سنوات.
الاحتمال الثانى أن يكون عدوية تناول المخدرات مجاملة لرجل الأعمال الكويتى فأدت به إلى هذه الحالة، وتم استبعاد هذا الاحتمال أيضًا، لأنه كان معروفًا عن عدوية أنه لا يتعاطى المخدرات فى أحواله العادية، ومن الطبيعى ألا يجامل أحدًا بتعاطيها، خاصة أنها المرة الأولى التى يراه فيها.
الاحتمال الثالث أن يكون رجل الأعمال دس هذه المخدرات لعدوية فى غفلة منه كنوع من المداعبة، لكنها للأسف الشديد كانت مداعبة ثقيلة وقاتلة.
12 يوليو 1989.. عدوية يبتسم لأول مرة
فى غرفته رقم 432 بمستشفى مصر الدولى، ابتسم أحمد عدوية لأول مرة- كما تقول جريدة الجمهورية- منذ دخوله غرفة الإنعاش من 14 يومًا، عندما نادت عليه المطربة حورية حسن، فحرك رأسه ورقبته وفتح عينيه ولكن دون تركيز.
يومها أكد الأطباء أن الدورة الدموية لعدوية تعمل بانتظام وبشكل طبيعى بعد أن كانت شبه متوقفة لدى وصوله المستشفى، قالوا أيضًا إن المرحلة المقبلة هى مرحلة المخ وأثر الغيبوبة وما تعاطاه فى وظائف خلايا المخ.
كانت النيابة تحاول استجواب عدوية لكنها لم تستطع بسبب حالته الصحية، فاستجوبت الدكتور يحيى حلمى خاطر رئيس وحدة العناية المركزة بمستشفى مصر الدولى، الذى قال إن عدوية دخل المستشفى بصحبة زوجته فى الرابعة من مساء يوم 30 يونيو فى حالة غيبوبة تامة وفشل حاد فى وظائف التنفس، وتبين أنه يعانى من ارتفاع فى إنزيمات القلب والكبد، واختلال فى وظائف الكلى وانخفاض مستوى السكر فى الدم وانخفاض غازات الدم.
وقتها قال خاطر إن هناك اشتباهًا فى تعاطى عدوية المخدرات، حيث أثبتت تحاليل البول والدم التى أجريت له عن طريق مركز السموم بجامعة عين شمس وجود هيروين ومورفين وكواديين فى البول.
كانت الطالبة الكويتية هند شهيد فى حوزة النيابة، لكنها منحتها جواز سفرها بعد التعهد عليها بالحضور فى أى وقت تطلبها فيه.
13 يوليو 1989.. اختفاء ساعة يد عدوية الألماظ
تحدثت مجلة صباح الخير مع سائق عدوية.
قال لها: سألنا رجل الأعمال الكويتى: من إمتى وعدوية تعبان، فرد من الساعة 7 صباحًا، ولما سألناه عن تأخره عن طلب المعاونة لإسعاف عدوية، قال: إيش أعمل كنت باشيل الريم من فوق فمه، ومنتظر يفيق.
اكتشف سائق عدوية بتنبيه من هند الكويتية اختفاء ساعة عدوية الألماظ من يده، وكذلك مبلغ ألف دولار و500 فرنك، هذه المفقودات ردها رجل الأعمال الكويتى إليهم عندما سألوه عنها، وبرر وجودها معه قائلًا: كنت عاوز أحفظها له حتى يفيق.
فى نفس لحظات الانشغال بإسعاف عدوية جهز رجل الأعمال الكويتى حقائبه واستعد لمغادرة الفندق مع صديقته المضيفة على الخطوط الجوية السعودية، التى كانت حاضرة الجلسة التى انتهت بالحادث، ولكن مدير الفندق احتجز رجل الأعمال الكويتى بناء على تحذير من الفتاة الكويتية، وسلمت أوراق هويته إلى ضابط شرطة السياحة بالفندق.
بحثت «صباح الخير» عن المضيفة التى لم يكن أحد يعرف هويتها وهل هى مصرية أم مغربية، وكانت المفاجأة أن إدارة الفندق أنكرت وجود المضيفة من الأساس، لكنّ عاملين بالفندق أكدوا وجودها، وبرروا إنكار الإدارة لها أن لوائح الفندق لا تسمح للنزيل باستقبال فتيات إلا إذا كان حاجزًا جناحًا، وفى هذه الحالة غير مسموح بوجود الفتاة فى ضيافته بعد الساعة العاشرة مساء، ورجل الأعمال الكويتى كان نزيلًا فى غرفة وليس جناحًا.
وبقى السؤال معلقًا: كيف بقيت الفتاة حتى ظهر اليوم التالى؟ وكيف خرجت من الفندق وتمكنت من السفر معه؟
17 يوليو 1989.. رحلة علاج طويلة
وافقت نيابة المخدرات على السماح بسفر عدوية إلى باريس فى رحلة علاج من غيبوبته التى استمرت عشرين يومًا، دون أى تطور إيجابى فى حالته الصحية، بعد الحصول على ضمان مكتوب من المستشفى الذى يعالج به، بإعادته إلى القاهرة فى حالة شفائه لسماع أقواله.
