السؤال الغبى.. عن قوة مصر العسكرية!
حرب تشتعل بين أيرلندا وإسرائيل، أغلقت بمقتضاها تل أبيب سفارتها فى دبلن، وهاجم وزير الخارجية الإسرائيلى، جدعون ساعر، انتقادات الرئيس الأيرلندى، مايكل هيجينز، واصفًا إياه بأنه «كذاب مُعادٍ للسامية»، لقوله، إن إسرائيل تنتهك السيادة اللبنانية والسورية واتهم دون دليل، فى نظر جدعون ـ الدولة العبرية بالسعى إلى إقامة مستوطنات فى مصر.. وقد دافع جدعون عن قراره بإغلاق السفارة الإسرائيلية فى أيرلندا، بأن دبلن شجعت معاداة السامية فى عهد رئيس وزراء، اتهمه بكراهية اليهود.، وردًا على ذلك، قال هيجينز يرى أن «وصم شعب ما بأنه دولة إسرائيل، هو أمر خطير للغاية، لأنه فى الواقع لا يتفق مع رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الذى ينتهك العديد من مواد القانون الدولى، والذى خرق سيادة دول ثلاث من جيرانه، فيما يتصل بلبنان وسوريا، ويرغب فى التوصل إلى تسوية فى مصر، بإقامة مستوطنة فى سيناء».. وأضاف هيجينز، خلال مراسم تقديم أوراق اعتماد السفيرة الفلسطينية، جيلان عبدالمجيد، «أعتقد أن القول بأن انتقاد رئيس الوزراء نتنياهو يعنى معاداة السامية، هو تشويه سمعة وافتراء صارخ».. وكانت أيرلندا واحدة من أبرز منتقدى إسرائيل طوال الحرب فى غزة، التى اندلعت فى السابع من أكتوبر 2023.. واتهم هيجينز التحركات الدبلوماسية الإسرائيلية بأنها «جزء من نمط يهدف إلى الإضرار بأيرلندا»، دون الخوض فى التفاصيل.
فى مايو الماضى، استدعت إسرائيل سفيرها لدى أيرلندا، بعد أن أصبحت دبلن واحدة من ثلاث دول أعضاء فى الاتحاد الأوروبى، أعلنت عن أنها ستعترف من جانب واحد بدولة فلسطينية.. ولم تستدعِ أيرلندا سفيرها لدى إسرائيل.. وفى نوفمبر، أقر البرلمان الأيرلندى اقتراحًا غير مُلزم، ينص على أن «إسرائيل ترتكب جرائم إبادة جماعية أمام أعيننا فى غزة».. وفى الأسبوع الماضى، صوَّت مجلس الوزراء الأيرلندى على الانضمام إلى القضية التى تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية أثناء حربها مع حماس فى غزة، والتى رفعتها جنوب إفريقيا أمام المحكمة الجنائية الدولية فى لاهاى العام الماضى.. وفى بيان جديد باللغة الإنجليزية، رد ساعر، «إنه كذاب معادٍ للسامية.. إنه كذاب معادٍ للسامية»، واستمر فى الدفاع عن تصرفات إسرائيل على الجبهات الثلاث، قائلًا، «من الأراضى اللبنانية، تم انتهاك سيادة إسرائيل لأكثر من عام.. وبدون أى سبب أو استفزاز، انضم حزب الله إلى حماس، ومنذ ذلك الحين أطلق عشرات الآلاف من الصواريخ والقذائف والطائرات بدون طيار على المواطنين والتجمعات الإسرائيلية.. لقد فعلت إسرائيل ما تفعله أى دولة.. دافعت عن نفسها ضد معتدٍ وحشي».
