شرق أوسط جديد.. وهمٌ فى خيال نتنياهو!
فى خطاب يائس، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، أن جيش الاحتلال تمكن من اغتيال هاشم صفى الدين، الخليفة المحتمل لأمين عام حزب الله، الذى اغتالته إسرائيل أيضًا، حسن نصر الله.. قال «نجحنا فى اغتيال حسن نصر الله، وكذلك خليفته، هاشم صفى الدين، وخليفة خليفته»، الذى لم يذكر اسمه.. فيما يعتبر أول إعلان إسرائيلى رسمى صريح باغتيال هاشم صفى الدين، الرجل الثانى فى حزب الله اللبنانى ورئيس مجلسه التنفيذى، الذى كانت الأنباء تضاربت حول مقتله فى هجوم إسرائيلى على بيروت.. واستغل نتنياهو السياق، لتحريض اللبنانيين على اتخاذ موقف ضد حزب الله، ملوحًا بأن الاستمرار فى دعم الحزب سيؤدى إلى «المزيد من الفوضى والمعاناة للبنان» وقال، «عليكم أن لا تضيعوا فرصة إنقاذ لبنان، قبل أن يقع فى هاوية من الدمار والمعاناة، مثلما حدث فى غزة» . وأكد للبنانيين، أن إيران تحتل لبنان عمليًا، فهى تمول وتسلِّح حزب الله ليخدم مصالحها على حساب لبنان.. لقد حول حزب الله لبنان إلى مخزن للأسلحة والذخائر وقاعدة عسكرية متقدمة لطهران.
وتابع نتنياهو بأن «إسرائيل قررت إنهاء هذا الوضع.. قررنا أن نفعل كل ما يلزم لإعادة مواطنينا إلى بيوتهم بأمان.. وأن لإسرائيل الحق فى الدفاع عن نفسها.. لإسرائيل الحق فى النصر!.. وإسرائيل ستنتصر بالفعل!»، على حد قوله، لأنه يرى أن «حزب الله اليوم أضعف مما كان عليه منذ سنوات عديدة»، ثم خاطب نتنياهو الشعب اللبنانى قائلًا، «الآن أنتم، مواطنو لبنان، تقفون عند مفترق طرق مهم.. الخيار بيدكم.. يمكنكم استعادة دولتكم.. يمكنكم إعادتها إلى مسار السلام والازدهار»، وهدد، «إذا لم تفعلوا ذلك، سيستمر حزب الله فى محاولاته لمقاتلة إسرائيل على حسابكم.. لا يهمه ما إذا كان لبنان سيُجر إلى حرب أوسع.. وجميعكم تُعانون بسبب الحرب العبثية لحزب الله ضد إسرائيل»، ثم واصل تحريضه، «أسأل كل أم وأب فى لبنان سؤالًا بسيطًا: هل يستحق الأمر كل هذا؟.. لأن الأمور لا يمكن أن تكون على هذا النحو.. أنا أعلم أنكم تريدون مستقبلًا أفضل لأبنائكم.. لذلك، اليوم أتحدث إليكم جميعًا.. هناك طريق أفضل.. أفضل لأبنائكم، ولمدنكم، ولقراكم، ولبلدكم.. أنتم تستحقون أن تعيدوا لبنان إلى أيام السلام.. تستحقون لبنان مختلفًا.. لا تسمحوا لهؤلاء بتدمير مستقبلكم أكثر مما دمروا بالفعل».
وبلغ نتنياهو قمة تحريضه اللبنانيين على حزب الله، فيما قد يؤدى إلى حرب أهلية، «قوموا باستعادة دولتكم.. أنتم أمام فرصة لم تكن لديكم منذ عشرات السنين، فرصة للاعتناء بمستقبل أطفالكم وأحفادكم.. هناك فرصة أمامكم لإنقاذ لبنان قبل أن يقع فى هاوية من حرب طويلة، تؤدى إلى دمار ومعاناة مثل غزة.. حرروا دولتكم من حزب الله لكى تنتهى هذه الحرب.. حرروا أنفسكم من حزب الله لكى تتمكن دولتكم من الازدهار مرة أخرى، وكى لا تعرف الأجيال القادمة من الأطفال اللبنانيين والأطفال الإسرائيليين حربًا أو إراقة دماء».