19 يوليو 1989
تحسم الأهرام مسألة سفر أحمد عدوية، وفى تقرير كتبه محررها أحمد موسى يجزم بأن عدوية تخطى مرحلة الخطر نهائيًا بعد أن تحسنت حالته الصحية، وبدأ فى استرداد وعيه وتحريك أطرافه الأربعة بحرية تامة، ومن المقرر أن يخرج من المستشفى ليسافر إلى مستشفى «سالبتريد» بباريس، لقضاء 15 يومًا لإجراء فحوصات.
وللمرة الأولى يتحدث طبيبه خيرى السمرة، قال: حالة عدوية فى تحسن مستمر وزالت عنه الخطورة نهائيًا، بعد أن استرد وعيه ويحرك أطراف يديه وقدميه بالكامل فى حرية تامة دون مساعدة من أحد، وسفره لباريس سيكون للنقاهة وليس للعلاج.
السمرة كان يتحدث بتفاؤل شديد لم تثبته الأيام، قال: جميع الفحوص الطبية والمعلمية والتحاليل التى أجريت لعدوية أثبتت عدم حاجته لأى عمليات جراحية، بل وعقب عودته من الخارج سيبدأ فى ممارسة عمله الفنى مرة ثانية بصفة عادية دون أى عاهات فى جسمه.
الغريب أن ما قاله السمرة بعد ذلك كان يؤكد أن الحالة خطيرة لا تزال.
قال: التقرير الطبى الخاص بالمطرب أحمد عدوية أكد تعاطيه بعض العقاقير المخدرة داخل مشروب، وقد أدت بتأثيرها الجسيم المفاجئ على وظائف المخ والأعصاب إلى تعرض عدوية للغيبوبة الخطرة، وعند وصوله إلى المستشفى كان بين الحياة والموت، وإذا كان قد تأخر لمدة 30 دقيقة لما أمكن إنقاذه من الموت المحقق الذى كان سيتعرض له قبل إسعافه.
19 يوليو 1989.. حكايات متناقضة
فى نفس اليوم نشرت جريدة الأخبار ما ينفى كلام خيرى السمرة، فالحكاية ليست خمسة عشر يومًا، والغريب أن من قال الكلام الجديد للأخبار كان خيرى السمرة أيضًا، فقد سألته الصحفية كريمة عبدالرازق عن عودة عدوية للغناء بعد هذا الحادث، فقال لها إنه سيعود لنشاطه الفنى إن شاء الله بعد ثلاثة أشهر على وجه التقريب، ولن يؤثر ما حدث على صوته ولا على أى شىء آخر.
تصف كريمة عبدالرازق ما جرى فى المستشفى.
تقول: دخلنا حجرة عدوية، حيث لا تزال الزيارة ممنوعة، ومد الدكتور خيرى السمرة يده إلى يد عدوية، وقال له: إزى الحال... اضغط على يدى، وفعلًا ضغط عدوية على يده، ثم مد الدكتور خيرى السمرة يده الأخرى، وقال له: اضغط على إيدى، ومسك يد عدوية الأخرى، وقال له: اضغط يا أحمد على إيدى، فضغط عدوية بيده على يد الدكتور خيرى الذى قال: إنت كويس دلوقتى.
وتواصل كريمة حكيها: ثم أمر الدكتور خيرى السمرة برفع عدوية ليجلس نصف جلسة فى سريره، وبعدها بدأ ينظر إلينا نظرة الإفاقة، ووجدنا الدكتور خيرى يقول لنا إن عدوية عامل زى الإنسان الذى كان فى نوم عميق ثم استيقظ فجأة، وكانت نظرة عدوية مستقرة تمامًا وواعية، وظل مستيقظًا طوال فترة تواجدنا بالحجرة حول سريره، ومددت يدى لمصافحة عدوية لكى أتأكد أن يده تستطيع السلام دون تراخٍ، أى أن أعصاب اليد سليمة.
برأ خيرى السمرة عدوية من تعاطى المخدرات.
قال: عدم تعاطى عدوية المخدرات أساسًا فى حياته العادية أنقذه من الموت، لأنه لو كان يتعاطى الهيروين من قبل لتوفى فى الحال، لكن عدم تعاطيه الهيروين بالذات ساعدنا على إنقاذ حياته، حيث يتم سحب المخدر من جسمه بوسائل علاجية محددة.
21 يوليو 1989.. نظرات عدوية تائهة أمام النيابة
راعت النيابة حالة أحمد عدوية، فقررت تأجيل التحقيق معه لحين تحسن حالته الصحية وعودته لحالته الطبيعية حتى يمكن سؤاله، لكنها فى الوقت نفسه أمرت بمنع سفر صديقته الكويتية.
كان قرار النيابة مبنيًا على حالة عدوية، فقد ذهب إليه وكيل أول نيابة المخدرات زكريا عبدالعزيز ليستجوبه فى غرفته بالمستشفى، لكن تعذر ذلك سواء بالإشارة أو بالكتابة، فعندما سأله لم تبد منه سوى نظرات تائهة.
