رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بايعنى والّا شارينى


البيع والشراء فى الأغنية المصرية
فى أغانينا المعاصرة، نجد استخدامًا مفرطًا لمفاهيم البيع والشراء للتعبير عن العلاقات العاطفية، وهو تكرار أصبح مألوفًا ومستهلكًا. هذه الاستعارات تتخذ شكلًا رمزيًا للإشارة إلى الخيانة، الجفاء، الوفاء، والعطاء، ولكن مع مرور الوقت، تكررت تلك الصيغ بشكل مبالغ فيه. أغانٍ مثل «بايعنى والّا شارينى» و«مشتريكى متبيعيش» تعتمد على نفس البنية، حيث يُرمَز للحب والتقدير عبر مفاهيم اقتصادية- «البيع» كرمز للتفريط أو الخيانة، و«الشراء» كتعبير عن التمسك والتقدير.

التكرار المتزايد لمثل هذه الصيغ فى الأغانى الشعبية والرومانسية أدى إلى تقليص الابتكار فى تقدير المشاعر الإنسانية. بدلًا من خلق معانٍ جديدة تعبر عن التحولات العاطفية المختلفة، أصبح السرد يلتف حول نفس المفاهيم الرمزية التى فقدت جزءًا من قوتها الشعرية بسبب شيوعها. يعتمد الكثير من الكُتّاب على هذا التلاعب البسيط بالكلمات بدون الغوص فى أعماق العواطف، ما يقلل من جودة الرسالة.

هذه الاستعارات تعكس رؤية مادية للعلاقات، تضع الحب والتقدير فى إطار صفقة اقتصادية، وهى رؤية قد تكون محدودة فى تعبيرها عن التعقيد العاطفى الذى يمكن أن تحمله العلاقة بين البشر. ما كان فى البداية فكرة رمزية مبتكرة، أصبح الآن قالبًا محدودًا يجرى تكراره، دون تطوير أو تقديم وجهات نظر جديدة أو معادلات موضوعية أكثر تعقيدًا وعمقًا.
البحث عن معادلات موضوعية بديلة:
للتخلص من هذا التكرار، يجب أن ينظر الشعراء وكُتّاب الأغانى إلى العلاقات الإنسانية بمنظور أكثر تنوعًا وتفردًا. يمكن للأغنية المصرية أن تستمد قوتها من الموروث الثقافى الغنى والتجارب اليومية المعقدة، بدلًا من الاقتصار على تشبيهات البيع والشراء. العلاقات قد يتم تصويرها كرحلات استكشاف، كأمواج تتغير وتتحرك، أو حتى كحوار دائم بين الذات والآخر.
بدلًا من استخدام مفهوم البيع كرمز للخيانة أو الشراء كرمز للتقدير، يمكن اللجوء إلى صور أكثر تعقيدًا تعكس أبعاد العلاقات العاطفية. يمكن وصف الحب على أنه نهر يجرى بين قلوب الناس، أو كأن الحبيب هو كاتب يكتب فى كتاب الحياة بيده. هناك العديد من الصور البصرية التى يمكن أن تعبر عن فكرة التبادل بين الطرفين، ولكن بطرق غير مباشرة وأقل تكرارًا.
بصريًا، يمكن للأغانى أن تتوجه نحو رسم عوالم عاطفية تجريبية ومختلفة. من أمثلة ذلك:
1- التشبيه بالطبيعة: تصوير العلاقة كطبيعة متغيرة، مثل المطر الذى يسقى الأرض أو الرياح التى تحرك الأشجار، وهو ما يعبر عن فكرة التطور المستمر فى العلاقات الإنسانية.
2- الزمن والمكان: يمكن تصوير العلاقات على أنها جزء من الزمن، كمرور الفصول أو تقاطع الطرق، ما يمنح العلاقات بعدًا فلسفيًا يتعلق بتأثير الزمن عليها.
3- الاعتماد على الرموز الثقافية والفنية: بدلًا من استخدام مفاهيم اقتصادية بحتة، يمكن اللجوء إلى رموز فنية أو ثقافية عريقة من التراث المصرى والعربى، مثل استخدام الحرف اليدوية القديمة أو الفنون التقليدية كتشبيهات تعكس الجهد والتفانى فى العلاقات.
فى النهاية، تطوير الأغنية المصرية يحتاج إلى تنويع فى المعانى والمفاهيم، وابتكار صور بصرية جديدة أكثر تعقيدًا وتنوعًا. بدلًا من الاعتماد على مفاهيم البيع والشراء التى أصبحت مبتذلة، يمكن أن تتخذ الأغانى منحى أعمق يستمد من التعقيد الحقيقى للعلاقات الإنسانية.
ومن المفارقات العجيبة أن إحدى المحطات الإذاعية وهى تتقصى أخبار مهرجان التسوق، كانت تبث فى الفواصل مقاطع من أغانٍ مثل: «بافكر فى اللى ناسينى وبانسى اللى فاكرنى، وباهرب م اللى شارينى وادور ع اللى بايعنى»، و «مشتريكى متبيعيش وارجعى متضيعيش عِشرة العمر فى ثوانى»، كأنما تؤكد على الجانب المادى فقط فى تسليع وتثمين الحب والعلاقات العاطفية بمختلف نواحيها وأنواعها.