لم أنضج بعد!
أكملت الخامسة والثلاثين.. رقم لم يجعلنى أشعر بالسعادة، بل يُشعرنى وكأننى أقف عند مفترق طرق بين الفتاة التى كنتُها والمرأة التى أصبحتُها دون أن أدرك كيف أو متى حدث ذلك. ما زلت أبحث عن «الفتاة» داخلى، أتمسك ببراءتها، بحلمها، بلحظات ضعفها التى كانت تُشعرها بالإنسانية.
هل أنا امرأة حقًا؟ ربما يقول الرقم ذلك، وربما يؤكد العالم حولى.. لكن قلبى؟ قلبى ما زال فتاة فى السابعة، تتذكر صباحًا بائسًا فقدت فيه ابتسامة أمها الأخيرة، وتركتها الحياة تُواجه الغياب الأبدى. أو فتاة فى العاشرة تبكى خوفًا من أن تفقد والدها الذى كان يعانى فى المستشفى، ليتحول هذا الخوف يومًا إلى حقيقة تُثقل كاهلها بكلمة «يتيمة»، الكلمة التى كنت أرتعد من سماعها أكثر من خوفى من النضج نفسه.
رغم سنواتى الخمس والثلاثين، لم أنضج كما ينبغى. لم تتعود «الفتاة» بداخلى على مواجهة قسوة الأيام وحدها. أعيش بين مشاعر متناقضة: أحيانًا كشجرة تبدو قوية، جذورها ثابتة فى الأرض، وأحيانًا كنبتة صغيرة تتوق إلى يد تُدللها وتُحادثها، يد تفهم متى تحتاج الشمس ومتى تحتاج الظل.
الحياة قسَت علىّ أحيانًا، وتركت ندوبها على قلبى. لكنها لم تستطع أن تُطفئ شغفى أو تُحوِّل قلبى إلى شىء يُشبه «الناضجين». ما زلت أرى نفسى فتاة الثامنة عشرة، بصوتها الذى لا يشبه الكبار، بأحلامها التى لم تكبر ولم تذبل.
ربما لم أجد حتى الآن ما أبحث عنه، لكننى أيضًا لم أفقد أملي. أؤمن بأن الحب والصدق الذى أستحقه سيصل يومًا إلى تلك الفتاة التى بداخلى، حتى لو ظل العالم يقول إننى أصبحت من «النساء».
عيد ميلادى أصبح مجرد رقم، يذكرنى بأننى نضجت أمام الناس، لكننى لم أتخلّ يومًا عن الطفلة والمراهقة بداخلى. لا تزال كل منهما تُحدثنى، تُعلمنى أن أعيش، أن أُحب، أن أبحث عن السعادة وأتشبث بها، حتى لو بدا أننى «كبرت».
فى هذا العام أقول لنفسى: كل عام وأنتِ أنتِ، تلك الفتاة التى تأبى أن تصبح امرأة مكتملة إلا كما تُريد هى!