وصعَّدت إسرائيل من حربها ضد الجماعة الإرهابية ـ على حد وصف جدعون ـ فى سبتمبر، بعد ما يقرب من عام من الهجمات عبر الحدود، حيث أرسلت قوات برية عبر الحدود إلى جنوب لبنان، لتفكيك مواقع حزب الله، وشنت حملة جوية عدوانية أسفرت عن مقتل عدد كبير من كبار قادة الجماعة الإرهابية، بمن فى ذلك زعيمها حسن نصرالله.. وكان الهجوم يهدف إلى إبعاد حزب الله عن الحدود وجعلها آمنة، لعودة عشرات الآلاف من الإسرائيليين الذين تم إجلاؤهم من منازلهم فى شمال إسرائيل، إلى أن دخل وقف إطلاق النار الهش بين الجانبين حيز التنفيذ، نهاية شهر نوفمبر الماضى.
وفيما يتعلق بسوريا، حيث أسقط المتمردون نظام بشار الأسد هذا الشهر، فى هجوم خاطف، ادعى ساعر أن «مجموعات مسلحة دخلت المنطقة العازلة، وهاجمت قوات الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك»، منتهكة بذلك اتفاق فض الاشتباك لعام 1974.. وقال إن إسرائيل دخلت المنطقة العازلة التى تسيطر عليها الأمم المتحدة فى مرتفعات الجولان، بعد أن سيطرت الجماعات المتمردة فى سوريا على دمشق فى الثامن من ديسمبر، لمنع تهديد الإسلاميين المتطرفين ضد مواطنيها ومجتمعاتها.. «إن إسرائيل لن تنتظر هجومًا آخر يشبه ما فعلته حماس فى السابع من أكتوبر على أى من حدودها».. وقالت إسرائيل إن الاستيلاء على المنطقة العازلة، هو خطوة دفاعية مؤقتة لن تستمر، إلا إلى حين ضمان الأمن على طول الحدود، وإنها لا ترغب فى الانخراط فى الصراع فى سوريا.
وفيما يتعلق بما أسماه ساعر «مزاعم الرئيس الأيرلندى»، بشأن الاستيطان فى مصر، رد وزير الخارجية الإسرائيلى، «لقد اخترع هيجينز الادعاء بأن إسرائيل تسعى إلى إقامة مستوطنات هناك.. وفى إطار اتفاق السلام مع مصر، انسحبت إسرائيل من منطقة ضخمة.. كل صحراء سيناء واقتلعت كل مجتمعاتها هناك.. وقد تم الحفاظ على اتفاق السلام هذا منذ عام 1979».. ثم لم ينس أن يُعيّر هيجينز، بفشل أيرلندا فى الانضمام إلى الحلفاء فى القتال ضد ألمانيا النازية فى الحرب العالمية الثانية، «لا ينبغى لنا أن ننسى أن أيرلندا كانت فى أفضل الأحوال محايدة أثناء الحرب العالمية الثانية.. فى ذلك الوقت، كان العالم الحر يُقاتل محور هتلر، بينما كانت أيرلندا تقف على الحياد ولم تفعل شيئًا».. إلا أن دبلن، منذ ذلك الحين، أكدت أن البلدين سوف يحافظان على العلاقات الدبلوماسية، وأنه لا توجد خطط لإغلاق سفارة أيرلندا فى إسرائيل.. واعتبر رئيس وزراء أيرلندا، سيمون هاريس، أن إسرائيل بمحاولة إسكات بلاده على خلفية موقفها الرافض للحرب على قطاع غزة، تتبع دبلوماسية تشتيت الانتباه.. وقال إن تل أبيب لن تستطيع إسكات بلاده، لانتقادها الهجمات التى تشنها القوات الإسرائيلية على الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة.. مؤكدًا أن دبلن ستواصل اتصالاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، ولكن، لن يستطيع أحد إسكات أيرلندا.. فكل ما تفعله تل أبيب بسبب سياستنا المناهضة لإسرائيل.
