رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نجل القارئ محمد عمران: نملك 560 تلاوة نادرة لوالدى.. ومستعدون لإهدائها إلى الإذاعة

القارئ محمد عمران
القارئ محمد عمران ونجله

ما إن يفتح فاه إيذانًا بالتلاوة أو الابتهال، وتبدأ أنغام صوته فى التسلل إلى أذنيك، إلا وتنتقل إلى عالم آخر، فيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، حتى إن المبالغة تصبح لا محل لها من الإعراب، إذا ما قلنا إن مولاه سخر معه الجبال يسبحن والطير، ليصبح الوريث الشرعى لمزامير النبى داود.

إنه الشيخ محمد عمران، الذى حلت ذكرى رحيله التاسعة والعشرون، يوم ٦ أكتوبر الجارى، لتعيد التذكير بأسطورة ابتهالات الإذاعة، وصاحب تلاوات القرآن الفريدة، الذى لم يعش حياة سهلة، رغم كونه شخصية تفيض بالمحبة والتواضع الشديد.

عانى الشيخ «عمران» كثيرًا، رغم سنوات عمره القصير، بدءًا من فقده البصر وهو فى عامه الأول على هذه الأرض، وصولًا إلى رحيله فى عمر الخامسة والخمسين، متأثرًا بحزنه على رحيل فلذة كبده «أحمد»، الذى كان يحبه حبًا شديدًا، وبين هذا وذاك، الظلم الذى تعرض له من الإذاعة، التى لم تعطِ موهبته فى تلاوة القرآن ما تستحقه.

عن تلك الحياة الصعبة للشيخ المولود والراحل فى أكتوبر، والمسيرة القصيرة التى حفر خلالها مكانة كبيرة بين قراء القرآن الكريم والمبتهلين، يدور حوار «الدستور» التالى مع نجله، محمود محمد عمران.

■ ما الذى تعرفه عن البدايات الأولى للشيخ محمد عمران؟

- والدى فقد بصره بعد ولادته بعام واحد، فصبرت والدته على ابتلائها فى فلذة كبدها، الذى رزقها الله به ولدًا واحدًا لعدة شقيقات، فتوجهت إلى الله بالدعاء أن يبدله خيرًا، ويجعله من أصحاب الشأن الرفيع فى دين الله وكتابه، فاستجاب الخالق البارئ لدعاها.

أتم حفظ القرآن وهو طفل صغير لم يُكمل الثانية عشرة من عمره، وتعلم التجويد فى سن صغيرة أيضًا، ثم حصل على إجازة القرآن. كان محبًا ومتأثرًا بالشيخ سيد النقشبندى، الذى نصح إياه بالتوجه إلى القاهرة.

انتقل الشيخ محمد عمران إلى القاهرة، وكان من حسن حظه سكنه بجوار الشيخ سيد موسى، كبير بطانة الشيخين إبراهيم الفران وطه الفشنى، والذى تعلم والدى الموشحات على يديه، قبل أن يلتحق بمعهد المكفوفين للموسيقى، ويتعلم فيه المقامات الموسيقية بأنواعها المختلفة.

■ ما سر تعلق والدك بالقاهرة لدرجة رفض السفر فى كثير من الأحيان؟

- نعم، هذا حقيقى، تعلق والدى بالقاهرة كثيرًا، حتى إنه كان دائم الرفض للسفر، ولا يخرج من العاصمة إلا للضرورة أو لأداء الحج والعمرة. شخصيته كانت فريدة من نوعها، وجمع بين العديد من المميزات التى جعلت منه شخصًا فريدًا لا يتكرر. كان ذا ثقافة عالية جدًا جدًا فى مجالات كثيرة، ويتحدث بطلاقة فى السياسة والثقافة والاجتماع والأدب.

■ كيف كان تعامله معكم فى المنزل؟

- فى تعامله مع أولاده كان أبًا حنونًا لأبعد الحدود، وبمثابة صديق لنا. كان شديد البر بوالدته، شديد السخاء والكرم، ومنزله مفتوح للجميع، حتى إن بيت الأسرة لم يكن يخلو من زيارات الأقارب والأصدقاء. لذا جميعًا نذكره بكل خير. ورغم رحيله مبكرًا فى سن صغيرة، عطفه علينا جعله خالدًا فى ذاكرتنا.

■ وماذا عن علاقته بوالدتك؟

- كان يحبها حبًا كبيرا، ويسود بينهما المودة والاحترام، وكان دائمًا ما يعتبرها بمثابة «عكازه» الذى يمشى به، وعينه التى تبصر فى ظلام فقدانه للبصر. فى المقابل، أحبته والدتى حبًا كبيرًا وبادلته الاحترام. كانت دائمًا ما تهتم به اهتمامًا شديدًا، وحريصة على أن يظهر فى شكل لائق وفى أحسن صورة.

ورغم هذه الصورة الملائكية فى المنزل، كان الشيخ محمد عمران له هيبة كبيرة فى قراءة القرآن والابتهال. كان يرتدى الزى ويشرع فى القراءة أو الابتهال بخشوع تام، ولم يكن يضحك أبدًا، ويلقى الله عليه هيبة أهل القرآن. ومع ذلك، كان والدى شخصًا متواضعًا جدًا، لا يشغله منصب ولا مال، وهدفه الرئيسى من صوته الحسن هو إرضاء «السميعة» فقط، ولم يقترب من الجشع نهائيًا.