28 يوليو 1989.. اتهام رسمى للدبلوماسى الكويتى بالشروع فى قتل عدوية
كشفت مجلة المصور عن أن الثرى العربى الهارب دبلوماسى، وهو ما أكدته تحريات العميد ممدوح الجوهرى رئيس مباحث الجيزة، حيث توصلا إلى أن رجل الأعمال الكويتى يحمل جواز سفر دبلوماسيًا، وأنه وصل إلى القاهرة فى 22 يونيو 1989 وأقام بفندق المريديان بمفرده- كما ظهر من سجلات الفندق- فى حين ثبت أن فتاة مغربية تعمل مضيفة بخطوط الطيران السعودى اسمها حنان، وتحمل جواز سفر رقم 387962، كانت تقيم معه فى غرفته، وسافرت أيضًا فى يوم الجمعة 30 يونيو مع رجل الأعمال الذى قام بحجز أربع تذاكر له على طيران الخليج فى الرحلة رقم 72 التى غادرت القاهرة فى العاشرة من مساء نفس اليوم، وكان يرافقه أيضًا مستشاره القانونى الذى سهل له مغادرة البلاد.
حتى هذه اللحظة لم يكن هناك اتهام رسمى لرجل الأعمال الكويتى، لكن محامى عدوية تقدم ببلاغ رسمى إلى نيابة المخدرات يتهمه رسميًا بالشروع فى قتل عدوية عن طريق دس مجموعة من المواد المخدرة القاتلة فى مشروب عدوية دون علمه، وهرب بمساعدة آخرين، وذلك ظنًا منه بأن عدوية على علاقة بصديقته التى كانت معه بالفندق، وأستند المحامى فى بلاغه إلى التقرير الطبى الذى أكد أن عدوية شرب المواد المخدرة بالفم، فى حين أنه لو كان مدمنًا حقًا لتعاطاها عن طريق الشم بالأنف.
17 أغسطس 1989
تمر الأيام على عدوية وحالته مستقرة لكن دون تحسن، انتقل من مستشفى مصر الدولى فى الدقى إلى مستشفى السلام فى المعادى.
فى مستشفى السلام كانت زيارة عدوية ممنوعة باستثناء زوجته وأولاده وأقاربه، كانوا يترددون عليه، ولم يكن مسموحاً لأحد منهم أن يقيم معه إقامة دائمة.
بدأ العلاج الطبيعى بحمام بخار لمدة ساعتين، ثم تدليك للعضلات لمدة ساعة، وإذا نادى عليه أحد فتح عينيه وابتسم، ولكن تنتابه من وقت لآخر حالة اكتئاب، وينام بشكل متقطع.
20 أغسطس 1989
التقرير الطبى هذه المرة من باريس، نقله سعيد اللاوندى الذى كان يكتب لمجلة أكتوبر متابعات مستمرة عن حالة عدوية، ونشر ما كتبه بعد يومين من وصول المطرب إلى بيته فى المعادى بعد رحلة علاج فى باريس.
طبيبه المعالج فى باريس «استانجلر»، قال إن التحسن الذى طرأ على حالة عدوية وإن جاء سريعًا على عكس المتوقع، إلا أنه لا يعنى أن عدوية قد اجتاز أزمته، بل إن الحالة ستبقى خطيرة للغاية، خصوصًًا وأنه لا علاج لها، فمن المؤكد أن التسمم الذى أصاب مخ عدوية من جراء جرعات المخدر المركزة التى تناولها قد فعل فعلته فى أنسجة المخ.
الدكتور عبدالمنعم الدمرداش المستشار الطبى بالسفارة المصرية بباريس اطلع على الأشعة الخاصة بمخ عدوية، وبعدها قال: لا ينبغى اعتبار نوبات اليقظة المتقطعة دليلًا على شفاء عدوية التام من غيبوبته، فالأشعة تؤكد أن الجدار الخارجى للمخ قد تلف بالفعل وأصبح فى حكم الخلايا الميتة، ومن المستبعد أن يعود لسابق نشاطه بأى حال من الأحوال.
الدكتور أيمن قنديل، والذى كان يتابع حالة عدوية لحظة بلحظة- كما نقل عنه اللاوندى- قال: لا يجب أن نعتبر الكلمات التى نطق بها عدوية بصورة مموطة ومهشمة مثل الحمد لله أو يا رب دليلًا على تجاوز الأزمة، فالشىء المؤكد أنه لا يزال فى الغيبوبة، وإن تخللها بعض لحظات متباعدة من اليقظة المفاجئة دون أن يصاحبها إدراك سليم للناس والأشخاص من حوله، فالمخ على كل حال أصبح من وجهة النظر الإكلينيكية لا ينتظر منه إلا أن يعمل بالجزء الباقى من خلاياه السليمة.
الوضع كان مرعبًا، ولم يكن أبدًا كما صور خيرى السمرة فى القاهرة، يواصل قنديل: حاولنا بصعوبة حمله من السرير لوضعه على مقعد خاص إلا أنه كان أشبه بالمشلول، فرأسه يقع فوق صدره إذا لم نمسك به، بالإضافة إلى عجزه التام عن التحكم فى أطرافه «يديه وقدميه»، فكان جميع المحيطين به يمسكون بجزء من جسمه، لكنه يبقى غير مدرك للناس من حوله، وهذا أمر طبيعى باعتبار أن التسمم قد أصاب معظم مراكز الإدراك فى المخ.
