هل تتحمل واشنطن ثمن السلام فى أوكرانيا؟
كثيرًا ما قال الرئيس الأمريكى المُنتخب، دونالد ترامب، إن تحرير العراق دون الحصول على موارده النفطية، كان أحد أكبر أخطاء السياسة الخارجية الأمريكية.. فهل لديه فرصة الآن لتجنب خطأ مماثل فى أوكرانيا، وهو الذى وعد بإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، بمجرد دخوله إلى البيت الأبيض؟
أوكرانيا ليست فقط سلة خبز أوروبا.. بل هى أيضًا قوة معدنية عظمى، مع بعض أكبر الاحتياطيات التى تضم 117 من أصل 120 معدنًا، الأكثر استخدامًا فى العالم.. بينها خمسين معدنًا استراتيجيًا، حددتها الولايات المتحدة على أنها ضرورية لاقتصادها وأمنها القومى، والعديد منها نادر جدًا، ولكنه أساسى لبعض التطبيقات عالية القيمة، وتوفر أوكرانيا إثنين وعشرين معدنًا منها.. تمتلك أوكرانيا أكبر احتياطيات من اليورانيوم فى أوروبا، وثانى أكبر احتياطى من خام الحديد والتيتانيوم والمنجنيز؛ وثالث أكبر احتياطى من الغاز الصخرى.. بالإضافة إلى رواسب كبيرة من الليثيوم والجرافيت والمعادن الأرضية النادرة، وفقًا لتقرير عام 2022، الصادر عن شركة تحليل المخاطر الجيوسياسية الكندية.. هذه المعادن ضرورية لإنتاج السلع الحيوية، التى تتراوح بين الطائرات والهواتف المحمولة والمركبات الكهربائية إلى الصلب والطاقة النووية.
السؤال المطروح على الرئيس المنتخب الآن هو: هل يريد أن تحصل روسيا والصين على هذا الكنز الدفين من الموارد الطبيعية؟.. أم أنه يريد تطويرها مع أوكرانيا لصالح الشعب الأمريكى؟
كان أحد الأسباب الرئيسية لغزو الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، لأوكرانياـ بصرف النظر عن اعتقاده بأن الأوكرانيين والروس شعب واحد ـ هو الاستيلاء على هذه الموارد الطبيعية، التى تقدر قيمتها بنحو 26 تريليون دولار.. هذا الجهد كاد أن ينجح.. فى أوائل عام 2022، وصلت القوات الروسية إلى ضواحى كييف، واقتربت من الاستيلاء على العاصمة.. ولكن بمساعدة الولايات المتحدة- بما فى ذلك صواريخ جافلين التى قدمها ترامب وإلغاء حظر الأسلحة الفتاكة الذى فرضه باراك أوباما- أجبرت أوكرانيا روسيا على التراجع.. وبذلك نجحت فى الدفاع عما يقرب من 80 فى المائة من الرواسب المعدنية المعروفة فى أوكرانيا، بما فى ذلك 73 فى المائة من خام الحديد، و75 فى المائة من الليثيوم والجرافيت، و90 فى المائة من التيتانيوم، و92 فى المائة من اليورانيوم والعناصر المشعة الأخرى.
فى وقت مبكر، سيطرت روسيا على ما يقدر بنحو 80 فى المائة من رواسب الهيدروكربونات البحرية الضخمة فى أوكرانيا.. لكن على مدى السنوات الثلاث الماضية، قضت أوكرانيا على ما يقرب من نصف أسطول البحر الأسود الروسى، باستخدام طائرات بدون طيار بحرية متفجرة، لطرد البحرية الروسية من مياهها الإقليمية.. مع هذا الهجوم، أعادت أوكرانيا فتح ممرات الشحن الخاصة بها، واستعادت العديد من رواسب النفط والغاز فى البحر الأسود.. واليوم، تحتفظ أوكرانيا بالسيطرة على 96.5 فى المائة من احتياطياتها النفطية المؤكدة و96 فى المائة من احتياطياتها المؤكدة من الغاز الطبيعى، بالإضافة إلى جميع رواسب الألومنيوم والكوبالت والنحاس والنيكل والقصدير والبريليوم.. ونجحت روسيا فى الاستيلاء على حوالى 57 فى المائة من احتياطيات الفحم المعروفة فى البلاد، بقيمة حوالى 11.9 تريليون دولار، وحوالى نصف رواسبها من بعض الأتربة النادرة، على الرغم من أن العديد منها تم الاستيلاء عليه عام 2014، عندما غزت روسيا شبه جزيرة القرم واستولت عليها لأول مرة.. لكن على الرغم من هذه الخسائر، منعت أوكرانيا روسيا من الاستيلاء على 13.6 تريليون دولار من الثروة المعدنية والهيدروكربونية.. وكانت تلك خسارة لبوتين، وفرصة كبيرة للولايات المتحدة.