●●●
لم يُخطئ الرئيس الأيرلندى فيما ذهب إليه بشأن إسرائيل.. كل ما كان، أن الرجل تحلى بالشجاعة التى تراجع عنها معظم قيادات العالم الغربى، وقال كلمة الحق فى وجه معتدٍ ظالم.. وتعالوا نقرأ فيما كتبه كوبى إيريز، المدير التنفيذى للمنظمة الصهيونية ـ الأمريكية، بمنطقة ميشيجان، قبل عدة أيام.. يقول إيريز، إن مصر، التى طالما اعتُبِرت دولة تحافظ على سلام بارد مع إسرائيل، تثير الآن ناقوس الخطر، بسبب توسعها العسكرى غير المتناسب وأنشطتها المشكوك فيها.. والدروس المستفادة من السابع من أكتوبر 2023، عندما قُتِل أكثر من ألف ومائتى إسرائيلى على يد عناصر من حماس تسللوا عبر الحدود، تؤكد على أهمية اليقظة.. إن تواطؤ مصر فى تسهيل تهريب الأسلحة لحماس عبر الأنفاق فى سيناء!!، يسلط الضوء على مخاطر الرضا عن الذات.. فرغم الاتفاقيات الدولية، غضَّت مصر الطرف عن هذا الأمر، حيث أشارت التقارير إلى أن مسئولين مصريين استفادوا من هذه التجارة.. وهذا يسلط الضوء على درس بالغ الأهمية: وهو أن إسرائيل لا بد أن تستعد دومًا لأسوأ السيناريوهات، حتى مع شركائها المُفترضين.
وكما قلنا فى مقال سابق، إن تحديث الجيش المصرى يُثير هلع الأعداء، وإن الكثير من العسكريين الإسرائيليين ووسائل الإعلام العبرية تنتقد ذلك، يأتى إيريز فى مقاله ليقول، «لقد حشدت مصر ترسانة من الأسلحة تتجاوز احتياجاتها الدفاعية بكثير.. فالطائرات المقاتلة المتقدمة والدبابات الحديثة والطائرات بدون طيار والبحرية المتوسعة، تضع مصر فى مكانة قوة عسكرية إقليمية.. وتثير هذه التطورات، إلى جانب سيطرتها الاستراتيجية على قناة السويس، ووجودها البحرى فى البحر الأبيض المتوسط، تساؤلات حول نوايا مصرى.. وقد سبق أن سلَّط المقدم احتياط إيلى ديكل، رئيس قسم أبحاث التضاريس السابق فى قسم الاستخبارات فى قوات الدفاع الإسرائيلية، الضوء على هذه التهديدات.. ووصف ديكل النشاط العسكرى المصرى فى شبه جزيرة سيناء، بأنه استعداد واضح للحرب مع إسرائيل، «الجيش المصرى منتشر على الحدود.. أراهم هناك.. وتتمركز الدبابات المصرية فى مناطق لا يُسمح لأى جندى مصرى بالتواجد فيها.. وتثبت تصرفات الجيش المصرى فى سيناء، أنهم يستعدون للحرب مع إسرائيل!!».
وادعى ديكل أن هناك عداء عميق الجذور، تكنه مصر لإسرائيل وطموحاتها طويلة الأمد، «إن مصر تستثمر بشكل كبير فى إعداد نفسها للمواجهة العسكرية، عندما تتوافق ديناميكيات القوة العالمية لصالحها.. لقد تم نبذ مصر، التى كانت ذات يوم زعيمة للعالم العربى، بعد اعترافها بإسرائيل.. وكان هدفها الاستراتيجى دائمًا تقويض وجود إسرائيل.. وحتى تُحقق هذا الهدف، فإنها تفعل كل ما فى وسعها لتقليص قدرات إسرائيل».. إن الأنشطة المصرية الأخيرة مُثيرة للقلق بشكل خاص.. فوفقًا لديكل، بدأت مصر فى بناء أنفاق ضخمة فى شبه جزيرة سيناء، بمداخل يصل عرضها إلى سبعة أمتار، وربما عشرات الأمتار، وهى مصممة لتخزين الأسلحة الاستراتيجية.. وتعكس هذه الأنفاق هياكل مماثلة، تم بناؤها بالفعل على الضفة الغربية لقناة السويس، حيث يوجد ما يقرب من ستين نفقًا من هذا النوع فى مكانها، «لا أعرف أى عدو آخر تتحصن مصر ضده بهذه الطريقة.. إنهم لا يحفرون ستين نفقًا فى سيناء للدفاع ضد إيران.. هذه أسلحة هجومية محمية من الغارات الجوية، وجاهزة للاستخدام عندما يختارون ذلك».
