سوريا تنتظر مبادرة عربية للحل
من جديد ترتبك الخريطة السورية، جبهة النصرة أو كما أسمت نفسها لاحقًا هيئة تحرير الشام، والمصنفة عالميًا كجماعة إرهابية، تنطلق تحت حماية نيرانها نحو حلب لتوسعة نفوذها مستفيدة من اللحظة الرخوة التى تعيشها تلك المنطقة الملتهبة سواء غزة أو لبنان أو العراق أو إيران، حققت الجماعة الإرهابية مكاسب على الأرض فى الوقت الذى تنشغل فيه روسيا الحليف القوى لسوريا بحربها فى أوكرانيا، بينما الحليف الإيرانى يلملم جراحه من عدة ضربات إسرائيلية، وتنتظر طهران وصول ترامب للبيت الأبيض حتى تفهم أين تضع أقدامها فى خطواتها المقبلة.
وما كان لجبهة النصرة الإرهابية، والتى تدعمها تركيا، أن تقفز بخطوتها الأخيرة لولا ثقتها الكبيرة فى أن اللاعبين الدوليين قد انشغلوا فى ملفاتهم الخاصة، وأن الخريطة الداخلية فى سوريا بها الكثير من التناقضات التى تسمح لجبهة النصرة بهذه القفزة البهلوانية فى الفراغ السورى.
هنا المخطط واضح وهو تنفيذ أجندة حاول كثيرون تنفيذها على الأراضى السورية ولكنهم فشلوا، وتركز تلك الأجندة على تقسيم سوريا إلى عدة دويلات هشة يمكن التحكم فيها بالريموت كنترول، وخريطة التقسيم القديمة فى زمن الاستعمار التقليدى تسعى بكل جهد كى يرتفع الصوت الطائفى هناك، الذى على أساسه يمكن تنفيذ المخطط، لتصبح سوريا أربع دويلات صغيرة، دولة دمشق، دولة حلب، دولة اللاذقية، حيث الأغلبية العلوية، ودولة السويداء وتكون الأغلبية فيها للدروز.
كيف يمكن للمتابع وصف جماعة النصرة وتوابعها من الإخوانجية؟ ببساطة الوصف اللائق هو أن ذلك التيار خائن بامتياز، ولا يمكن لعاقل أن يرى فى تصرفهم أو تواجدهم من الأصل أى شىء من المعارضة، المعارضة التى نعرفها لا ترفع السلاح فى وجه مواطن لا مدنى ولا عسكرى، المعارضة التى نعرفها لا تتعامل مع أجهزة مخابرات بلدان أخرى كى تحطم الوطن وتقطع أوصاله، وبذلك يرتكب الجريمة الكاملة ليسكن قوائم العار إلى الأبد.
ربما بدأت الكارثة عندما أقرت دول الجوار السورى ما أطلقت عليه اتفاق خفض مناطق التصعيد عام 2016 الذى تم فى أستانة بين روسيا وتركيا وإيران، حيث حافظ هذا الاتفاق على بذور التوتر التى تمثلها الجماعات المسلحة، ولم ينتبه إلى أن اللعب مع الثعابين السامة قاتل لا محالة، ويكفى أن تلقى نظرة على الخريطة السورية لتعرف أن البذور التى تنمو سوف تنتج يومًا ما دماء على الأرض، ها هى إدلب، شمال غرب سوريا خاضعة لهيئة تحرير الشام ومعها جماعات إخوانية، كما تضم الأكثر تطرفًا مثل حرّاس الدين وداعش، ونرى على الحدود التركية جماعات تحت الحكم التركى شبه المباشر، والعملة المتداولة فيها هى الليرة التركية.
سنوات من الصمت وكانت النار تحت الرماد، تقول تركيا عن جبهة النصرة إنها معتدلة وترى أن هناك إمكانية لدمجها فى نظام الحكم السورى، وهذا كذب واضح، لو كان المفهوم التركى بهذه السذاجة نسألهم لماذا لا يدمجون حزب العمال الكردستانى معهم فى الحكم، حتى نرى استقامة موقف النظام التركى، ولكنهم يقبلون لغيرهم ما يرفضونه على أنفسهم.
لا أشك فى أن هذه الموجة الإرهابية التى تضرب سوريا الآن سوف تنتهى لصالح النظام السورى، لأننا لم نشهد على مدار التاريخ أن هزمت أى جماعة دولة مؤسساتية، ولا شك أيضًا أن هذه الهجمة سوف يكون لها ما بعدها.
تبقى تفصيلة مهمة وهى أن سوريا لن تنهض بالدعم الروسى والإيرانى، ولكن مفتاح الحل والاستقرار هناك ينتظر مبادرة عربية جامعة مانعة، مبادرة جادة تحافظ على الدولة السورية وتحمى حقوق الشعب السورى، وفق هذه المعادلة قد نعود للغناء من جديد فى حمص وحلب ودمشق.