دفعت الولايات الأمريكية حوالى 183 مليار دولار، لمساعدة أوكرانيا فى الدفاع عن أرضها الغنية بالمعادن من العدوان الروسى.. على الرغم من أن الغالبية العظمى من الجزء العسكرى من تلك المساعدات تم إنفاقها فى الولايات المتحدة، من خلال تعزيز قدرات واشنطن الإنتاجية الدفاعية، وخلق وظائف تصنيع جيدة للعمال الأمريكيين.. إلا أن هذا المبلغ لا يزال استثمارًا كبيرًا بشكل مذهل، فى مساعدة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها.. ألا يجب أن يحصل دافعو الضرائب الأمريكيون على عائد على هذا الاستثمار؟، كما تتساءل صحيفة Washington Post.. وهل تريد واشنطن دخول التيتانيوم الأوكرانى فى صناعة الطائرات الأمريكية، أم فى الطائرات المقاتلة الروسية والصينية التى ستُهدد الولايات المتحدة وحلفاءها؟.. هل تريد الليثيوم الأوكرانى والأتربة النادرة، التى تعمل على تشغيل الإليكترونيات والسيارات الكهربائية الأمريكية الصنع، أم الصينية؟
لقد تعهد ترامب بجلب الطاقة والكهرباء الأقل تكلفة للأمريكيين على وجه الأرض، بالإضافة إلى توسيع الذكاء الاصطناعى وتعدين العملات المُشفرة، والتى تتطلب مراكز بيانات تستهلك كميات هائلة من الكهرباء.. والطريقة الوحيدة التى أثبتت جدواها لخفض تكاليف الكهرباء، مع زيادة الطلب على الكهرباء فى نفس الوقت، هى زيادة إمدادات واشنطن من الطاقة النووية النظيفة بشكل كبير.. وتعهد ترامب بالموافقة على بناء محطات نووية تعمل بمفاعلات صغيرة مبتكرة.. وهذا من شأنه، أن يزيد بشكل كبير من الطلب الأمريكى على اليورانيوم.. والولايات المتحدة هى بالفعل أكبر مشتر لليورانيوم المخصب فى روسيا، وتعتمد على موسكو فيما يقرب من ربع إمداداتها.. ليس من مصلحة واشنطن الاستراتيجية، السماح لبوتين بالسيطرة على أكبر احتياطيات اليورانيوم فى أوروبا.. تحتاج الولايات المتحدة إلى هذا اليورانيوم الأوكرانى، لخفض تكاليف الطاقة للأمريكيين، وتغذية ابتكار الذكاء الاصطناعى والتشفير.
كما حدد ترامب أولوية للحد من اعتماد الولايات المتحدة الاقتصادى على الصين.. فبكين هى أكبر مصدر لأكثر من نصف المعادن الحيوية التى تستوردها الولايات المتحدة، بما فى ذلك 72 فى المائة من واردات الأرض النادرة.. وتحاول الصين محاصرة السوق العالمية على الليثيوم، وشراء المناجم بنشاط فى جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى مناجم المعادن المهمة الأخرى، مثل الكوبالت والنيكل.. وأظهرت قوتها المتنامية على الاقتصاد الأمريكى، فشددت بكين مؤخرًا ضوابط التصدير على المعادن الحيوية، مثل الألومنيوم والتيتانيوم، وحظرت تصدير الجاليوم، وقيَّدت بشدة تصدير الجرافيت إلى الولايات المتحدة.. وأوكرانيا لديها كل هذه المعادن بكثرة.
إذا سقطت ثروة أوكرانيا المعدنية فى أيدى روسيا، فستكون نعمة استراتيجية واقتصادية للصين، التى أقامت شراكة بلا حدود مع روسيا.. وفى الوقت نفسه، تحتاج الولايات المتحدة إلى مصادر صديقة وموثوقة لهذه المعادن المهمة.. إذا ساعدنا أوكرانيا فى تأمين مواردها الطبيعية وتطويرها- تقول الواشنطن بوست- فيمكننا أيضًا توجيه ضربة استراتيجية لبكين وموسكو، مع إعادة الفوائد المالية الهائلة للشعب الأمريكى.. ولكن للقيام بذلك، تحتاج أوكرانيا إلى مساعدة ترامب لتأمين سلام عادل ودائم.