وسلط ديكل الضوء أيضًا على ما اعتبره «خطابًا ودعاية عسكرية مصرية، تعكس عداءها المتزايد».. يقول، «منذ اندلاع الحرب، كانت مصر ترسل لنا تهديدات مُبطنة.. مؤخرًا، أثناء افتتاح الأكاديمية العسكرية فى القاهرة، ناقش المتحدث العسكرى المصرى علنًا نقاط الضعف فى دبابة ميركافا الإسرائيلية، بينما كان الرئيس عبدالفتاح السيسى نفسه حاضرًا.. وادعى أن المتحدث العسكرى، نشر مقطع فيديو دعائيًا يعلن فيه، (نحن نعد جيشنا لليوم الذى تتجاهل فيه إسرائيل نصيحتنا، بعدم الاستيلاء على محور فيلادلفيا)».. إن هشاشة الأنظمة الإقليمية تشكل عاملًا حاسمًا.. فكما استسلم نظام بشار الأسد فى سوريا للصراع الداخلى، فإن حكومتى مصر والأردن ليستا بمنأى عن مخاطر مماثلة!!.. فالصعوبات الاقتصادية، والاستياء العام من الغلاء، والمعارضة الإسلامية، من الممكن أن تؤدى إلى زعزعة استقرار هذه الدول.. وقد يؤدى تغيير القيادة فى أى من البلدين، إلى ظهور أنظمة أقل التزامًا بالحفاظ على الاستقرار مع إسرائيل، وترث ترسانات عسكرية هائلة وشعوبًا غارقة فى المشاعر المُعادية لإسرائيل.. متناسيًا ـ أى ديكل ـ أن الجيش المصرى، هو ذاته الشعب المصرى، الذى يقف خلف قيادته، فى السراء والضراء، ويدفع معها نحو البناء والتعمير، مُدركًا أن لكل بناء فاتورة، دفعها عن طيب خاطر وما زال مستعدًا للمزيد، والأهم عنده، أن تبقى مصر قوية راسخة.. إن الشعب المصرى لا يخاف، وما ينبغى له ذلك، فمصر محفوظة بأمر الله أولًا، مصونة بجيشها وشرطتها، ومن خلفهما الشعب جميعه.
إن من يخاف، هو من يعتدى.. من يقتل ويسرق وينهب.. لذلك، فإن ديكل يبحث فى وسائل حماية الكيان الغاصب، من لحظة يقول فيها التاريخ كلمته.. لذلك، فإنه يقول فى مقاله، إنه لمعالجة هذه التهديدات الوشيكة، يتعين على إسرائيل أن تعزز دفاعاتها الحدودية، مع التركيز على الحدود الجنوبية والشرقية، لمواجهة المخاطر القادمة من مصر والأردن.. ويشمل هذا وضع خطط عسكرية ودفاعية مدنية قوية، للاستعداد لأسوأ السيناريوهات، مثل تغيير الأنظمة المُعادية أو التصعيد فى المنطقة!!.. وإصلاح قيادة الجيش الإسرائيلى والاتصالات الاستخباراتية، إذ تسلط الأحداث المُدمرة التى وقعت فى السابع من أكتوبر، الضوء على فشل فادح فى القيادة والاتصالات الاستخباراتية، داخل القيادة العليا للجيش الإسرائيلى.. إن عدم القدرة على التعرف على العلامات التحذيرية الواضحة للهجوم الوشيك، الذى تشنه حماس والتصرف بناءً عليها، يؤكد الحاجة المُلحة إلى التغيير الشامل.. مع العمل مع إدارة ترامب القادمة، لضمان بقاء التوسع العسكرى المصرى شفافًا ومُقيدًا.. ويرى أن الاحتفاظ بالسيادة على المناطق الاستراتيجية، مثل الضفة الغربية ومحور فيلادلفيا لمنع الخصوم من استغلالها.. إن أمن إسرائيل ـ فى رأيه ـ يعتمد على توقع التهديدات والاستعداد للأمور غير المتوقعة.. والدروس المستفادة من التاريخ واضحة.. فالرضا عن الذات يأتى بتكلفة باهظة.. ونحن نرى أن أمن إسرائيل يتحقق، بإعادة الحق لأصحابه، وتحقيق حلم الفلسطينيين فى دولتهم المُستقلة، وكف الأذى عن دول الجوار.. وسوريا نموذج حديث للعدوان الإسرائيلى على أراضى الغير!!.