■ هل صحيح أن الشيخ محمد عمران كان مشجعًا لنادى الزمالك؟

- نعم، هذا صحيح، كان «زملكاويًا» متعصبًا جدًا، لا يقبل أى هزيمة لفريق الزمالك. أذكر أنه حينما كنت فى الثانوية العامة، أقدم الشيخ عمران على تحطيم بعض المقتنيات الثمينة فى المنزل بسبب هزيمة «الفارس الأبيض». لم يكن يرتضى هزيمة الفريق العريق أبدًا، ولا يحب حتى معرفة الأسباب التى أدت إلى هذه الهزيمة، بل يستنكرها ويظل مُتعبًا لفترة بسبب ذلك.

■ وماذا عن شائعة عدم التحاقه بالإذاعة إلا بعد وفاته؟

- هذه شائعة رائجة جدًا، وكثيرون سألونى عنها، كلهم يقولون: «الشيخ محمد عمران لم يلتحق بالإذاعة إلا بعد وفاته»، لكن هذه شائعة كاذبة ومغرضة، فقد التحق الشيخ عمران بالإذاعة فى السبعينيات، بل وتم اعتماده دون اختبار، ففى ظل أن اللجنة المعنية بالاختبارات تعلم جيدًا قدره، جلس الشيخ معهم عدة دقائق، ثم اعتمدته اللجنة دون اختبار.

■ هل كان له أصدقاء من الوسط الفنى أو الثقافى؟

- نعم، كثير منهم كانوا أصدقاءه، خاصة أنه رجل مثقف ومُلم بالكثير من المجالات، كما سبق أن ذكرت، ومنفتح العقل أيضًا، لذا كان له أصدقاء من الوسط الفنى والثقافى والسياسى، فى ظل اعتداله ووسطيته وتقبله كل الآراء.

لم يكن متشددًا بخصوص الفن والفنانين والموسيقى وغيرها، وجمعته صداقات عديدة مع فنانين، أبرزها صداقته مع الفنان الراحل محمد عبدالوهاب، وعدد كبير من الفنانين والشعراء الآخرين، ولا تُنسى له أغنية «أدركنا يا الله» رفقة الشيخ سعيد حافظ، التى حققت رواجًا كبيرًا وقت طرحها.

■ وماذا عن صداقاته مع المشايخ؟

- جمعت والدى صداقات قوية مع عدد كبير من مشاهير المشايخ، أبرزهم نصر الدين طوبار وعبدالفتاح الشعشاعى وعبدالباسط عبدالصمد، ومحمود أبوالسعود، الذى سقط مغشيًا عليه ومريضًا فور علمه بوفاة الشيخ عمران، والتى كانت فى السادس من شهر أكتوبر عام ١٩٩٤، عن عمر بلغ ٥٠ عامًا فقط، علمًا بأن أكتوبر أيضًا هو شهر ميلاده، إذ ولد فى ١٥ أكتوبر ١٩٤٤.

■ هل رحل بسبب الحزن الشديد كما سمعنا؟

- نعم، «قتله الحزن»، الشيخ محمد عمران حزن حزنًا شديدًا على ابنه «أحمد»، الذى توفاه الله طفلًا وهو ابن ٦ سنوات، حتى إنه كان يدخل إلى غرفة طفله الراحل، ويظل يبكى بكاءً شديدًا، إلى أن أصابه المرض وتوفى على إثره.

■ دشن محبو الشيخ عمران حملة لمطالبة الإذاعة بإذاعة تلاواته.. ما القصة؟

- المبتهل الإذاعى محمد رشاد أبوالنور أسس حملة تطالب الإذاعة بإذاعة تلاوات القرآن بصوت الشيخ محمد عمران، وضمت هذه الحملة عددًا كبيرًا من محبى الشيخ و«السميعة»، والذين حاولوا التواصل مع قيادات الإذاعة لتلبية طلبهم، لكن دون جدوى.

■ لكن الإذاعة تذيع تلاوات للشيخ بالفعل؟

- هذا حقيقى، تنشر الإذاعة بعض التلاوات الخاصة بالشيخ محمد عمران، لكن بمعدل قليل جدًا، رغم أن الشيخ مُعتمَد فى الإذاعة، وله جمهور كبير من «السميعة»، فى كل مكان، وداخل وخارج مصر على حد سواء.

تلاوات الشيخ محمد عمران مُتداوَلة، وتُذاع على صفحات وحسابات إذاعة «القرآن الكريم» على مواقع التواصل الاجتماعى، إلى جانب إذاعتها على موجات الإذاعة. لكن هناك «كنز» خاص بالشيخ، يتمثل فى تلاوات قرآن كريم نادرة بصوته، يتداولها «السميعة» فيما بينهم، ويبلغ عددها ٥٦٠ تلاوة نادرة، مستعدون لإهدائها إلى الإذاعة للنظر فيها.

■ ماذا تقصد بالنظر فى هذه التلاوات؟

- أقترح تشكيل لجنة استماع لمراجعة هذه التلاوات النادرة، ثم السماح ببثها عبر إذاعة «القرآن الكريم»، بما يسهم فى الحفاظ على إبداعات الشيخ محمد عمران وتاريخه، وإعادة إحياء تراثه بين محبيه، ونقله إلى الأجيال الجديدة، التى دمرت الهواتف المحمولة ومنصات التواصل الاجتماعى عقولهم.

تلاواته فى إذاعة «القرآن الكريم» قليلة جدًا ودشنا حملة لمواجهة ذلك