بعد الغزو الروسى الواسع النطاق، انخفض إنتاج المعادن فى أوكرانيا بنسبة تقدر بنحو 80 فى المائة، من عشرين مليون طن عام 2021 إلى 2.5 مليون طن فقط، بحلول منتصف 2023.. فمن الصعب التنقيب عن المعادن أثناء إطلاق الصواريخ على البنية التحتية الحيوية الخاصة بأوكرانيا.. من المستحيل تطوير النفط والغاز الطبيعى البحرى، فى المياه التى تسيطر عليها أوكرانيا فى حوض شمال القرم فى ظل القوات الروسية فى ميدان إطلاق النار.. يمكن للشركات الأمريكية تطوير هذه الموارد لصالح الشعبين الأمريكى والأوكرانى، ولكن فقط إذا انتهى القتال، بشروط تمنح المستثمرين الثقة فى أن الهجوم الروسى لن يُستأنف.
الحقيقة، هى أن بوتين لن يتخلى عن طيب خاطر، عن سعيه لغزو أوكرانيا وثرواتها المعدنية.. وسوف يرفض أى اتفاق دولى يمكن أن توقعه روسيا، لتحقيق هدفه.. الطريقة الوحيدة لإيقافه، هى جعل هدفه مستحيلًا.. لا شك أن بوتين يأمل فى استخدام أى وقف للأعمال العدائية للتوقف مؤقتًا، وإعادة تشكيل قواته واستئناف غزوه فى غضون بضع سنوات، تمامًا كما فعل بعد غزوه عام 2014 وضمه شبه جزيرة القرم.. لذا، يحتاج ترامب اليوم، إلى القيام بأكثر من مجرد وقف حرب فى أوكرانيا.. يجب عليه أن يخلق الظروف التى تجعل استئناف الحرب مستحيلًا.. كما ترى الصحيفة.
سيتطلب ذلك إنشاء حدود يمكن الدفاع عنها.. خلال المناظرة الرئاسية لشبكة CNN هذا العام، سألت دانا باش، الرئيس المُرشح وقتها، دونالد ترامب، عما إذا كانت مطالب بوتين بأن روسيا تحتفظ بالأراضى الأوكرانية التى تطالب بها بالفعل، وأن تتخلى أوكرانيا عن محاولتها للانضمام إلى الناتو مقبولة بالنسبة له.. أجاب ترامب، «لا، إنها غير مقبولة».. الأمر يتطلب صفقة جيدة تؤمن أوكرانيا ومواردها حقًا، أن تستعيد كييف المناطق الحيوية فى خيرسون وزابوريجيا.. ستحتاج أيضًا إلى ضمانات أمنية مدعومة بقوة عسكرية غربية، سواء من خلال عضوية الناتو لأوكرانيا، أو التزامات أمنية ثنائية جادة، أو منطقة منزوعة السلاح، تفرضها قوة حفظ سلام دولية مكونة من قوات أوروبية وليست أمريكية، و«سيكون لدى بولندا قريبًا، ثالث أكبر جيش فى حلف شمال الأطلسى، ويمكن أن تقود عملية حفظ سلام أوروبية».
لكن هناك مفتاحًا آخر للسلام الدائم- هكذا ترى الواشنطن بوست- يتلخص فى أوكرانيا المدججة جيدًا بالسلاح، حيث تمتلك كييف جيشًا قويًا بما يكفى لردع روسيا.. ستحتاج الولايات المتحدة إلى تسليح أوكرانيا، بغض النظر عما سيحدث على طاولة المفاوضات، إما لمنع روسيا من استئناف الحرب بمجرد مغادرة ترامب لمنصبه، أو لإجبار بوتين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، إذا رفض الموافقة على السلام.. لذلك يجب أن تجد واشنطن آليات لزيادة تدفق الأسلحة الأمريكية إلى كييف، لا تتطلب من دافعى الضرائب الأمريكيين تحمل التكلفة.. طريقة واحدة للقيام بذلك؟.. القروض المدعومة بموارد أوكرانيا المعدنية والوقود الأحفورى كضمان.. من خلال خلق الثقة التى تجذب الاستثمار الخاص، سيساعد اتفاق السلام بوساطة ترامب، الولايات المتحدة وأوكرانيا على تطوير موارد أوكرانيا المعدنية والهيدروكربونية بشكل مشترك، ما يسمح لها بتوفير الدفاع عن نفسها، تمامًا كما تفعل بولندا ودول البلطيق اليوم.. ساعتها، ستكون أوكرانيا المستقرة والسيادية والمزدهرة، شريكًا أساسيًا لأمريكا، فى استخراج ثروة الموارد الطبيعية هذه.. وستؤدى أوكرانيا غير المستقرة تحت تهديد مستمر من روسيا، إلى استئناف الحرب عندما يغادر ترامب منصبه، وتسمح فى النهاية لبوتين بالاستيلاء على تلك الثروة لصالح روسيا والصين.. من سيستفيد من ثروة أوكرانيا النفطية والغازية والمعدنية؟.. الخيار يعود إلى ترامب.. هذا ما انتهت إليه الواشنطن بوست.. ولكن.