لم يكن سعيد اللاوندى وحده، الذى تابع حالة عدوية فى باريس، أحمد زغلول فؤاد فعل ذلك أيضًا.
يصف ما جرى فى الغرفة رقم 336 بالمستشفى الأمريكى فى باريس، حيث فاجأ عدوية عائلته والأطباء المحيطين به ببداية إداركه قائلًا: الحمد لله، وفى الحال انحنت زوجته على رأسه وسألته: إزيك يا أحمد، فقال: الحمد لله، فتابعت: إنت كويس، فرد: أيوه، ثم عاد عدوية إلى غيبوبته مرة ثانية.
خلال فترات إفاقته تواصل عدوية مع ولديه محمد ووردة، واختبر طبيبه مدحت عامر قدرته على التذكر، فسأله عمن زاره، فقال له: مش فاكر، ولما أخبره بأن عادل حسنى زاره، تذكر عدوية وقال له أيوه وكان معاه إلهام شاهين «فى إشارة إلى المنتج السينمائى عادل حسنى، وكان وقتها متزوجًا من الممثلة إلهام شاهين».
لاحظ الطبيب أن عدوية يضيق بخرطوم التغذية فقال له: تحب نشيل الخرطوم، فأشار له بالموافقة، فرفع الطبيب الخرطوم، وأعطاه قطعة صغيرة من البسكويت، فراح يمضغها ثم ابتلعها بصورة طبيعية، وبعدها تناول وجبة خفيفة.
حاول ابن شقيقته أن يعرف منه ما جرى، سأله: الراجل اللى كنت معاه عمل فيك كده ليه؟ لكنه لم يتحدث بأكثر من: الله يسامحه.
ويتحدث الدكتور أيمن قنديل مرة أخرى، يقول: الفحوص الطبية والمعملية والأشعة المقطعية والمغناطيسية تشير إلى أن فى المخ مناطق خلل وتلف حيث تتركز الإصابة فى المادة البيضاء بالمخ، وهو ما يفسر حالة الغيبوبة المستمرة منذ أكثر من شهر، ونحن نركز العلاج فى الحيلولة دون حدوث مضاعفات نتيجة عدم الحركة لمدة طويلة مثل تيبس العضلات والقرحة وجلطة أوردة الساق.
وقبل أن يتفاءل أحد بتحسن حالة أحمد عدوية يعود قنديل ليقول: التطور الذى تشهده حالة عدوية يبشر بإمكانية شفائه، لكن التفاؤل هنا حذر، فليس معنى ما طرأ على حالته أنه شفى تمامًا، فهذا احتمال، والاحتمال الآخر: هل يقف تقدمه عند هذا الحد؟ أم يمضى فى التطور؟ لا نعرف، ولا نستطيع التنبؤ، لكن الله سبحانه وتعالى هو الشافى.
قبل أن يغادر سعد زغلول فؤاد المستشفى توقف عند موقفين.
الأول عندما سألته زوجته: هل تستطيع أن تحرك قدمك يا أحمد؟
فرد عليها: لسه شوية.
والثانى عندما أخبر أيمن قنديل بأن أحمد كان يغنى منذ ساعات أثناء استفاقته النسبية، ولما تعجب سعد، أكد قنديل: أيوه كان يدندن بأغنية عبدالوهاب «من غير ليه»، وكأنه كان يغنى لحاله وما وصل إليه.
لكن السؤال هو: هل ما حدث لعدوية بالفعل كان من غير ليه؟ أشك.
11 سبتمبر 1989
عاد أحمد عدوية إلى منزله بالمعادى، والذى يتحدث هذه المرة طبيبه الذى كان يتردد عليه الدكتور محمد الجندى.
قال: عدوية بدأ يحرك عضلاته بنفسه، والذراعان والساقان بدأت تستجيب وتترجم أوامر المخ، وأصبح قادرًا على الوقوف بمفرده، والسير بخطوات خفيفة، ومن الممكن أن يستأنف حركة السير بشكل طبيعى بعد أسبوع، والنطق كويس جدًا، ويرد على الأسئلة التى توجه إليه، ولكن الأسئلة المعقدة والعمليات الحسابية لا يستطيع الرد عليها أو حلها، ويمكن أن يتغلب على هذه العملية خلال شهر.
17 أكتوبر 1989.. نيابة المخدرات تخلى سبيل عدوية
انتقلت نيابة المخدرات إلى منزل أحمد عدوية، الذى كان عاجزًا عن أن يذهب إلى مقرها.
كان المحقق هو رئيس النيابة زكريا عبدالعزيز.
نشرت «الأهرام» فى 18 أكتوبر، أن نيابة المخدرات ألقت القبض على المطرب أحمد عدوية وإخلاء سبيله بضمان تحقيق شخصيته والتنبيه عليه بالمثول أمام النيابة فور سماح حالته بذلك بعد أن وجهت له تهمة تعاطى المخدرات.
قرر عدوية خلال التحقيق، الذى استمر لساعتين، أن فتاة تُدعى هند جاءت إليه ودعته لسهرة خاصة مع الثرى الكويتى، فذهب معها إلى جناحه وغنى لمدة ساعة ونصف، ثم قدم له الثرى كأسى ويسكى، وأن الحفلة كانت راقصة، اقتصر دوره فيها على الغناء، ثم قدم له الثرى كأسين أخريين، فقد بعدها الوعى ولم يدر بنفسه إلا وهو فى المستشفى تحيط به أسرته وأقاربه.
