رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إنها قوانين كيدية تعيق التنمية

لا تحدثنى عن تسريع وتيرة التنمية قبل أن تنسف تشريعاتك القديمة المرتبطة بالعملية الاقتصادية- وإلا فإنك ستعتمد على ما تيسر لدينا من وزراء لديهم الجرأة وعدم الخوف من تقلبات القوانين واللوائح «النوايح التنفيذية».
كما الفريق كامل الوزير نائب رئيس الوزراء وزير النقل والصناعة، والدكتور شريف فاروق وزير التموين، والوزيرة النشطة مايا مرسى وزيرة التضامن، والمحافظين اللواء محمدالزملوط محافظ الوادى الجديد، واللواء طارق مرزوق محافظ الدقهلية، والدكتور حازم الأشمونى محافظ الشرقية، وجميعهم يتشاركون فى ميزة الجرأة واتخاذ القرار السريع، وهناك عدد من المسئولين بعض منهم لديه خبرات تراكمية تمكنهم من اتخاذ القرارات اللحظية العاجلة بجرأة، وإرادة فعل فى الوقت الذى ترتعش فيه أيادٍ آخرون ينفخون فى الزبادى.
لدينا عشرات الآلاف من القوانين واللوائح التنفيذية والقرارات الوزارية المنظمة- بينما ألمانيا لديها عشرات القوانين التى أنتجت تنمية وتقدمًا غير مسبوقين.
نحن فى المحروسة نذهب للمحاكم لتفسير مواد قوانين يفترض أنها واضحة لا تحتمل اللبس والدس والحبس، وإذا بنا أمام قوانين مطاطة رطاطة وحمالة أوجه - تحتمل الوقف والتحريك والتشكيك وحزم التلاكيك- فبمادة بعينها تحصل على الموافقة، وبذات المادة تتوقف المعاملة، وتصبح أثير البخت والحظ- فإذا لحقت بك دعوة أمك سوف تحظى بمسئول يفسر المادة بتيسير يتيح لك فرصة للنجاة من بيروقراطية عقيمة، وإذا صادفك حظ سيئ سوف تواجه من اسميهم بمدراء عموم الفرامل يفرملون السارية والمراكب المبحرة ويعرقلون الميسرة فى كل مصلحة أو بالأحرى مسلخة حكومية سوف تجد ذلك المدير للفرامل، ومنهم الشريف العفيف الخائف المخيف، ومنهم من يملك مع الفرامل دواسة بنزين تيسر المصلحة بسرعة فائقة لأنك عرفت الطريق إلى جيبه حتى يعرفك طريق الخروج من عنق الزجاجة، كما عسر الخروج من رحم الأم مولودًا جديدًا، وبالتأكيد من أعطى هؤلاء المبرر لفرملتك أو تسريع مصلحتك- بالتأكيد قوانين ولوائح ونوايح فيها من الفصام والخصام ما يفوق الهدف الذى من أجله شرعت القوانين، لذلك نحن نشرع القوانين لنخترقها ونخالفها- حتى إن وزارة التنمية المحلية أعدت حملة للتصالح فى مخالفات البناء تحمل عنوان الصلح خير لتنظيم المخالفات، وكأن حضرتك مخاصم مراتك أو جارك وليست الحكومة.
إفرح يا مواطن الحكومة لا تطيق خصامك، والبعد عن جيبكك، وتسعى لمصالحتك ومصلحتك، وسوف تلتقيك بحضن كبير، سوف تستفيق من حرارته ويد الحكومة فى جيبك حتى تدفع عربون الصلح المشروط!
هذا البلد يحتاج بشكل عاجل لثورة تشريعية توقف ارتعاشة الأيادى للموظفين العموميين المعنيين بإدارة التنمية فى المشروعات الكبرى، وخاصة المشروعات الإنتاجية- الزراعية، والصناعية، والسياحية والعمرانية.
