"مخطط متكامل".. سوريون: إسرائيل دمرت مقدرات الدولة والجيش ومراكز البحوث لتسهيل احتلال مساحات جديدة وتحقيق أحلامها التوسعية
حذّر خبراء ومحللون سياسيون سوريون من محاولات إسرائيل استغلال انهيار مؤسسات الدولة وغياب السلطة المركزية فى سوريا لتحقيق أهدافها الاستراتيجية فى المنطقة، خاصة بعد استهدافها البنية التحتية العسكرية والعلمية للجيش، ومحاولة تكريس واقع جديد على الأرض يعيد رسم خريطة البلاد.
وقال المحلل السورى، آصف ملحم، إن الفصائل التى برزت خلال الأزمة السورية تنتمى إلى تيارات وأيديولوجيات متنوعة، بعضها يحمل فكرًا إسلاميًا متشددًا، وبعضها الآخر أكثر انفتاحًا، لافتًا إلى أنها رغم هذا التنوع كانت متحدة فى هدف إسقاط حكم الرئيس بشار الأسد.
وأكد أن هذا الهدف تحقق، ولكن الفوضى التى أعقبت ذلك أعطت فرصة لإسرائيل لاستغلال غياب السلطة المركزية فى سوريا، مشيرًا إلى أن الوضع الحالى فى سوريا يتسم بانعدام سلطة مركزية قادرة على ضبط الأمور، حيث أصبحت الأولوية القصوى تأمين الاحتياجات الأساسية للسكان ومراقبة المناطق المختلفة لمنع أى اشتباكات أهلية بين مكونات المجتمع السورى.
وتابع: «استغلت إسرائيل هذا الواقع لتدمير مقدرات الجيش العربى السورى ومراكز البحوث العلمية، التى كانت تمثل عمادًا أساسيًا للدولة السورية»، مضيفًا: «أنا شخصيًا تخرجت فى مركز الدراسات والبحوث العلمية فى شمال دمشق، وعندما رأيت الدمار الذى لحق به شعرت بأسى عميق، فقد أمضيت ١٣ عامًا من حياتى فى تلك المنطقة، وأعرفها كما أعرف راحة يدى».
وحول إمكانية مواجهة المعارضة السورية لإسرائيل، أكد «ملحم» أنها تفتقر إلى الإمكانات اللازمة لذلك، موضحًا أن أسلحتها تقتصر على أسلحة فردية خفيفة، غير قادرة على مواجهة الطيران الإسرائيلى أو التعامل مع قدراته العسكرية المتطورة.
وتابع: «حتى لو أعلنت هذه الفصائل عن نيتها مواجهة إسرائيل، يبقى السؤال: كيف ستواجه؟ ففى ظل الظروف الحالية هذه الفصائل غير قادرة على القيام بأى شىء، سواء وافقت أو لم توافق على ما تقوم به إسرائيل».
وأكد أن إسرائيل تستغل الوضع فى سوريا لتدمير كل ما تبقى من مقدرات الدولة، مشيرًا إلى أن الهدف الإسرائيلى يتجاوز استغلال الظروف إلى تصفية مراكز القوة والبنية التحتية السورية.
واختتم بقوله: «ما يحدث اليوم فى سوريا هو نتيجة مباشرة للفوضى وغياب القوة المركزية، ما فتح الباب أمام أطراف خارجية، على رأسها إسرائيل، لتحقيق أهدافها التوسعية على حساب مقدرات الشعب السورى».
بدوره، قال المحلل السورى، نزار البوش، إن إسرائيل تستغل حالة الفوضى فى سوريا وغياب حكومة مركزية لضرب مؤسسات الدولة السورية، موضحًا أن أهدافها تتضمن تدمير البنية التحتية العلمية والعسكرية، بما فى ذلك مراكز البحوث العلمية التى شكلت دعامة أساسية لقيام الدولة السورية.