●●●
مع بقاء شهر على تنصيب ترامب، رئيسًا للولايات المتحدة، لدورة ثانية، تتدافع كل من كييف وموسكو لتحسين مواقفهما التفاوضية على أفضل وجه، قبل ما من المرجح أن يكون شتاءً ديناميكيًا، سواء فى ساحة المعركة أو على الساحة الجيوسياسية.. وباستثناء التطورات التى ترتكز على التمنى أكثر من الواقع، مثل قيام المؤسسة العسكرية الأوكرانية المُنهكة بشن هجمات مضادة كبرى، أو معاناة الاقتصاد الروسى من انهيار مفاجئ، فإن نقاط النهاية الواقعية للحرب الروسية ضد أوكرانيا، من الممكن أن تبدأ فى التبلور.. ومن خلال هذا المنظور، تنقسم السيناريوهات المحتملة لإنهاء الحرب بسرعة إلى أربعة خيارات واسعة.
السيناريو الأول، وهو الأكثر إيجابية لإنهاء الحرب فى كييف - كما يرى فرانسيس فاريل، فى مقاله بصحيفة Kyiv Independent- هو تحقيق السلام المبنى على ضمانات راسخة ضد تكرار الغزو، حتى لو لم يشمل كل أراضيها، فى الوقت الحالى.. وفى خطته للنصر التى قدمها لزعماء العالم فى أكتوبر، تحدث زيلينسكى عن دعوة لحلف شمال الأطلسى ونشر صواريخ بعيدة المدى فى أوكرانيا، كوسيلة للردع.. ويكاد يكون من المؤكد أن الدول الأوروبية سوف يكون لزامًا عليها أن تقود الطريق، على الأرجح من خلال إرسال قوات غير قتالية إلى الأرض بمبادرة منها، ودمج أوكرانيا الحرة عمومًا فى البنية الأمنية الأوروبية.. والسؤال الرئيسى هو: لماذا توافق روسيا على التوقف فى ساحة المعركة بهذه الشروط؟
السيناريو الثانى: وقف إطلاق النار مع تجميد الخطوط، وعدم تأمين أوكرانيا، يتضمن إنهاء الأعمال العدائية النشطة، مع عدم وجود أحكام جدية، توفر رادعًا قويًا لغزو روسى متكرر لأوكرانيا.. إنها نتيجة لرغبة الغرب المُشتت والمنقسم ببساطة فى وقف القتال دون خسارة الكثير من ماء الوجه، وقيادة الكرملين التى يمكن أن تكون مستعدة للامتثال.. وقد تحمل المتغيرات المختلفة لخطة السلام هذه أوجه تشابه مع اتفاقيات «مينسك»، مع وجود مراقبين دوليين غير مسلحين وقواعد خاصة بالأسلحة الثقيلة، ومن الممكن أن تشمل أيضًا تخلى أوكرانيا عن طموحاتها فى حلف شمال الأطلسى، لحفظ ماء وجه الكرملين فى الأمد القريب.. على العكس من ذلك، مع تصلب المواقف وقلق كل من زيلينسكى وبوتين، من أن توقيع أى اتفاق سلام سيؤدى إلى الضعف، فإن السيناريو الثانى لا يمكن أن يذهب أبعد من وقف إطلاق النار الهش.. وفى نهاية المطاف، سيكون من المتوقع تكرار الغزو؛ وسيتعين على كييف وأوروبا أن تتسابقا للاستعداد.