●●●
ما تُدركه إسرائيل، وتتعامى عنه، هو حجم التحديات التى تُحيط بمصر من كل جانب، وأولها ما يحدث فى غزة، وما يشتعل فى السودان، وما قد يحدث فى الجوار الليبى، بعد الأحداث الأخيرة فى سوريا، إذ من المُمكن أن تتحول ليبيا إلى ساحة حرب داخلية ودولية، ستأتى على جميع دول المنطقة الإفريقية، التى تعانى جُل أنظمتها هشاشة أمنية وسياسية، ما يستدعى تصدى الدول الغربية نظرًا إلى قرب ليبيا من الساحل الجنوبى لقارة أوروبا، كما يقول المتخصص فى الشأن العسكرى، العقيد عادل عبدالكافى، الذى حذر من دخول مقاتلى نظام الأسد إلى ليبيا، باعتبارهم مُلاحقين من قِبل عناصر المعارضة السورية التى تولت زمام الحكم، متوقعًا أن تفقد روسيا مواقعها بصفة أكبر فى سوريا، على خلفية دعمها لنظام الرئيس السورى المخلوع، فى جميع عملياته العسكرية ضد المعارضة السورية التى أطاحت به.
ستُركز المعارضة السورية على إنهاء الوجود الروسى على أراضيها، بدءًا بتقليصه، ثم الانتقال إلى المرحلة التى ستُنهى وجوده تمامًا، لا سيما فى ظل السقوط الآلى لجميع الاتفاقات التى أبرمتها روسيا مع نظام الأسد، ما سيدفع موسكو لاتخاذ خطوات عدة، أولاها إيجاد موطئ قدم لعناصرها وعتادها فى ليبيا والسودان، عبر نقل عتادها العسكرى من قاعدتى طرطوس وحميميم فى سوريا، إلى كل قواعد الجُفرة وبراك الشاطئ والخروبة والقرضابية المحاذية لسرت، التى تتوسط الغرب والشرق الليبى.. والأخيرة، ستتخذها كقاعدة عمليات لنقل إمدادات السلاح وعناصر الفيلق الروسى الإفريقى، لتعزيز وجوده فى دول الساحل والصحراء وغرب ووسط إفريقيا.. فروسيا فى حاجة إلى تعزيز القوتين، النيرانية والقتالية، لعناصرها، حتى تتمكن من بسط نفوذها فى القارة السمراء، لذلك ستلجأ إلى ضم العناصر الأمنية السورية التابعة لنظام الأسد، لتتحول بذلك ليبيا إلى مركز لاستقطاب العناصر البشرية، إذ من المتوقع أن يرتفع عدد عناصر الفيلق الروسى الإفريقى، إلى ما يقارب خمسة وأربعين ألف عنصر من جنسيات مختلفة.. لكن هذه المرة، ستتحول نواة تشكيل الفيلق الإفريقى الروسى إلى عناصر «سورية بشارية»، وهى عناصر أمنية لديها قدرة عالية على القتال ونهب الثروات، وجميعها صفات مطلوبة فى صفوف مرتزقة الفيلق الإفريقى الروسى، ما يجعل ليبيا فى خطر اندلاع صراع مسلح خلال أى وقت، بين القطبين الغربى والشرقى، سيطاول أيضًا كلًا من جمهورية إفريقيا الوسطى والسودان، وعددًا آخر من الدول الإفريقية.
