رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أفكار ترامب إلى أين؟

صَدمَ ترامب بعجرفته وصفاقته المعهودة كل من سمعه، أمس، فى المؤتمر الصحفى الذى أذيع على الهواء من البيت الأبيض.
كلمات قالها خرجت كطلقات الرصاص دون وعى ودون أن يدرك ردود أفعالها على العالم العربى، فقد أخذته غطرسة القوة المُفرطة ليمارس البلطجة بلا حدود ولا رادع.
تابعت وعود ترامب، وكأننى أرى وعد بلفور يتكرر مرة أخرى.. وعد من لا يملك لمن لا يستحق.. ووعد بلفور هو الرسالة الذى أرسلها آرثر جيمس بلفور بتاريخ 2 نوفمبر 1917 إلى اللورد ليونيل والتر دى روتشيلد يشير فيها لتأييد حكومة بريطانيا لإنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين. وصدر بعد اتفاقية الأمير فيصل ممثل ملك الحجاز مع حاييم وايزمان الصهيونى وأول رئيس لدولة إسرائيل التى وقعت سنة 1915 وتم اعتمادها فى اتفاقية باريس.
وليونيل والتر روتشيلد كان رمزًا بارزًا فى المجتمع اليهودى البريطانى وشغل منصب رئيس الاتحاد الصهيونى الإنجليزى، وكان صديقًا مقربًا من حاييم وايزمان زعيم الحركة الصهيونية، وأول رئيس لدولة إسرائيل عقب قيامه.
جاء نصر رساله بلفور لروتشيلد كالتالي:

‎وزارة الخارجية
‎فى الثانى من نوفمبر سنة 1917
‎عزيزى اللورد روتشيلد
‎يسرنى جدًا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته: 
‎إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف لإقامة مقام قومى فى فلسطين للشعب اليهودى وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية على أن يفهم جليًا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التى تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة فى فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسى الذى يتمتع به اليهود فى أى بلد آخر وسأكون ممتنًا إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيونى علمًا بهذا التصريح.
‎المخلص
‎آرثر جيمس بلفور

نعود لتصريحات ترامب الخطيرة.. فهو يرى أن الفلسطينيين ليس لديهم بديل سوى مغادرة غزة، وأنه يريد أن يرى الأردن ومصر تستقبلان فلسطينيين من غزة فى أراضيهما.
ومقابل ذلك ستقوم أمريكا بإعادة تعمير غزة فى مدة قدرها ١٥ عامًا لتصبح ريفييرا أخرى على البحر المتوسط!!
ترامب لا يدرك أن الشعب الفلسطينى لن يتحرك قيد أنملة عن وطنه الذى لا يرتضى به بديلًا ويعشق ترابه المقدس.. وأشك أنه رأى جحافل الشعب الفلسطينى وهى تقطع عدة كيلومترات سيرًا على الأقدام بمئات الألوف فرحين بعودتهم لأنقاض بيوتهم المهدمة.. 
مهمة الرئيس المصرى وملك الأردن فى لقائهما القادم مع ترامب فى البيت الأبيض ثقيلة وصعبة، فعليهما أن ينقلا نبض الشعب العربى كله برفضه للتهجير القسرى، وأن البديل هو اندلاع حرب لا هُوادة فيها فى الشرق الأوسط، وهو عكس ما وعد به ترامب فى ليله تنصيبه رئيسًا بأنه سيقضى على الحروب فى عهده وسيعم السلام.
إن العرب لو امتلكوا الإرادة لن يكونوا مفعولًا بهم، فلديهم أسلحتهم التى قد توجع رجل الأعمال راعى البقر، ومنها وقف الاستثمارات بمئات مليارات الدولارات التى طلبها ترامب من السعودية، وكذلك سلاح البترول وتمسك السعودية بحل الدولتين كشرط رئيسى للتطبيع مع إسرائيل.
الحل الأمثل فعلًا هو حل الدولتين .. فدونه لن تحل مشكلة الشرق الأوسط ولو مر عليها قرون كثيره قادمة أو إلى أن يقضى الله أمرًا كان مفعولًا.