رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرعب النفسى المُقنع

اسألنى عن أفلام الرعب الحديثة التى تعد خبرات لا تنسى، بالتأكيد ستجدنى أصارع للتعبير عن الرعب الذى يمثله فيلم كريستيان تافدروب «لا تتحدث عن الشر» «Speak no evil»..
الفيلم الذى يبدأ بعطلة صيفية وينتهى بمأساة ذات أبعاد أسطورية بعض الشىء.
يجعلنى هذا الفيلم أشعر بضرورة ترديد جملة «إنه مجرد فيلم» لنفسى طوال مدة العرض، لكسر الإيهام والخروج من تأثيره النفسى.
الشخصيات الرئيسية هى عائلة أمريكية انتقلت إلى لندن لأسباب مهنية، حيث يواجهون أوقاتًا عصيبة، الزوج بن دالتون "سكوت ماكنيرى"، والزوجة لويز دالتون «ماكنزى ديفيس» والابنة أغنس فى سن المدرسة المتوسطة الذين يتعرضون لصدمة كبيرة بسبب خيانة أسرية سيتم الكشف عن تفاصيلها فى النهاية، والآن نجد صوتًا مريبًا وغير متوقع لعائلة أخرى تتكون من أب طبيب أربعينى يدعى باتى «جيمس ماكفوى» وزوجته الشابة الشرق أوروبية سييرا "إيسلنج فرانسيس" وابنهما أيبل أو هابيل، الذى يقارب أغنس فى العمر لكنه لا يستطيع التحدث بوضوح بسبب تشوه خلقى فى اللسان، تلتقى العائلتان فى عطلة فى إيطاليا ويقيمان علاقة صداقة كافية ليدعو دالتون إلى منزله القديم الفسيح المتداعى إلى حد ما فى الريف على بعد ساعات قليلة خارج لندن، ومن المفترض قضاء وقت ممتع، ويتناولون وجبات منزلية طيبة، ويسبحون فى البركة المحلية، ويتنزهون فى الغابة، ويفعلون الكثير من الأشياء الأخرى التى تبدو ممتعة حتى يدركوا أن مضيفهم مجنون بشكل مخيف، وهو ما يظهر بسرعة مخيفة فى نطاق الأحداث.
كما ذكرنا أن الفيلم مأخوذ من آخر دانماركى صدر عام 2022 للمخرجين كريستيان ومادس تافدروب الذى لم يشاهده الكثير من الجمهور، ولكن إذا شاهدته فقد تشعر بالانزعاج مما حدث به، حيث أنهوه صناع الأفلام بطريقة مثالية ولكنها مروعة، لكن جمهور العرض التجريبى تمرد وطالب بمعاقبة الأشرار، وعندما حدث ذلك حقق الفيلم الكثير من الأموال، قد يشعر عشاق الرعب النفسى المستورد إلى الفيلم الأصلى وإعادة إنتاجه يتذكرون موقفًا مشابهًا منذ أكثر من ثلاثين عامًا عندما تمت إعادة إنتاج الفيلم الهولندى الكئيب the vanishing عام 1988والمعروف أيضًا باسم spoorloos، لمخرجه الأمريكى الذى منح الفيلم نهاية أكثر سعادة، 
عادة ينتهى أغلب أفلام الإثارة من هذا النوع بعدد صغير من الأشخاص يتصارعون من أجل البقاء على قيد الحياة فى منزل مظلم، فكل الشخصيات رائعة، ويساعد فى ذلك أن ثلاثًا من الأربع شخصيات الرئيسية «ماكفوى وماكنيرى وديفيس» لعبوا فى السابق شخصيات تشبه هذا إلى حد ما، ولو من حيث وظائف حبكتهم، ماكفوى على وجه الخصوص يترك انطباعًا قويًا، فقد تحول ببطء لكن بثبات إلى نوع من نجوم السينما على مر العقود، وهو يجلب كاريزمته الشريرة والدقيقة، حيث لا يتأكد المشاهد إذا كان ماكفوى رجلًا سليمًا وقويًا أم وحشًا مريضًا يفتعل التعبير عن الحب لزوجته وابنه، ومقابلة زوجته له بنفس الحماسة المفتعلة تدفع عائلة ديلتون إلى لشعور بعدم الارتياح، حيث منح الفيلم فرصًا للرحيل، وينتهى بهم الأمر بطريقة العودة إلى ذلك المنزل المتهالك، معتقدين أنهم يفعلون الشىء الصحيح، مثلما يحدث فى العلاقات المسيئة، فإن دورة الفيلم نفسها تحاكى تلك العلاقات، لا أعرف إذا كان هذا كافيًا لثنى الناس عن الشكوى من أن هؤلاء الأشخاص حصلوا على عشرات الفرص للخروج من هناك وبشكل دائم، ولكن لم يستغلوها.