السيناريو الثالث: السلام اليائس والمُهدَّد بالتسوية.. وتجد أوكرانيا نفسها فى موقف يتدهور بسرعة فى ساحة المعركة، فى ظل عدم وجود القدر الكافى من الدعم القوى من جانب الولايات المتحدة أو أوروبا، حتى لتأمين تجميد الخطوط الأمامية.. وفى محاولة يائسة لتفادى الهزيمة الكاملة، تسعى كييف إلى السلام.. وبامتلاكها كل السلطة، تستطيع موسكو أن تضع تقريبًا أى وجميع الشروط التى تراها مناسبة، كثمن لوقف تقدمها فى ساحة المعركة.. وقد يشمل ذلك فرض قيود على الحجم العسكرى والأسلحة، ومنح اللغة الروسية وضعًا رسميًا مشتركًا، أو تغييرات دستورية أخرى، تهدف إلى تقويض السيادة والديمقراطية الأوكرانية بشكل دائم.. وإذا قررت موسكو الذهاب إلى أبعد من ذلك، فقد تطالب باستسلام أكثر صرامة فى شكل الاعتراف بالأراضى المتبقية التى تسيطر عليها أوكرانيا، والتعامل معها فى المناطق الأربع التى ضمتها روسيا حديثًا، بما فى ذلك زابورجيا وخيرسون.. إن مثل هذه التنازلات الإقليمية لا يمكن تصورها على الإطلاق بالنسبة لأوكرانيا، ولكنها قد تلوح فى الأفق، إذا لم يكن هناك أى حاجز قوى آخر أو نفوذ، لمنع روسيا من الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من أوكرانيا.
السيناريو الرابع: لا سلام، وروسيا لن تتوقف.. لقد فشلت كل من الولايات المتحدة وأوروبا فى التوصل إلى إجابة مقنعة لسؤال «لماذا يتعين على روسيا أن تتوقف؟».. فالمساعدات غير كافية لوقف موسكو فى ساحة المعركة، كما تفتح أزمة القوى البشرية ثغرات أوسع فى الدفاع عن أوكرانيا، والتى لا تزال القوات الروسية تستغلها.. وتطرح إدارة ترامب خطط سلام مختلفة على بوتين، باستخدام كل من العصا والجزرة، لكن موسكو تقرر ببساطة الاستمرار، دون أن تشعر بأى مقاومة شديدة.. لقد فشلت أوروبا فى حشد رد فعل شجاع خارج حدود اتفاق ترامب ـ بوتين ـ زيلينسكى.. إما أن ترفض كييف السعى من أجل السلام الذى قد يؤدى إلى السيناريو الثالث، أو تحاول القيام بذلك، لكن موسكو ترفضه.. احتمال فتح جبهات جديدة على طول الحدود الشمالية.. موجة جديدة من ملايين اللاجئين تتجه نحو أوروبا.. أصبحت كييف ضعيفة وغير مستقرة على شفا الهزيمة العسكرية.. وتعتمد النتيجة النهائية للحرب على الأهداف الإقليمية القصوى لروسيا فى أوكرانيا.
ويبدو أن موقفى كييف وموسكو غير قابلين للتوفيق، والمهمة التى تواجه ترامب لتغيير ذلك، مهمة شاقة.. وغالبًا ما يتم التغاضى عن السؤال الأكثر أهمية: تحت أى ظروف ستشعر موسكو بالاقتناع أو التوقف لاحقًا عن التقدم، والاستيلاء على المزيد من الأراضى التى تعتبرها تابعة لها.. وعندما سُئل بوتين عن مفاوضات السلام، قال إن أى اتفاق يجب أن يستند إلى الحقائق فى ساحة المعركة، بينما استبعد متحدث باسم الكرملين «تجميد الصراع» بالكامل، مضيفًا أنه من المهم بالنسبة لموسكو تحقيق أهدافها.. إن الرؤى الخاصة بنهاية واقعية للحرب، يجب أن تُبحر فى هذه الصدامات عالية المخاطر، ليس فقط حول المصالح الوطنية، بل أيضًا حول الحسابات الشخصية للغاية لكل جهة فاعلة.. فكزعيم لأوكرانيا، يحتفظ الرئيس زيلينسكى دائمًا بالحق فى مواصلة القتال.. وباعتبارها البادئة بالحرب والقائد الذى يحمل المبادرة بلا منازع فى ساحة المعركة، فإن سؤال «لماذا تتوقف روسيا؟»، يبدأ وينتهى مع بوتين نفسه!!.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.