لم تركن النيابة لأقوال عدوية، واجهته بما قالته هند فى التحقيقات، فقد أكدت أنه والثرى العربى كانا يتعاطيان الحشيش، لكنه نفى ذلك تمامًا.
انتهى التحقيق وعدوية يحمل على كتفيه تهمة تعاطى المخدرات، ويطارده قرار الحضور إلى النيابة لاستكمال باقى التحقيقات لتحديد المسار النهائى فيما إذا كانت توافرت أركان الجريمة من عدمه.
جريدة الأخبار وفى نفس اليوم، نقلت تفاصيل أكثر عما جرى فى التحقيق مع عدوية.
قال عدوية، طبقًا لـ«الأخبار»، إنه دعى للغناء فى حفلة راقصة كان من ضمن المدعوين فيها الأمير العربى، وإن الأمير أصر على أن يعطى له كأس خمر، لكنه رفض أكثر من مرة، وأمام إصرار الأمير قبل تناول كأسين من الخمر لم يشعر بعدهما بأى شىء.
تصف «الأخبار» ما جرى.
كان رئيس النيابة قد توجه إلى منزل أحمد عدوية بالمعادى فى الساعة الحادية عشر والثلث من بعد الظهر، يرافقه المقدم حسن يحيى رئيس مباحث المعادى، وكان أحمد عدوية فى انتظاره، حيث كان يرتدى بدلة تدريب رياضية، ويجلس على عجلة متحركة، ومعه زوجته وبعض أفراد عائلته، وكان يبدو فى صحة طيبة، وتبادل التحية وكلمات المجاملة مع مندوبى الصحف.
طلب رئيس النيابة الدخول فى إحدى الغرف مع عدوية ومحاميه فقط، حيث بدأت التحقيقات معه، وبعد حوالى 45 دقيقة انتهت التحقيقات حيث قرر زكريا عبدالعزيز رئيس النيابة إخلاء سبيل أحمد عدوية بضمان بطاقته الشخصية، ولم يستطع عدوية التوقيع على أقواله لعدم استطاعته التحكم فى أعصابه، فتقرر الاكتفاء ببصمته.
قال عدوية فى التحقيقات إنه مساء يوم الحادث حضرت له هند، وطلبت منه أن يأتى معها للغناء فى حفلة أعدها أحد الأمراء العرب، فوافق وتوجه معها إلى مكان الحفل، وأدى وصلة غنائية لمدة ساعة ونصف، ولم يتعد دوره فى هذه الحفلة إلا الغناء فقط.
سأله المحقق عن تعاطى المخدرات، فقال إنه لم يتعاط مخدرات مطلقًا فى هذه السهرة، ثم أنه لا يتعاطى أى نوع من المخدرات، ولا يتصور أن يتناول كل هذه الأنواع التى أثبتتها تقارير النيابة، هذا إذا كان فرضًا يتعاطى المخدرات من الأساس.
فى تقرير جريدة الوفد عن التحقيقات نجد بعض التفاصيل، فهند التى يتحدث عنها عدوية طالبة، قابلته يوم 29 يونيو وعرضت عليه إحياء حفل أحد الأثرياء العرب، بمناسبة شرائه شقة جديدة فى حى مصر الجديدة، واصطحبته إلى الغرفة التى ينزل فيها الثرى العربى بفندق ماريوت الزمالك، حيث كانت مقامة حفلة راقصة، وألح عليه الحاضرون بالغناء، فغنى حوالى ساعة ونصف، وقدم خلالها الثرى العربى له كأسى ويسكى مجاملة فاحتساهما مجاملة، إلا أنه لم يشعر بنفسه إلا وهو فى غرفة الإنعاش بمستشفى مصر الدولى.
2 نوفمبر 1989.. عدوية يتحول من متهم إلى شاكٍ
ذهب وكيل نيابة قصر النيل إلى منزل عدوية ليستمع منه خلال ما يقرب من ساعتين إلى أقواله، ولكن هذه المرة ليس كمتهم، ولكن كشاكى، فقد فتحت النيابة التحقيق فى بلاغه الذى يتهم فيه الثرى العربى بمحاولة قتله.
فى التحقيقات قرر عدوية أنه اُستدعى إلى حفل خاص للتعرف على الثرى العربى وللاتفاق معه على إقامة حفلة بمناسبة افتتاح شقته الجديدة بمصر الجديدة، ولم يكن يعرفه من قبل، حيث أمضى معه أكثر من ساعة ونصف تناول خلالها الخمر، ولم يدر بما حدث له بعد ذلك، وبرر اتهامه للثرى العربى بالشروع فى قتله لأنه هو الذى قدم له الخمر وفيه المخدر.
13 ديسمبر 1989.. عدوية مفاجأة حفل توزيع جوائز السينما المصرية
بدأ عدوية يتحرك ويخرج من البيت، وكان حضوره مفاجأة حفل توزيع جوائز السينما المصرية، حيث استقبله زملاؤه وجميع الحاضرين بتصفيق حاد، وانهالوا عليه بالتحية والأسئلة عن صحته، وكان رده عليهم جميعًا تقديمه أغنية من كلمات عبدالوهاب محمد وألحان بليغ حمدى.