وفى رسالة وجهها مؤخرًا إلى الشعب الإيرانى، تصور رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، نوعًا من التغيير فى الشرق الأوسط، وتخيل اليوم الذى يعيش فيه الإيرانيون واليهود فى سلام.. ولا شك، أن الحلم المستحيل، أو على الأقل التطلع إلى أيام أفضل قادمة ليس بالأمر الخطأ.. ولكن المشكلة هى أن الزعماء السياسيين يأخذون خيالاتهم على محمل الجد فى بعض الأحيان، ويستخدمونها لحشد الدعم لسياسات مُكلفة.. وكما يقول المثل، «الطريق إلى الجحيم مفروش بالنوايا الحسنة».. فرغم الانتصارات التكتيكية التى حققتها إسرائيل مؤخرًا على حزب الله، فليس هناك ما يدعونا إلى الاعتقاد بأن المنطقة أصبحت أكثر أمنًا أو سلامًا.. كما يرى الدكتور ليون هادار، الزميل الأول فى معهد أبحاث السياسة الخارجية فى فيلادلفيا، وكاتب العمود فى مجلة «ذا ناشيونال إنترست».
منذ عام 1982، و«الشرق الأوسط الجديد» يلوح فى الأفق دومًا.. فقد تصور وزير الدفاع الإسرائيلى، أرئيل شارون، نظامًا جديدًا فى الشرق الأوسط، ينعم فيه لبنان بالحرية تحت حكم حكومة مارونية موالية للغرب، وتنشأ دولة فلسطينية فى الأردن.. ومن المؤكد أن الغزو الإسرائيلى للبنان، من شأنه أن يدمر منظمة التحرير الفلسطينية وقتها ويضمن أمن إسرائيل.. وفى أعقاب اتفاق أوسلو 1993، وعد شمعون بيريز وتوم فريدمان، بإنشاء «شرق أوسط جديد».. وبدلًا من القتال، سيٌطلق الشباب الفلسطينيون والإسرائيليون شركات ناشئة عالية التقنية.. وستحطم السيارة اليابانية الفاخرة «ليكزز» شجرة الزيتون، وتبشر بـ «نهاية التاريخ الصعب».
كان من المفترض أن تنشأ منطقة شرق أوسط ديمقراطية مؤيدة لأمريكا، بدءًا من العراق، بعد زعم الرئيس الأمريكى الأسبق، جورج دبليو بوش، فى (تغيير الأنظمة وتعزيز الديمقراطية)، فى العقد الأول من القرن الحادى والعشرين.. لكن هذا لم يحدث!.. وقد تبع ذلك ما أسموه (الربيع العربى)، أوائل العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، والذى كان من المتوقع أن يطلق موجة من الثورات الليبرالية الديمقراطية فى الشرق الأوسط، بقيادة جميع مستخدمى فيسبوك الشباب، المجتمعين فى ميدان التحرير بالقاهرة.. وكان هناك حديث أيضًا عن شرق أوسط جديد ومُحسَّن، بعد توقيع إتفاقيات إبراهام عام 2020، والتى أدت إلى تطبيع العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، وتشكيل كتلة استراتيجية عربية إسرائيلية لاحتواء إيران.. وهنا نعود مرة أخرى، إلى أن إمكانية نجاح إسرائيل فى توجيه ضربة عسكرية إلى إيران ووكلائها فى الشرق الأوسط، يثير الآمال فى إرساء نظام جديد فى المنطقة.. ومن شأن لبنان الحر أن يبرز من بين أنقاض الحرب بين حزب الله وإسرائيل.. ومع تقليص حجم إيران، قد يصبح من الممكن تحقيق انفراجة بين إسرائيل والسعودية فى (تحالف إبراهام)، على غرار حلف شمال الأطلسى!.