وأضاف أن إسرائيل تستهدف المنشآت فى عمق دمشق وتستغل غياب النظام للتمدد داخل الأراضى السورية، مشيرًا إلى أن إسرائيل دخلت بعمق يتراوح بين ١٥ و٢٠ كيلومترًا، ووسعت نفوذها بعد احتلال الجولان إلى مدينة القنيطرة، وربما تستمر فى التقدم نحو السويداء، متابعًا: «إسرائيل تسعى لضم هذه المناطق وربطها بمناطق أخرى من خلال قاعدة التنف، التى تسيطر عليها القوات الأمريكية وقوات كردية، ما يمهد لتحقيق حلمها بالوصول إلى نهر الفرات».
وأوضح أن المخطط الإسرائيلى لا يتوقف عند حدود سوريا، بل يشمل العراق ضمن خطط توسعية أكبر، قائلًا: «إسرائيل لن تتراجع عن الأراضى التى احتلتها، وتستهدف تدمير المنشآت المدنية والعسكرية السورية لمنع أى فرصة لعودة الدولة السورية».
وأشار إلى أن إسرائيل تنفذ مخططًا متكاملًا لتصفية القضية الفلسطينية، وأن ما يحدث فى غزة هو جزء من هذا المخطط، قائلًا: «إسرائيل تقتل وتهجّر ما تبقى من سكان غزة، وتجعل الأرض غير صالحة للعيش، ما يمهد لتهجير سكان القطاع إلى سيناء بالقوة، وكذلك سيتم تهجير سكان الضفة الغربية إلى الأردن».
واعتبر أن ما يسمى «الربيع العربى» كان وسيلة لتحقيق الحلم الإسرائيلى بإقامة دولة تمتد من النيل إلى الفرات، مردفًا: «سوريا كانت الدعامة التى حالت دون تحقيق هذا الحلم، ولكن مع ضرب سوريا والقضاء على دورها، ينهار الشرق الأوسط العربى، وهو ما نشهده الآن».
وأكد أن التحركات الإسرائيلية تتعارض مع كل القوانين الدولية، واصفًا ما تقوم به إسرائيل بأنه «احتلال وعدوان بكل ما تعنيه الكلمة».
وانتقد الدعم الذى تقدمه الولايات المتحدة وبريطانيا لإسرائيل، قائلًا: «الدعم الغربى مكّن إسرائيل من تحقيق أهدافها التوسعية تحت غطاء الفوضى والاضطرابات فى المنطقة».
واختتم بالتحذير من أن المخطط الإسرائيلى لا يهدد فقط سوريا وفلسطين، بل يعيد تشكيل المنطقة بأكملها وفقًا لمصالح إسرائيل، مستغلةً الصراعات الإقليمية والتواطؤ الدولى لتحقيق رؤيتها لدولة إسرائيل الكبرى.
فى السياق ذاته، رأى الدكتور علاء الأصفرى، المحلل السياسى السورى، أن إسرائيل لا تتحرك فى سوريا بشكل عشوائى، بل وفق استراتيجية مدروسة تهدف إلى تحقيق مكاسب طويلة الأمد على حساب الشعب السورى والدولة السورية.
وأوضح أن غياب السلطة المركزية فى سوريا منذ اندلاع الأزمة وفّر لإسرائيل فرصة غير مسبوقة لتعزيز نفوذها العسكرى والسياسى فى المنطقة.
وأكد أن إسرائيل تعمل على إضعاف كل مقومات الدولة السورية من خلال تدمير البنية التحتية العسكرية والعلمية، مشيرًا إلى أن الهجمات التى استهدفت مراكز البحوث العلمية والجيش السورى ليست مجرد ضربات عشوائية، بل خطوات ممنهجة لضمان عدم قدرة سوريا على التعافى أو استعادة مكانتها الإقليمية.
وأشار إلى أن الفصائل المسلحة الموجودة فى سوريا، رغم تنوع أيديولوجياتها، غير قادرة على مواجهة إسرائيل فى ظل امتلاكها أسلحة خفيفة فقط، مقابل التفوق العسكرى الإسرائيلى الكبير، مضيفًا: «حتى لو أرادت هذه الفصائل مواجهة إسرائيل، فإن افتقارها للتنظيم والإمكانات يجعل هذا الأمر مستحيلًا».