ثور هائج فى بيت من زجاج!
يتوجب على الذين راهنوا على «الخير» الوارد مع قدوم الرئيس الأمريكى القديم/ الجديد، «دونالد ترامب»، أن يُراجعوا حساباتهم، ويُصححوا مواقفهم، فخلال نحو أسبوعين وحسب، أشعل «ترامب» نيران الصدام والأزمات مع المكسيك وكندا وبنما والدنمارك ومصر والأردن والصين.. وهلما جّرا، بل إن «شعبه» أيضًا لم ينج من أذاه، فاندلعت المُظاهرات المُضادة لمشاريعه التدميرية وبالذات تجاه المهاجرين من الدول المحيطة، فى عدد من الولايات، وبعضها هدّد باتخاذ إجراءات مُضادة حادة؛ فيما إذا استمرت هذه التوجُهات العدوانية ولم يتم وضع نهاية لـ«شطحات» ترامب المُخرّبة!
أمّا بالنسبة لمنطقتنا، وللقضية المركزية التى تشغل البال والفكر والحركة، القضية الفلسطينية، فحدث ولا حرج!
فقد التقى، أمس «الثلاثاء 5 فبراير 2025»، «ترامب» المجرم «نتنياهو»، ضاربًا عرض الحائط بقرارات المحكمة الجنائية الدولية التى تقضى باعتقاله لجرائم الإبادة البشعة التى ارتكبها فى حق الفلسطينيين، وهو أول لقاء بقيادى أجنبى «كبير!» منذ توليه الرئاسة الجديدة، تأكيدًا لأهمية الكيان الصهيونى وأولويته فى جدول أعماله المُتخم بالقضايا، واستبق اللقاء، وأعقبه بمجموعة من التصريحات وحديث مُتشعب للصحفيين والإعلاميين، على درجة بالغة من الخطورة، يمكن استخلاص أهم مضامينها، التى تمس مُباشرةً وطننا ومنطقتنا وشعوبنا ومستقبل أجيالنا القادمة من مقولات «ترامب» التالية:
• إسرائيل صغيرة المساحة ولا بد من توسيع حدودها!
• لا بد من القضاء الكامل على «الإرهاب الفلسطينى».
• على مصر والأردن استقبال النازحين من غزة! لقد فعلنا الكثير من أجلهما وعليهما فعل ذلك!
• ليس أمام الفلسطينيين من بديل إلّا مُغادرة غزة!
• لا يُمكننى تأكيد أن اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة سيستمر!
• لا ينبغى إعادة إعمار القطاع، ومن ثم إعادة نفس القوة للسيطرة على المنطقة!
• ستتولى الولايات المتحدة السيطرة على قطاع غزة، وسنقوم بعمل هناك أيضًا: سوف نمتلكها!
• أتصور سيطرة طويلة الأمد بقيادة الولايات المتحدة على القطاع، لدينا خطط لتسوية القطاع بالكامل بالأرض.. إن من شأن ذلك أن يؤدى إلى إنشاء «ريفييرا الشرق الأوسط».. إن حيازة هذه القطعة من الأرض، وتطويرها، وخلق آلاف الوظائف، سيكون أمرًا رائعًا حقًا»!
• جميع مَن تحدثت معهم أحبوا فكرة سيطرة الولايات المتحدة على غزة!
• «الناس» تحب فكرة ضم إسرائيل للضفة الغربية، وسيكون هناك إعلان خلال الأسابيع المُقبلة حول هذه الفكرة!
• سنقوم بما يلزم فى قطاع غزة، وسنُرسل رجال الأمن إذا لزم الأمر، وسنأخذ هذا المكان!
• العلاقات الأمريكية الإسرائيلية ستكون أقوى من أى وقت سابق!
• نتنياهو: ترامب أعظم صديق بالبيت الأبيض فى تاريخ إسرائيل.
• نتنياهو: نحن نقاتل أعداءنا المشتركين، ونُغير وجه الشرق الأوسط!
وبالتدقيق فى مضمون هذه التصريحات الدالة، يمكن التيقن من أن العالم يواجه فى عهد «دونالد ترامب»، قوة عدوان متغطرسة وباطشة، تمارس سلوك عصابات قُطَّاع الطُرق، ومُجرمى «الكاو بوى» و«فرق الإبادة»، التى تولّت تصفية الملايين من أصحاب الأرض الأصليين، من قبائل «الهنود الحُمر» بأحط الأساليب وأخس الطرق، وهو شخص لا يُقيم اعتبارًا لقيمة إنسانية، أو مشاعر وطنية، أو مصالح بشرية.. مقاول لا يعنيه سوى المكسب ولو على حساب الملايين!