●●●
كل ما سبق، كانت الأحلام والطموحات التى وصلت حد الأوهام.. أما الواقع، فله وجه آخر.. فقد أدت أحلام شارون الخيالية إلى حرب طويلة وكارثية فى لبنان، انتهت بجر إسرائيل إلى مستنقع.. وتم اغتيال الزعيم المارونى، بشير الجميل، ونجت منظمة التحرير الفلسطينية.. ثم جاءت الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987.. وأشعلت اتفاقية أوسلو 1993، توقعات السلام التى فشلت فى التحقق.. وفى وقت لاحق، أعقبت المحاولة الفاشلة للرئيس الأمريكى الأسبق، بيل كلينتون، لعملية سلام أخرى فى كامب ديفيد عام 1999، الانتفاضة الثانية.. وترأس شارون الانسحاب الإسرائيلى من غزة عام 2005.. أثبتت حرب العراق، أنها كارثة استراتيجية ذات أبعاد تاريخية، فى حين تحول التدخل العسكرى فى أفغانستان إلى أطول حرب خاضتها أمريكا.. وقد أدت الحروب إلى انهيار توازن القوى فى الشرق الأوسط، الأمر الذى سمح لإيران بالظهور فى نهاية المطاف، كقوة مهيمنة إقليمية، تقود مجموعة من الوكلاء.. لقد ساعدت الأحلام المتعلقة بتعزيز الديمقراطية فى الشرق الأوسط، فى دفع أمريكا إلى بذل الجهود الكارثية والدموية للإطاحة بالزعيم الليبى، معمر القذافي.. وتحول الشرق الأوسط إلى ساحة مفتوحة للحروب الأهلية، بما فى ذلك محاولات تنظيم الدولة الإسلامية السيطرة على بلدان المنطقة.
وفى نظرة إلى الوراء.. أثبتت محاولة نتنياهو تهميش المشكلة الفلسطينية، من خلال اتفاقيات إبراهام، أنها خطأ انفجر فى وجه إسرائيل فى السابع من أكتوبر الماضي.. وبدا أن إيران وحلفاءها خرجوا كفائزين استراتيجيين، على الأقل لفترة من الوقت.. ولكن من الخطأ أن نصور نجاح المحاولات الإسرائيلية فى قلب الانتصارات التى حققتها إيران ووكلاؤها، على أنه فرصة أخرى لتدشين شرق أوسط جديد.. ومن المؤسف، أننا لم نبق على نفس الحال.. فسوف يظل حزب الله لاعبًا سياسيًا وعسكريًا مهمًا فى لبنان.. ومن غير المرجح، أن تؤدى انتكاساته الأخيرة إلى تغيير ميزان القوى فى ذلك البلد.. المؤكد هو أن إسرائيل ليست فى وضع يسمح لها بـ«هزيمة» إيران.. ومن المؤكد أن أى تحرك انتقامى من جانب إسرائيل ضد إيران، وخصوصًا الهجوم على مواقعها النووية ومواقعها النفطية، من شأنه أن يؤدى إلى اندلاع حرب إقليمية، قد تجتذب الولايات المتحدة فى نهاية المطاف.
إن التدخل العسكرى الأمريكى، الذى من المؤكد أنه سيؤدى إلى هجمات إيرانية على المواقع العسكرية الأمريكية وحلفاء الولايات المتحدة فى المنطقة، لن يؤدى إلا إلى الإضرار بمصالح إسرائيل فى الأمد البعيد.. والواقع أن تورط الولايات المتحدة فى حرب أخرى فى الشرق الأوسط، هذه المرة، كجزء من الجهود الرامية إلى حماية إسرائيل، من شأنه أن يشعل ردة فعل سياسية معادية لإسرائيل فى أمريكا، خصوصًا إذا كان من شأنه أن يؤثر على الانتخابات الرئاسية.. ومن المرجح أن يؤدى أى تدخل عسكرى أمريكى جديد فى حرب فى الشرق الأوسط، إلى تسريع انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، وهو الهدف الأساسى لإيران.. فهل تُجازف الولايات المتحدة بمستقبلها فى المنطقة؟.