قبل الحادث كان بليغ حمدى قد لحن لعدوية أغنية القمر مسافر، التى تقول بعض كلماتها: دقيت على الأبواب قالوا كفاية/ كفاية ده مفيش حد/ وناديت على الأحباب قالوا كفاية/ كفاية ومين هيرد/ ده القمر مسافر/ والسهر مسافر/ والفرحة مسافرة/ حتى الحزن سافر/ كل الناس مسافرة/ وهيا قريبة منى/ كل الناس فى غربة/ ومين حيسأل عنى/ ما حنا قريبين وهما قريبين/ لكن من سنين وسنين.
لم تكن كلمات الأغنية معبرة عن حالة بليغ حمدى، الذى تعرض لأزمة تشبه أزمة عدوية مع اختلاف بعض التفاصيل، ولكنها كانت معبرة أيضًا عن أحمد عدوية وما وصل إليه، وكأنه كان يغنى لنفسه، وليس لجمهور حفل جوائز السينما المصرية.
11 سبتمبر 1990.. «كل شىء بقى تمام»
شهور طويلة عاشها أحمد عدوية أسيرًا للأطباء، فى نهاية أغسطس 1990 سافر إلى باريس ليتابع تطورات حالته الصحية.
وفى أول أيام سبتمبر قابل أطباءه الذين قالوا له إنه تمام وفى تحسن مستمر. كان عدوية يخشى من عدم وصول الدم إلى المخ، لكن تبددت مخاوفه، وهو ما جعله يعود إلى القاهرة ومعنوياته فى السماء، قابل كل من سألوه عن أخباره بجملة واحدة: كله خير.. كل شىء بقى تمام.
لم يكن كل شىء تمام كما قال عدوية، فقد ظل عامين كاملين حتى استطاع أن يقف على قدميه مرة أخرى بشكل كامل، وظل لما يقرب من خمس سنوات حتى استطاع أن يعود إلى الغناء مرة أخرى، لكنه أبدًا لم يعد كما كان.
لم تنتهِ القصة عند هذا الحد، كان لا بد من القصاص.
وفى أبريل 1991 ظهر رجل الأعمال الكويتى مرة أخرى، لكن هذه المرة متهمًا بجلب المخدرات.
فى 14 أبريل 1991 تحديدًا أمرت نيابة مخدرات القاهرة بحبس الأمير طلال ناصر الصباح 4 أيام على ذمة التحقيق، بتهمة جلب المخدرات بقصد التعاطى، وقد اعترف فى التحقيقات بحيازة الهيروين المضبوط والبالغ حوالى كيلوجرام بقصد التعاطى، كما اعترف بجلب الهيروين من سوريا وإدمان هذا المخدر منذ فترة.
فى التحقيقات قال طلال: أنا أتعاطى 50 جرام هيروين يوميًا قيمتها 15 ألف جنيه، بطريقة رقصة التنين، حيث أقوم بإحراق الهيروين فى منقد داخل غرفة مغلقة وأستنشقه.
وأضاف طلال، الذى رفض إحضار محامٍ عنه أو الاتصال بالسفارة، أنه يقيم فى مصر بصفة دائمة منذ الغزو العراقى للكويت فى أغسطس 1990، وأنه سافر إلى سوريا أكثر من مرة بموجب وثيقة سفر اضطرارية خُصصت للأسرة الحاكمة، فهو لا يحمل جواز سفر.
المصادر القضائية وقتها قررت أن نيابة قصر النيل لن تعيد فتح ملف قضية الشروع فى قتل أحمد عدوية إلا فى حالة اعتراف طلال بارتكاب الحادث أو تقديم عدوية بلاغًا جديدًا إلى النيابة.
كان هذا ما فعله أحمد عدوية، فقد طلب من محاميه تجديد بلاغه ضد طلال بتهمة الشروع فى قتله، لأن البلاغ الأول لم يتم التحقيق فيه مع طلال الذى كان قد غادر البلاد بعد ساعات من الحادث.
فى 15 أبريل تحدث عدوية ربما للمرة الأولى عن تفاصيل ما جرى له، بعد أن أصبح الأمير الكويتى بين يدى النيابة.
قال عدوية: أنا تعرضت لمؤامرة وظلم من شخص فاسق وفاسد، ولم أعرف عن أخلاقه شيئًا، ولم أعرفه من قبل، ولكن حدث أنه طلب مقابلتى بحجة التعاقد معى لإقامة حفل بمناسبة افتتاح شقته فى مصر الجديدة، وكانت المقابلة فى 29 يونيو 1989، الساعة الرابعة والنصف صباحًا بفندق ماريوت فى جناحه الخاص بالدور السابع، ولم أكن أدرى أنه مدمن مخدرات وعابث وماجن ويهوى إيذاء الآخرين، وقدم لى مشروبًا لتحيتى ودس لى فى غفلة كميات من المخدرات عبارة عن الهيروين والمورفين والكودايين، وهذه المواد المخدرة لا يتصور شخص عاقل أن يتعاطاها أحد بإرادته.
