شطرنج.. المناورة من الخليج إلى المحيط
ذكرتنى قراءتى المجموعة القصصية «شطرنج» للكاتب طارق محرم، بحالنا فى واقعنا العربى، فبطل القصة ظل يستعد للاشتراك فى مباراة للشطرنج، وأخذ يحتاط لكل ما يمكن أن يعوق تركيزه، حتى إنه ذهب للحمام؛ كى يكون خاليًا من أى شائبة تكدر صفاء ذهنه، لكنه بعد أن أتم عملية شفاء أمعائه ومثانته من الفضلات، وجد باب الحمام مغلقًا ولا يستطيع فتحه، حاول أحدهم مساعدته واستدعى النجار، لفتح الباب، كان موبايل النجار مغلقًا، انتهت الساعة المخصصة للمسابقة، واستسلم الرجل لهزيمته فى المباراة التى لم يلعبها، لكن سخرية القدر/ المؤلف جعلت النجار يخبر اللاعب بسعادته؛ لأنه فاز فى مسابقة الشطرنج التى لم يحضرها منافسه.
هذه القصة بما تحمله من سخرية، هى امتداد لظاهرة «شاهد مشفش حاجة»، التى تخيم على حياتنا منذ لا نعرف متى، فكلنا تقريبًا مهزومون سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا فى معارك كنا طرفًا فيها، لكننا لم ندخلها.
أحاول تحديد بداية الخيط.. هل عام ١٩٢٨ وتأسيس جماعة الإخوان؟، هل عام ١٩٧٩ مع قيام الثورة الإسلامية فى إيران؟، هل حرب الخليج الأولى؟، هل الغزو السوفيتى لأفغانستان؟، هل عام غزو العراق الكويت؟ ما بعد ١١ سبتمبر وإرهاصات الربيع العربى؟
فى أى عام تحولت المنطقة دون تراجع إلى رقعة شطرنج كبيرة بامتداد الأراضى العربية، والأنظمة والشعوب العربية مجرد قطع شطرنج تحركها سياسات ظاهرة وواضحة، لا تعرف سوى الفوز، وتوجيه الضربات القاصمة المفتتة لنا، ونحن لا نعرف غير السقوط والسقوط المزرى.. يتفاقم هذا الإحساس بالهوان منذ السابع من أكتوبر العام الماضى.. لم أتخيل أن يموت «حسن نصر الله»، هكذا ببساطة ودون مظاهرة تنديد واحدة فى أى مكان، دون رد فعل يوازى حتى الساعات التى تسلينا فيها بخطب السيد وبلاغته الحنجورية، ثم يأتى تفجير إسماعيل هنية داخل قلب إيران ببساطة وخفة تناسب ألعاب الحواة، لكنها لا تليق بسيادة الدول ومبادئ القانون الدولى، وعنتريات تحرير القدس ولبيك فلسطين، وفى ختام الدور الذى تم لعبه ونحن فى دورة المياه نلبى حاجة الطبيعة، يأتى مصرع السنوار كقفلة «بايخة» لن تصمد أمام محاولات لعب أى دور حتى بترديد شعوذات عصا السنوار والصوام، الذى مات بعد حصاره ثلاثة أيام.
ودون السماح للمتفرجين بالتقاط الأنفاس، تعود سوريا لدائرة الضوء وتشتغل آلة التفكيك والحرب فى حلب، وينقسم اللاين على فيسبوك بين مؤيد للديكتاتور ومعارض للديكتاتور.
وأقول لزوجى: أنا لا أفهم ماذا يحدث، ولا أستطيع التعليق على منشورات أصدقائى الفرحين والحزانى، وماذا بعد؟ لا يوجد خيار حر، كلنا الآن قطع شطرنج، وعلمتنا الأيام ألا ننتظر مخلصًا.
هل كل السيناريوهات كانت تؤدى إلى هذه المعضلة الوجودية؟، هل قاسى أىٌّ من شعوب العالم فى عثراته التاريخية من هذا اللا يقين؟.. أخشى أن أرفع أصبعى، لأجل النضال والمقاومة، والأهم هل لى الحق فى المشاركة فى اللعبة؟، أم أن باب الحمام عالق، والنجار الذى أنتظره ليفتح لى الباب هو غريمى الذى سيفوز علىّ، لأننى لم أستطع المشاركة فى شىء؟
فى العالم المملوء أخطاء
مطالبٌ وحدكَ ألا تخطِئا
لأن جسمكَ النحيلْ
لو مَرة أسرعَ أو أبطأَ
هوى، وغطى الأرضَ أشلاءَ
فى أىِّ ليلة ترى يقبع ذلك الخطأ
فى هذه الليلة! أو فى غيرها من الليالْ
ومنذ كتب حجازى مرثية لاعب سيرك، ونحن نكرر خطأنا كل ليلة دون أن ننتبه إلى كومة الجثث الملقاة خارج الخيمة المنصوبة.