لماذا غابت النخبة عن المعركة؟
قرأت مؤخرًا مقال الأخ الكريم والصديق العزيز الدكتور محمد الباز فى الإصدار الإلكترونى المتميز «حرف»، الذى يصدر عن مؤسسة «الدستور». هذا المقال حمل عنوانًا بالغ الأهمية وهو «الغائبون عن المعركة»، وعنوانًا آخر هو «نخبة الأفعال فى مواجهة نخبة الأقوال». لقد حدد محمد الباز بجدارة فائقة أزمة خطيرة تسود حاليًا، وهى الغياب شبه التام لحركة النخبة المصرية منذ أحداث ٢٠١١ حتى ٢٠٢٤ مرورًا بثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣. فى الحقيقة هذا المقال أثلج صدرى بشكل كبير، لأننى كنت أتساءل دائمًا: أين النخبة المصرية طوال هذه الفترة التى قاربت على ١٤ عامًا؟. وأين دورهم الإبداعى والفكرى والثقافى والروائى والفنى وخلافه من هذه الفترة البالغة الأهمية فى عصرنا الحالى؟. لقد استثنى «الباز» قلة قليلة، التى تفاعلت مع هذه الأحداث بشكل لم يكن بالكثير فى إبداعاتها المختلفة وتنويعاتها الفنية والثقافية. لكن يبقى السؤال الحائر الذى غاص فيه «الباز» بشكل رائع وواضح: أين هؤلاء جميعًا مما حدث حتى الآن؟
إن مصر مرت بمراحل عصيبة فى تاريخها طوال هذه المدة بدءًا من أحداث ٢٠١١ مرورًا بالحرب البشعة على الإرهاب التى قادتها المؤسسة العسكرية والشرطة المدنية، ووضع مشروع وطنى عظيم للدولة الحديثة، تمهيدًا للوصول إلى الجمهورية الجديدة التى نحيا معالمها الآن. ورغم كل هذه الأحداث العظيمة، وما تحقق على الأرض بشكل أذهل العالم أجمع فى فترة زمنية قصيرة جدًا بمعيار التقدم والنهضة، فإن النخبة من وجهة نظرى أيضًا كما يقول «الباز» غائبة تمامًا عن المشهد. فما الأسباب؟. الإجابة غير حاضرة.
وكما قال الدكتور محمد الباز، فى مقاله المهم جدًا، لقد كانت النخبة بعد هزيمة ١٩٦٧ تندمج مع الشعب وتحثه وتنتج إبداعًا وإنتاجًا عظيمًا كان أحد الأسباب الرئيسية فى تجاوز الهزيمة. ثم الأمر الآخر تجلى أيضًا من خلال التفاف النخبة والشعب المصرى بكامل طوائفه مع قواته المسلحة حتى تمكن من تحقيق النصر العظيم فى أكتوبر ١٩٧٣. وقد ظهرت أعمال كثيرة جدًا بشكل يفوق الخيال فى هذه الفترات. وفى دراستى الماجستير والدكتوراه التى تناولت اتجاهات النقد الأدبى فى هذه الفترة، الاتجاه الاشتراكى تحديدًا، كانت هناك أعمال إبداعية كثيرة جدًا تفوق التصور والخيال وتشد عضد الدولة المصرية فى هذه الظروف التى تمر بها.. لكن على العكس تمامًا ما وجدناه فى الفترة من ٢٠١١ حتى ٢٠٢٤، لم نجد إلا النادر والقليل من الأعمال، سواء كانت روائية أو فنية أو شعرية. والحقيقة، كما قال «الباز» أيضًا، أن الشركة المتحدة، ذلك الكيان العظيم، هى الوحيدة التى قامت بدور فعال خلال هذه الفترة، ولا يزال عطاؤها مستمرًا بشكل وطنى خالص. يبقى السؤال المهم جدًا ونحن فى حاجة إلى نخبة الأفعال التى تقدم دورًا مهمًا إلى جوار الدولة الوطنية المصرية، وتواجه من خلاله نخبة الأقوال التى تتحدث كثيرًا ولا تفعل شيئًا. ومن هذا المنطلق يلح أيضًا السؤال بشكل خطير وهو: لماذا غابت النخبة الحقيقية وليست المزيفة عن المشهد؟. ما هى الأسباب التى دفعتها إلى هذا الغياب، رغم أن مصر لديها نخبة أكثر من رائعة، ولديها فكر ورأى ونشاط إبداعى لا يختلف عليه أى أحد على الإطلاق؟. نعود مرة أخرى إلى أن هذه الظاهرة تحتاج إلى أهمية القول بضرورة تنشيط هذه النخبة الفاعلة، لتؤدى دورها المنوط بها. فمصر لم تعدم أبناءها المبدعين والمفكرين والمثقفين والغنائيين. العظماء موجودون فى كل المجالات.. روائية وشعرية وفكرية وثقافية وغنائية، وغيرها من كل فنون الأدب. إن مصر بحاجة شديدة وقوية إلى هذه النخبة الفاعلة لتقف إلى جوار دولتها التى تواجه التحديات الجسام على كل الأصعدة. لماذا لا تنشط هذه النخبة الفاعلة فى ظل بيئة خصبة للتعبير عن كل هذه الأحداث؟. لقد آن الأوان لأن تنهض النخبة من غفوتها وتقف إلى جوار دولتها فى مواجهة هذه التحديات الصعبة التى تتعرض لها مصر حاليًا من كل صوب وحدب. والأرض خصبة بشكل غير طبيعى للإبداع والتفكير واتخاذ ما تراه من رؤية ثاقبة تساعد فى نهاية المطاف الوطن الذى يضمنا جميعًا. ولا نشك على الإطلاق فى وطنية هذه النخبة ودورها الفاعل فى الحياة العامة المصرية.