وطبيعى، أن التمدد الروسى فى إفريقيا يحتاج إلى أسلحة متطورة، غير تلك التى تُركت من حقبة القذافى، ومع استقدام روسيا لمقاتلى بشار إلى ليبيا، ستنقل أيضًا طائرات مقاتلة وأنظمة دفاع جوى وصواريخ مضادة للدروع والتحصينات.. وقد بدأت روسيا فعليًا فى عملية نقل جزء من عتادها العسكرى نحو ليبيا، عن طريق رحلات جوية، هبطت مباشرة فى قاعدتى براك الشاطئ والجُفرة العسكرية على مدى الأسابيع، التى سبقت انهيار نظام الأسد.. وقد جلبت عناصر من مقاتلى نظام الأسد، وعناصر روسية على درجة عالية من القتال، إذ كانت تابعة لـ«فاجنر» سابقًا، والمعروفة حاليًا بالفيلق الإفريقى الروسى، وهى التى كانت تقاتل بهم روسيا المُعارضة السورية لدعم بقاء الأسد.. سيتواصل نقل بقايا مقاتلى نظام الأسد جوًا إلى القواعد العسكرية الروسية فى ليبيا، ليعاد بعدها نشرهم فى دول الساحل والصحراء الإفريقية، وما الأسلحة التى تجلبها روسيا من سوريا إلا لتعزيز قدراتها القتالية فى ليبيا، كموقع استراتيجى يُقابل قواعد الناتو جنوب المتوسط، وأيضًا لدعم العمليات العسكرية فى الدول الإفريقية، نظرًا إلى أن هذه الدول تشكل موارد ثروات ستعزز خزائن روسيا، لتوسيع رقعة انتشارها فى إفريقيا.
وتكمن خطورة وجود مقاتلى نظام الرئيس المخلوع، بشار الأسد، فى ليبيا، باعتبار أنهم ما زالوا يتمتعون بقوة قتالية، فى أنه من الأقرب أن توظفها روسيا لتقويض وقف إطلاق النار بين الشرق والغرب الليبى، ولتعزيز وجودها فى إفريقيا، عن طريق استخدام المجالس العسكرية وتحريكها لإلغاء الاتفاقات العسكرية الدولية، على غرار ما حدث للقوات الفرنسية والأمريكية فى النيجر وتشاد.. ومع خروج القوات الفرنسية والأمريكية من بوركينافاسو ونيجيريا وغيرهما من الدول الإفريقية، أصبحت روسيا فى حاجة إلى عدد أكبر من عناصر الفيلق الإفريقى الروسى لملء هذا الفراغ.. وأمنيًا، لا يوجد أمامها أفضل من بقايا عناصر الأسد، الذين سيضخون دماء جديدة فى الفيلق الإفريقى الروسى، ما سينتج عنه توسع فى التمدد الروسى فى ليبيا وبقية دول إفريقيا.
وأخيرًا.. يبدو أن سقوط نظام الرئيس السورى المخلوع، بشار الأسد، لن يلقى بظلاله على الداخل فحسب، إذ بدأت تلوح فى الأفق تخوفات من حدوث تغيرات جيوسياسية وإقليمية، ربما تنعكس بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على الأنظمة السياسية العربية، وخصوصًا الهشة منها، إذ قال مركز الدراسات الأمنية والعسكرية فى ليبيا، إن بلاده مهيأة محليًا وإقليميًا ودوليًا، لاندلاع حرب جديدة بين القطبين الشرقى والغربى، فى ظل تنامى النفوذ الروسى فى إفريقيا انطلاقًا من الشرق والجنوب الليبى، الذى يقع تحت سيطرة قائد قوات الجيش الليبى فى المنطقة الشرقية، المشير خليفة حفتر.. وذلك كله ليس ببعيد عن الحدود المصرية.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.