أصف ملحم: المعارضة تفتقر للرؤية السياسية وتزيد التعقيد في سوريا
قال المحلل السياسي السوري أصف ملحم، مدير مركز جي اس ام للدراسات، إن الوضع في سوريا يبدو وكأنه نتيجة اتفاق بين جميع الأطراف، سواء الإقليمية أو الدولية، المتدخلة في الملف السوري، موضحًا أن ذلك يتجلى بوضوح في ما حدث بمدينة حمص، حيث تواصل مع بعض السكان الذين أكدوا أن المعارضة السورية دخلت إلى المدينة وتجولت في شوارعها دون أن تطلق النار على أحد.
وأشار ملحم في تصريحات للدستور، إلى أن السكان في حمص، بمن فيهم أولئك الذين لا يتعاطفون مع المعارضة، يمتلكون أيضًا أسلحة، ورغم ذلك لم تحدث أي اشتباكات، مما يعكس أوامر صارمة للطرفين بعدم الاشتباك.
وأضاف أن الجيش السوري تلقى أوامر بالانسحاب من المدن لتجنب حدوث مواجهات دموية، حيث إن القتال داخل المدن يؤدي إلى خسائر كبيرة في الأرواح، وهو ما يبدو أنه تم الاتفاق عليه من جميع الأطراف.
مستقبل سوريا: تحديات الثقة وغياب القيادة السياسية
فيما يتعلق بمستقبل سوريا، أشار ملحم إلى أن القضية معقدة للغاية. وأوضح أن أحد أبرز الإشكاليات الحالية هو غياب الثقة بين مختلف المكونات السورية.
وأشار إلى دور أبو محمد الجولاني، الذي وصفه بأنه مصنف دوليًا كإرهابي وقائد لتنظيم هيئة تحرير الشام، وهي منظمة لها تاريخ في دعم الحركات المتشددة، مؤكدا أن النظام السوري قد تم إسقاطه على يد مجموعات مسلحة مدعومة من قوى خارجية، أبرزها تركيا والدول الغربية، وأن الدعم الذي حصلت عليه تلك المجموعات، سواء كان تسليحًا أو تمويلًا، كان أساسيًا لنجاحها.
واستطرد ملحم متسائلًا: "هل يمكن لبقية مكونات الشعب السوري أن تثق بالجولاني؟" وأجاب بالنفي، مشيرًا إلى أن الأكراد، على سبيل المثال، لا يثقون به ولا بتياره، نظرًا لمعرفتهم بالمواقف التركية المعادية لهم. وأضاف أن الأقليات السورية بشكل عام قد تجد صعوبة في قبول نظام قائم على الشريعة الإسلامية أو مستوحى من الحركات المتشددة، مثل طالبان، وهو ما قد يؤدي إلى رفض شامل لهذا التيار.
الدور التركي والمخاوف الإقليمية
كما أكد ملحم أن معظم المجموعات المسلحة التي قادت الأحداث الأخيرة هي فصائل موالية لتركيا، وأن النوايا التركية تجاه شمال شرق الفرات معروفة، ما يجعل الأكراد على وجه الخصوص غير مستعدين للتعامل مع هذه الفصائل أو الوثوق بها. كما أشار إلى أن المكونات الأخرى للمجتمع السوري قد تسلمت بالأمر الواقع، لكنها في النهاية ستكون مضطرة للتعامل مع حكومة جديدة أو دستور جديد قد لا يتوافق مع تطلعاتها.
الجانب الإسرائيلي والتدخل الخارجي
وتحدث ملحم أيضًا عن التدخل الإسرائيلي، موضحًا أن إسقاط النظام السوري فتح المجال أمام إسرائيل لدخول الأراضي السورية بمدرعاتها وقواتها، مما يطرح تساؤلات حول كيفية تعامل المجموعات المسلحة مع هذا الوضع. وأضاف أن هناك مخاوف من أن تكون هذه التحركات مقدمة لتغييرات جذرية في الخارطة السياسية لسوريا.
الدور الإيراني والروسي: بين الرفض والتحديات
كما أوضح ملحم أن المجموعات المسلحة التي دخلت دمشق والمدن السورية الأخرى ترفع شعارات معادية لإيران وترفض أي وجود إيراني على الأرض السورية، مشيرًا أيضًا إلى وجود تحفظات على التعامل مع روسيا، التي تُتهم من قبل بعض الفصائل بأنها أجهضت الثورة السورية في بدايتها عام 2011. ورغم ذلك، أشار إلى أن المجموعات المسلحة قد لا تكون صاحبة القرار السياسي النهائي، نظرًا لأنها مجرد حملة سلاح، ولا تمتلك الخبرة أو الفكر السياسي اللازم لاتخاذ قرارات استراتيجية.
صدامات متوقعة بين السلطة الانتقالية والفصائل المسلحة
وأكد ملحم أن أي حكومة انتقالية أو هيئة حكم جديدة في سوريا ستواجه تحديات كبيرة في التعامل مع الفصائل المسلحة، التي قد ترى نفسها صاحبة الفضل في "تحرير سوريا".
وأضاف أن هذه الفصائل، التي تنتمي إلى مشارب وتيارات مختلفة، قد تدخل في صراعات فيما بينها أيضًا، نظرًا لاختلاف أجنداتها ومصالحها.
وأشار إلى أن هناك بعض الشخصيات السياسية العقلانية في المعارضة، التي قد تسعى للتعامل بإيجابية مع روسيا وإيران، لكنه شدد على أن هذه الشخصيات قد تواجه صعوبة في إقناع الفصائل المسلحة بقبول تلك السياسات.
سيناريو التقسيم: مخاوف مشروعة
واختتم ملحم حديثه بالتحذير من احتمال تقسيم سوريا إذا لم تنجح الأطراف المختلفة في الوصول إلى توافق شامل. وأكد أن الشعب السوري تاريخيًا رفض التقسيم، لكن الوضع الحالي مختلف بسبب وجود تيارات داخلية متنازعة، مما يجعل السيناريو أكثر تعقيدًا. وأضاف أن الشعب السوري شعب واعٍ بشكل عام، لكن التدخلات الخارجية والصراعات الداخلية قد تدفع بالبلاد نحو مستقبل مجهول.