يُكمل عدوية مفسرًا لماذا جرى ما جرى؟: كان يريد من وراء ذلك القضاء على حياتى خصوصًا، وقد ثبت أن هذا الشخص مشهور عنه ارتكاب مثل هذه الحوادث على سبيل المزاح.
لا يعرف كثيرون كيف انتهت قضية طلال فى القاهرة، ولم يسمع عنه أحد شيئًا بعد إجراءات التحقيق والتقاضى، حتى كان الخبر بصدور حكم بإعدامه ومن الكويت دالًا وموحيًا ومؤكدًا أن الله يُمهل ولا يُهمل.
فى يناير 2007 قضت محكمة الجنايات الكويتية، برئاسة المستشار حمود المطوع، فى حكم أول درجة، بإعدام الشيخ طلال ناصر صباح الناصر الصباح أحد أفراد الأسرة الحاكمة بتهمة الاتجار فى المخدرات وتعاطيها، كما أصدرت ضده أحكامًا مختلفة بتهم أخرى وبرأته من تهمة حيازة السلاح، كما اشتمل الحكم على عقوبات تنوعت ما بين الغرامة والحبس والسجن المؤبد على خمسة متهمين آخرين من جنسيات مختلفة.
كان اسم طلال قد بهت تمامًا، فالحكم يصدر بعد ما يقرب من 19 عامًا من حادث عدوية، لكن عندما تأكد للجميع أنه هو نفس الشخص الذى حرم جمهور عدوية من مطربهم المفضل، وحرم عدوية نفسه من مجده، أصبحت الواقعة مثار اهتمام أكثر.
كيف وقع الفاجر المستهتر؟
طبقًا لتقرير نشرته مجلة روزاليوسف فى 26 يناير 2007، فإن وقائع القضية التى حكم فيها بإعدام طلال تعود إلى أبريل 2006 عندما تم القبض عليه بدائرة المباحث الجنائية بمحافظة حولى بحضور الملازم أول تامر منصور الهاجرى، الذى حرر محضرًا بالواقعة رقم «289- 2006» مباحث ضد كل من طلال ناصر صباح الناصر الصباح وفادى عقل حبشى وعبدالله حميدى شنغاب وفيصل عبدالله حمود جبر العنزى وأمير الإسلام أصغر على وتازهى كلائيل سيد عمر كون حامد.
تحريات القضية السرية قادت إلى أن المتهم السادس تازهى كلائيل سيد عمر يحوز المواد المخدرة بقصد الاتجار، أرسل له أحد مصادره لشراء شىء من المواد المخدرة فوافقه المتهم على بيعه طربة حشيش مقابل 350 دينارًا كويتيًا، وحدد الزمان والمكان بمنطقة السالمية بمواقف النادى البحرى.
استصدرت قوة الضبط إذنًا من النيابة العامة بتاريخ 13 أبريل 2006، ونفاذًا لهذا الإذن انتقلت قوة من رجال المباحث يرافقها المصدر السرى بعد أن حصل على نقود مرقمة وكمن للمتهمين بالقرب من المكان المتفق عليه.
حضر المتهم فى سيارة جيب باجيرو ميتسوبيشى تحمل رقم «250303» حولى تعود ملكيتها للمتهم طلال صباح الناصر، وكان بها المتهم الخامس أمير الإسلام أصغر، حيث قاما بعملية الاستلام والتسليم مع المصدر السرى.
بعد أن تلقى الملازم أول تامر منصور الإشارة المتفق عليها قام بالقبض عليهما وبتفتيشهما عثر على النقود المرقمة مع المتهم السادس، كما عثر على ثلاثة أظرف بداخلها مادة الكوكايين المخدرة، كما عثر على عدد 2 طربة حشيش فى السيارة وكيس نايلون بداخله عدد 18 لفافة كوكايين.
بمواجهة المتهمَين بالمضبوطات اعترفا بأنها تخص المتهم الأول طلال صباح الناصر، وأنهما يعملان لحسابه فى بيع المواد المخدرة، حيث يزودهما بها المتهم الرابع فيصل عبدالله حمود بناء على تعليمات بذلك له من المتهم الأول.
بإرشاد منهما تم ضبط المتهمين الأول والرابع داخل مسكن طلال الناصر بمنطقة السرة، وعند تفتيش طلال عثر فى جيب جلبابه الأيمن على نصف تربة حشيش ولفافتى كوكايين، كما عثر أمامه على قطع صغيرة من الحشيش وورق لف ماركة الرشيد، كما عثر فى خزانته الخاصة على ثلاثة ونصف طربة حشيش و89 لفافة كوكايين بالإضافة إلى مسدس ماركة سميس به خمس طلقات فى الكمودينو، وعثر أسفل السرير على بندقية، وبتفتيش سيارته ماركة «B.M.W» عثر على مسدس آخر به 3 طلقات، وبمواجهته بالمضبوطات وأقوال المتهمين الخامس والسادس أقر بأن المضبوطات التى ضبطت معه للتعاطى، أما التى ضبطت فى غرفة نومه فهى للاتجار، كما اعترف بمكان مخزن سرى فى سرداب تحت مسكنه، بتفتيشه عثر على دولاب به 127 تربة حشيش و9 أكياس كبيرة من الكوكايين ومطحنة كهربائية وميزان حساس.
