رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا خير فى مستقبل سوريا

أعجبنى جدًا العنوان الرئيسى الذى تصدر صحيفة «الدستور» اليوم، وهو «دولة على قلق.. سيناريوهات المستقبل الغامض فى سوريا». والحقيقة المُرة التى يجب أن نعلمها جميعًا أن هذا المستقبل بالوضع الحالى لا يبشر بأدنى خير، لأسباب كثيرة، يأتى على رأسها انتشار الطوائف الكثيرة التى تحمل كلها السلاح، ما يعنى أن الأمر بات خطيرًا. 

ومن غير المعقول على الإطلاق فى ظل هذا المناخ المعقد، أن نأمن أو نكون مطمئنين لمستقبل مبشر فى الدولة السورية، فالحقيقة المرة أن هذه الميليشيات المسلحة التى تنتشر بشكل واضح وظاهر، وتعمل لحساب قوى خارجية، تفتقد إلى الولاء للوطن، إضافة إلى التدخلات الأجنبية الكثيرة المباشرة داخل الأراضى السورية، التى تؤكد أن الأمر خرج من يد السوريين الوطنيين. وكذلك فإن الحكومة الانتقالية التى شكّلها أحمد الشرع أو محمد الجولانى، أيًا كانت التسمية، فهى كلها من جماعته المسلحة التى هى فى الأصل جماعة إرهابية.. وبذلك ماذا ننتظر من مستقبل لسوريا؟

ولا يفوتنى الإعجاب بالرؤية الرائعة التى تحدث بها المفكر الكبير الدكتور عبدالمنعم سعيد، عندما أعلن عن أن احتمالية الحرب الأهلية واردة؛ فى ظل هذا الجو الملبد بالغيوم فى سوريا، وهو مُحق فى هذا التحليل تمامًا، فكل المعطيات على الأرض لا تبشر بأدنى خير.

يُعد مستقبل سوريا من أكثر القضايا إثارة للجدل والقلق فى المنطقة والعالم، حيث تتشابك فيه عوامل سياسية واجتماعية واقتصادية معقدة، وتتعدد السيناريوهات المحتملة لمستقبل سوريا، وجميعها تتأثر بمدى نجاح الجهود المبذولة لحل الأزمة السورية، وتعاون المجتمع الدولى، وطبيعة التحولات الإقليمية والدولية.

من بين هذه السيناريوهات، هناك سيناريو استمرار الصراع، الذى قد يؤدى إلى تقسيم البلاد وتعميق الانقسامات الطائفية والعرقية، وتفاقم الأزمة الإنسانية، والمشهد الحالى يؤكد ذلك. 

وهناك سيناريو الانتقال السياسى التدريجى، الذى يتطلب حوارًا شاملًا بين جميع الأطراف السورية، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وبناء مؤسسات دولة قوية قادرة على تلبية احتياجات الشعب السورى. وهذا السيناريو لن يتحقق فى ظل ما أوردته سابقًا.

كما يوجد سيناريو التدخل الخارجى الذى قد يأخذ أشكالًا مختلفة، إما من خلال دعم أطراف الصراع، أو من خلال فرض حلول عسكرية، ما يزيد من تعقيد الأزمة.

إن تحقيق أى من هذه السيناريوهات يتطلب إرادة سياسية قوية من قبل جميع الأطراف المعنية، وتعاونًا دوليًا فعالًا، وتضحيات كبيرة من الشعب السورى، وهذا للأسف غير متوافر.

ولا يفوتنى الحديث عن الموقف المصرى تجاه الكارثة السورية؛ باعتبارها من أبرز الملفات فى السياسة الخارجية المصرية، حيث تتقاطع فيه المصالح الوطنية مع التطورات الإقليمية والدولية، وكثيرًا ما دعت مصر إلى حل سياسى شامل للأزمة السورية يحفظ وحدة الأراضى السورية، ويضمن عودة اللاجئين، ويحافظ على مؤسسات الدولة. 

تأتى هذه الدعوة انطلاقًا من إيمان مصر بضرورة الحفاظ على الأمن والاستقرار فى المنطقة، ودور سوريا المحورى فى هذا السياق، وعلى الرغم من التحديات التى تواجهها المنطقة، فإن مصر تسعى إلى تعزيز التعاون مع مختلف الأطراف المعنية بالأزمة السورية، بهدف الوصول إلى حل سياسى يرضى جميع الأطراف.

ومع ذلك، تواجه السياسة المصرية تجاه سوريا تحديات عديدة، منها التدخلات الإقليمية والدولية فى الشأن السورى، وتعدد الأطراف الفاعلة على الساحة السورية، وتأثير الأزمة على الأمن القومى المصرى. ورغم هذه التحديات، فإن مصر تواصل جهودها الدبلوماسية والإنسانية لدعم الشعب السورى، وتقديم المساعدات اللازمة له، وتنسيق الجهود الإقليمية والدولية لحل الأزمة.

نعم يشهد مستقبل سوريا تحديات بالغة التعقيد، تتطلب حلولًا شاملة ومتعددة الأوجه؛ فبعد سنوات من الصراع الدامى والدمار الهائل، تواجه البلاد جروحًا عميقة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والبشرية. وإعادة إعمار البنية التحتية المدمرة، وتوحيد المجتمع المنقسم، وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، كلها مهام شاقة تتطلب جهودًا مضنية.

بالإضافة إلى ذلك، يعانى الاقتصاد السورى انهيارًا حادًا، وتشريد الملايين من السوريين داخل وخارج البلاد، ما يزيد من حدة المعاناة.