وقد أكدت مصر وأكد العرب، مُجددًا، الموقف الثابت من قضية التهجير القسرى، أو حتى الطوعى للشعب الفلسطينى من قطاع غزة إلى سيناء لإدراكهم أن فى التهجير نهاية القضية، وانتهاب الحق التاريخى للشعب الفلسطينى فى أرضه وميراث الأجداد، وطى صفحتها إلى إشعار آخر.
«الترانسفير»، أو «التهجير»، أو «الترحيل».. أيًا كان مُسمّى عملية «طرد» شعب فلسطين خارج أرضه، هو جوهر «الفكرة الصهيونية» على حد تعبير «بن جوريون»، وهى التحقيق العملى للادعاء الصهيونى أن فلسطين «أرض بلا لشعب لشعبٍ بلا أرض» هو شُذَّاذ الآفاق من الصهاينة المتطرفين المُجمَّعين من شتى بقاع الأرض.
لكن علينا جميعًا أن نتذكر، ونحن ندافع عن حق الشعب الفلسطينى فى أرضه، أننا لا ندافع عن حق أشقائنا الفلسطينيين فقط، أو نساند الشرعية الإنسانية والقومية فحسب، وإنما ندافع عن سلامة الوطن المصرى، وغيره من الأوطان العربية، التى هى محل للأطماع الصهيونية المُعلنة بلا مداراة، وعلينا ألا ننسى أبدًا شعار: «حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل»، ولا خرائط «إسرائيل الكبرى» التى تعكس إصرار العدو الصهيونى على اغتصاب أراضٍ عربية، من مصر ولبنان والأردن والعراق والسعودية، فضلًا عن كامل التراب الفلسطينى، وهى مصورة بوضوح على أكتاف جنود العصابات الصهيونية المجرمة، ولا حملتهم التحريضية المُستمرة على الجيش المصرى، تأكيدًا على نيتهم الغادرة حال استكمال الهيمنة على كامل أرض فلسطين وطرد شعبها.
والأخطر بالبديهة انضمام رئيس الولايات المتحدة، بقدراتها وإمكاناتها لهذا الخط العدوانى الشرس، دون تَحَفُّظ، بل المزايدة على مواقف المجرم «نتنياهو» بدعاوى «ترامب» التى تبيح طرد شعب من أرضه، لأنها لاقت إعجاب «المقاول» الأمريكى، فقرر مُصادرتها، لكى يحولها إلى «ريفييرا الشرق الأوسط»!
لكن هذا كله لن يكسر عزيمة الشعب الفلسطينى، ولا الموقف التلقائى له، الذى تبدى فى رحلة «العودة» الأسطورية إلى الأرض، إلى البيوت المُهدّمة التى تفتقد الحد الإنسانى الأدنى اللازم للحياة، ليقول لكل العالم: اشهدوا علينا.. ها نحن متمسكون بالأرض مهما كانت التضحيات، ومهما عظمت المخاطر، وقد عبر أحد مواطنيهم البُسطاء أبلغ تعبير عن هذا الإصرار: «لو أعطونا الجنة بديلًا عن فلسطين ما قبلنا».
وكذلك فإن التفاف الجماهير العربية حول القضية، وحمايتها من مؤامرة اختطاف غزة من قِبل الثور الأمريكى الهائج، عنصر مهم وفاعل، ودورها فى دعم صمود الشعب الفلسطينى ومقاومته لمؤامرات «التهجير» بمساعدته على البقاء، والتكتل خلفه لمساندته فى محنته.. عنصر مهم للغاية فى إفشال المؤامرات الصهيوأمريكية.
ولا يغفلن عن وعينا أهمية استمرار وتصعيد حملات «المُقاطعة الشعبية» لكل مَن يتخذ موقفًا مُعاديًا لمصالحنا وحقوقنا، حتى يعلم أن لكل فعل رد فعل، والإساءة لحقوقنا لها ثمن باهظ!
ويقينى أن تحدى «دونالد ترامب» لأمن ومصالح دول العالم، حتى أعضاء حلف «الناتو» الشريك، والدول الكبرى كالصين وروسيا وغيرهما، والتهديدات الخطيرة بتحركاته المُفاجئة المُدمرة فى كل اتجاه للاستقرار العالمى، التى تشبه تحركات ثور هائج فى بيت من زجاج، تحطم فى طريقها كل ما يعترض سبيله، ستدفع العالم كله للتحرك، بصورة من الصور لكى تقول له: «كفى»!
وأخيرًا فإن موقف العرب، وفى مقدمتها مصر الكبيرة، سيكون له دور حاسم فى رفض وإفشال «المخططات الترامبية»، والإصرار على أن للشعب الفلسطينى الحق فى البقاء فى أرضه.
وليكن شعارنا: «ما ضاع حق وراءه مُطالب»!