●●●
لم يُطلع القادة الإسرائيليون الولايات المتحدة بعد، على التفاصيل المحددة لردهم العسكرى على الهجوم الصاروخى الباليستى، الذى شنته إيران الأسبوع قبل الماضى، حتى بعد أن ناقش المسئولون العسكريون الأمريكيون إمكانية دعم الانتقام الإسرائيلى، بالمعلومات الاستخباراتية أو الضربات الجوية الخاصة بهم، وفقًا لمسئولين أمريكيين.. تحدث وزير الدفاع الأمريكى، لويد أوستن، مع نظيره الإسرائيلى، يوآف جالانت، وناقشا الردود المحتملة، ولكن القرار النهائى ليس لإسرائيل بشأن ما يمكنها فعله ومتى؟.. إلا أن المسئولين الأمريكيين لا يعتقدون أن إسرائيل اتخذت قرارًا نهائيًا بشأن تفاصيل ردها، وقالوا إنها كانت تضيّق وتحدد خياراتها.. والخيارات التى لا تزال قيد الدراسة، هى استهداف البنية التحتية العسكرية والاستخباراتية الإيرانية والدفاعات الجوية ومنشآت الطاقة. ولم يناقش جالانت وأوستن المنشآت النووية الإيرانية، كأهداف محتملة.. وكان من المقرر أن يلتقى جالانت مع أوستن فى واشنطن اليوم الأربعاء وهى الرحلة التى بادر بها جالانت ولكن الرحلة تأجلت الآن بناءً على طلب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، فى ظل قلق أمريكى، من أن الرد الإسرائيلى قد يأتى أثناء اجتماع جالانت مع أوستن.
وبالرغم من تواصل الولايات المتحدة وإيران فيما بينهما، منذ السابع من أكتوبر، بشأن عدم رغبة أى من الجانبين فى تصعيد هذا الصراع، وفقًا للمسئولين الأميركيين السابقين والحاليين.. الذين يعتقدون، أنه ما لم يتم شن هجوم كبير على البنية التحتية النووية الإيرانية، يؤدى إلى إيقاف برنامجها أو تأخيره بشكل كبير، فإن إيران لا تسعى إلى حرب مباشرة مع إسرائيل والولايات المتحدة.. إلا أن مسئولين عسكريين أمريكيين ناقشوا خيارات الانضمام إلى إسرائيل فى ردها على إيران.. فالولايات المتحدة تدعم إسرائيل منذ فترة طويلة بالمعلومات الاستخباراتية، وأن هذا الدعم قد يستمر خلال الضربات الانتقامية الإسرائيلية ضد إيران.. وقد ناقش كبار المسئولين العسكريين الأمريكيين أيضًا، تنفيذ ضربات محدودة للغاية ضد أهداف إيرانية.. وبالفعل تمت مناقشة الضربات داخل إيران، وكذلك الضربات على أهداف خارج إيران، على الرغم من أن الضربات من أى نوع، تظل أقل احتمالية من تبادل المعلومات الاستخباراتية.
قد تستهدف الولايات المتحدة أصولًا إيرانية فى البحر، أو تحاول تعطيل المساعدة العسكرية التى تقدمها إيران لوكلائها فى المنطقة، من خلال ضرب مواقع الحرس الثورى الإسلامى، التى تدعم مجموعات الميليشيات فى اليمن أو سوريا والعراق.. ويمكن اعتبار الضربة الأمريكية على أهداف إيرانية دفاعية، إذا كانت تقضى على تهديد محتمل للولايات المتحدة أو حلفائها، مثل الضربات الأمريكية السابقة على أهداف مرتبطة بإيران داخل اليمن والعراق وسوريا.. ورغم عزم الولايات المتحدة على دعم حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها، إلا أنها لم تتخذ قرارًا بشأن أى تحرك أمريكى حتى الآن.. وهناك من لا يتوقع أن تدعم الولايات المتحدة الرد الإسرائيلى بشكل مباشر، بل يتوقعون بدلًا من ذلك، أن تدعم الولايات المتحدة إسرائيل من خلال إصدار عقوبات صارمة ضد إيران.. ذلك أن فشل إسرائيل فى تقديم ضمانات ملموسة للولايات المتحدة، بأنها ستُبلغ الولايات المتحدة بخططها، قبل وقت طويل من اتخاذ أى إجراء، جعل احتمالات قيام الولايات المتحدة بدور نشط فى رد إسرائيل أقل.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.