اعترف المتهمان الثانى والثالث بأنهما المسئولان عن إرسال المخدرات من لبنان، وبعد ذلك أسفرت التحريات التكميلية عنهما بأنهما يقومان بغسل للأموال المتحصلة من تجارة المخدرات لحساب طلال الناصر، تصلهما عن طريق تحويلات يومية يقوم بها المتهم الرابع بواقع 1500 دينار يوميًا إلى المتهم الثانى من لبنان، ومثلها إلى المتهم الثالث فى الإمارات عن طريق شركة الزامل للصرافة، التى قدم المسئول عنها، واسمه أحمد صالح بالماح المشجرى، بيانًا بالمبالغ المحولة منذ 2/5/2003 وحتى يوم القبض على المتهمين، حيث وصلت قيمة المبالغ المحوَّلة إلى «780919» دينارًا كويتيًا، أى أكثر من ثلاث أرباع مليون دينار كويتى.
طبقًا لتقرير الإدارة العامة للإدارة الجنائية رقم 192 لسنة 2006 وصل إجمالى ترب الحشيش المضبوطة إلى 25908 كيلوجرامات و4599 كيلوجرامًا فى الكوكايين، و530 قرصًا من مادة دياز يبام، وعدد 272 قرصًا من مادة فلونيتير ازبيام المخدرة.
وأثبت تقريرا السموم للأدلة الجنائية رقما 1055 و1057 س لسنة 2006 أنه عثر فى عينة البول الخاصة بالمتهم طلال صباح الناصر على متحللات مادتى الحشيش والكوكايين المخدرتين.
القضية تخص الكويت، أحد أبناء الأسرة الحاكمة متهم فى قضية مخدرات، ولأنه لا أحد فوق القانون فقد صدر الحكم بإعدامه.
هل تحدث طلال خارج التحقيقات؟
بعد الحكم أجرت معه جريدة الجريدة الكويتية حوارًا مطولًا باعتباره صاحب أول حكم قضائى صدر بحق أحد أبناء الأسرة الحاكمة فى الكويت.
كانت محكمة أول درجة قد أصدرت حكمها على طلال وأيّدته من بعدها محكمة الاستئناف، ولم يجد أمامه إلا أن يقول لـ«الجريدة»: أنا مستعد لتنفيذ حكم الإعدام، لكنى أطلب من أمير البلد الشيخ صباح الأحمد العفو عنى وإبعادى عن البلاد.
كان محامى طلال يدرس تقديم التماس لإعادة النظر فى الحكم النهائى الصادر ضده، وحاول هو أن يتهرب من مسئوليته عما جرى، فقال: أنا مدمن للمخدرات وأتعالج منها، وليست لى علاقة بالاتجار بالمواد المخدرة، والمباحث دخلت منزلى وأخذتنى ولا علاقة لى بالمضبوطات.
لا أعرف شيئًا عن مصير طلال، هل نُفذ فيه حكم الإعدام بالفعل؟ هل عفا عنه الأمير وأبعده عن الكويت، هل مات؟ أم لا يزال حيًا؟... كل ذلك لا يهمنى، انشغلت بتعليق عدوية وما قاله.
أمام محرر روزاليوسف قال عدوية: يُمهل ولا يُهمل، وكل ظالم وله يوم، هو كان شخصًا مؤذيًا جدًا، ولا أريد أن أتذكر هذا الموضوع أو أن أتحدث فى تفاصيله، ولكن هذه نهاية طبيعية لأفعاله، وبالمناسبة سبق أن تم القبض عليه هنا فى مصر بتهمة جلب المخدرات، وحُكم عليه بالسجن 15 عامًا، ولكنه قضى منها سبع سنوات فقط ثم خرج بعد نصف المدة.
ويضيف عدوية: هذا الرجل كان دائمًا ما يحمل معه الكثير من أنواع المواد المخدرة حتى إنه صنع منها التوليفة التى وضعها لىّ فى العصير والتى أصابتنى بالشلل النصفى الكامل وقتها، وأنه لو لم يتم إنقاذى فى الوقت المناسب ربما كنت أُصيبت بشلل كامل أو مُت.
رفض عدوية الحديث عن سبب ما فعله به طلال.
قال: هذه ملفات أغلقت ولا أحب فتحها، وأنا الآن أستعد لفتح صفحة جديدة فى حياتى، فأنا سعيد بنجاح ابنى محمد، وأستعد لإصدار ألبوم جديد بعد كل تلك السنوات باسم «فات الزمان»، وعُدت مرة أخرى للحفلات الحية فى مصر وباريس والمغرب وتونس، وبصراحة مثل هذا الكلام سيكون سببًا فى شوشرة أنا فى غنى عنها الآن، ولا أقصد نفسى فقط، بل ولابنى أيضًا، وأنا أريده أن يركز فى طريقه.
وختم عدوية كلامه: منذ الحادث وأنا أقول ربنا يسامحه، وأنا لا أحمل ضغينة لأحد، ولا يمكن أن أشمت فى موت أحد فهذه أخلاق أولاد البلد، ولكن أراد الله أن ينتقم منه فهى مشيئته وكله سلف ودين.