هؤلاء الموظفون من رئيس الوزراء نزولًا حتى نهاية السلم الوظيفى فى جميع القطاعات الآن ينفخون فى الأيس كريم- لأن غيرهم من وزراء الرئيس مبارك قد لسعتهم الشوربة الناتجة عن طبخة تشريعية إكتوى بنارها الكثيرون. وفى مقدمة التشريعات قانون العقوبات فى المواد من 115 حتى 119 وهى مواد كيدية تفترض فى الموظف العام سوء النية- راجع معى وحلل المادة 115 والتى تنص على «كل موظف عام حصل أو حاول أن يحصل لنفسه أو حصل أو حاول أن يحصل لغيره دون حق على ربح أو منفعة من عمل من أعمال وظيفته يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة»، ومعلوم بأن المادة بمضمونها الكيدى جرى تشريعها بمعرفة ترزية القوانين فى عهد مبارك،  وتفصيل مواد توقع المسئول الذى يخرج عن طوع السلطة تأديبًا له ولغيره، وكان من بين ضحايا هذه المادة- الدكتور محيى الدين الغريب عليه -رحمه الله- والذى ثبتت براءته بحكم قضائى عادل ولكنه فى تلك الأثناء حظى بتربية حكومية سلطوية لأنه على ما بدا لم يكن يسمع الكلام، وقد أصابته قرصة أذن عقربية، وللأسف الشديد وحسب معلومات مؤكدة فإن معظم القضايا التى تعقبت هؤلاء المسئولين السابقين هى قضايا تتعلق بتربيح الغير، وليس تربح المسئول ذاته، وقد أقرت محكمة النقض إثبات علاقة واضحة بين المسئول وبين من تم تربيحه «كعلاقة نسب أو قرابة أو حتى علاقة حزبية سياسية» وهو ما لم تنص عليه مادة الكعبلة التكاعبلية.
لذلك نقضت محكمة النقض فى جميع القضايا التى قدمت لها استنادًا للمادة 115، وهناك أساتذة قانون يؤكدون أن باب التربح فى قانون العقوبات المصرى يعود فى أصله للقوانين اليوغسلافية فى عصر الرئيس جوزيف تيتو، ورغم رحيل تيتو والرجعية القانونية فى أوروبا الشرقية، ورغم تخلى هذه الدول عن هذه التشريعات الوقوعية وتقدمهم ونهوضهم- إلا أننا مازلنا نمسك بقوانينهم ونعض عليها بالنواجز.
إنها مواد تكاد تصيب أروقة الحكومة بالشلل، وقد أحسب بأن كل ما أنجزناه فى السنوات الماضية لن يستفاد به بغير بناء تشريعى- يأخذ فى الاعتبار تعديل هذه المواد المقيدة لحرية المسئول العام.
أتمنى وليس كل ما يتمناه المرء يدركه أن يتصدى البرلمان لهذه المواد بتعديلها بما يرفع حالة الخوف ويوجه الأجهزة الرقابية بمراقبة المسئول حتى يضبط متلبسًا، كما تفعل الرقابة الإدارية ومباحث الأموال العامة. 
فى زمن سابق أصدر الجهاز المركزى للمحاسبات تقريرًا تضمن توصية بعدم زراعة الأشجار المثمرة فى المدن الجديدة التابعة لوزارة الإسكان وفى حقيقة الأمر لفت نظرى المناقضة التى يتوجب على هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة الرد عليها.
لا تزرعوا النخيل ولا تزوجوه وحجة الجهاز المحاسبى فى ذلك أن النخيل مثمر ويتعين على مسئولى أجهزة المدن تجميع البلح وبيعه فى مزاد علنى طبقًا لقانون المزايدات والمناقصات- الغريب أن التوصية تحظر على مسئولى أجهزة المدن تزويج أشجار النخيل التى تزين الحدائق العامة خشية حمل هذه الأشجار سفاحًا، ومن ثم إنجاب ثمرات البلح، والمؤسف أن أجهزة المدن استجابت لهذه المناقضة ولم تلقح النخيل حتى لا ينجب بلحًا.
غير أن الرياح غالبًا ما تأتى بما لا تشتهيه لجان فحص الجهاز المركزى، وتقوم الرياح الآثمة القائدة لحبات اللقاح وتتكفل بنقل لقاحات ذكورية «لشواشى»  النخيل ما ينتج عنها حمل فى الحرام الحكومى- ليولد بلح غير شرعى لا تعترف به الحكومة ولا يدون فى سجلاتها المحاسبية الرسمية.
هذه الملاحظة تمنع زواج النخل وتغمض الطرف عن زواج النخل بالرياح سفاحًا. والجهاز يرى أن منع التلقيح يدرأ المفسدة. إذ كيف يتم جمع البلح وبمعرفة أى إدارة، وماذا لو أن الرياح التى لقحت هى التى عجلت بسقوط الثمرات على الأرض، وأكل منها إنسان أو حيوان؟!
يا سادة لن تستقيم الحياة فى بلد يعاقب فيها المسئول على غلطة نخلتين مارستا العلاقة الطبيعية خارج إطار قانون الجهاز المركزى  للمحاسبات!
وحتى لا يقال بأن العبد لله يشجع المسئولين على الفساد- فإننى أطالب بمحاسبة من يثبت فساده بطرق الإثبات القانونية وليس بالمواد الظنية المغرقة فى الكيدية.