أنا وشادى
كان لدى إحساس قوى ودائم بأن أحدهم سيعترض طريقى طالبًا منى أن ألعب دورًا مهمًا بأحد أفلامه، ورغم إخفاقات عديدة لم يغب إحساسى بذلك أبدًا، ذات مساء شتائى من عام 1982 كنت أجلس بأحد مقاهى وسط البلد حين مر مصادفة صديقى على موسى فسألنى إن كنت قد ذهبت للقاء شادى عبدالسلام، لكنى كنت نسيت تمامًا فأخبرنى موسى أن المكتب على بعد خطوات من المقهى وطلب أن أمر وأتعرف على الرجل قبل أن ينصرف لحال سبيله، حين دقت الخامسة مساء كنت أمام البناية رقم 26 بشارع فؤاد، ركبت المصعد حتى الطابق السادس وقرعت الجرس مرات ومرات لكن أحدًا لم يفتح، فقررت الرجوع من حيث أتيت، كان أحدهم قد سحب المصعد فانتظرت حتى صعد، انفتح الباب عن رجل بدا من هيئته أنه ممسوس بالفن، اقترب منى متفحصًا وجهى ثم دار حولى دورة كاملة قبل أن يسألنى: رجب المصرى؟ نعم ياسيدى، وهو يفتح باب المكتب قال باقتضاب: شادى فى الطريق، اسمى صلاح مرعى، أدار موسيقى كلاسيكية وركن إلى كرسى بعد أن أشار لى بالجلوس، مرت نصف ساعة تقريبًا دون أن يبادر أحدنا بالحديث، كنت أتأمل أثاث المكتب العتيق واللوحات التى تزين الجدران وبعض منحوتات لملوك وأفراد، بدا المكان كما لو كان معبدًا مصريًا قديمًا حين شرد صلاح فى تأملاته، حتى وصل شادى، صافحنى مبتسمًا: طولك مناسب تمامًا وأضاف: اخلع قميصك، أربكنى طلبه فسألته ضاحكًا: هو الفيلم أكشن ولّا إيه؟ لكنه لم ينطق وطوق عنقى بعقد فرعونى ثم راح يلتقط بعض الصور: لقد شاهدتك وأنت تلقى قصيدتك وطلبت إلى صلاح وأنسى ومبروك أن يشاهدوا الحلقة واتفقنا أنك الأنسب لأداء الدور، كانت مفاجأة مدهشة بالنسبة لى فقد ظننت أنه أرسل فى طلبى كشاعر، قلت: لدىّ بعض تجارب بالمسرح لكنى لم أقف أمام كاميرا من قبل، قال: ملامحك مصرية خالصة، صوتك معتق وحضورك لافت ثم صحبنى برفقة صلاح إلى غرفة مكتبه، كان قد لحق بنا محمود مبروك وأنسى أبوسيف ومحمد قايد، ثم ناولنى نسخة من سيناريو الفيلم «مأساة البيت الكبير» أو إخناتون، قبل أن أتصفحها بادرنى: هذه نسختك اقرأها جيدًا ودون ملاحظاتك حتى موعدنا القادم، اعتلت الدهشة وجوه الحضور وقال صلاح: هى المرة الأولى التى تخرج نسخة من المكتب، وأضاف أنسى: هى مسئولية أتمنى أن تليق بها، وشدد محمود مبروك أن أدون ملاحظاتى فى ورقة مستقلة، أما قايد فقد اكتفى بابتسامة، صافحتهم وانصرفت على موعد بلقاء خلال أسبوع، قرأت سيناريو الفيلم غير مرة ودونت ملاحظاتى وذهبت فى الموعد المحدد، حين وصلت كان شادى منهمكًا بإصلاح خاتم ذهبى بإحدى الغرف، أشار لى بالجلوس وهو يتصبب عرقًا فحاولت أن أناوله منديلًا لكنه لم يلتفت، فى الصالة الكبيرة جلس صلاح ومحمود ومحمد قايد يحدوهم صمت بليغ، مضت ساعة تقريبًا على هذه الحال دون أن يهمس أحدهم أو يبادر بسؤالى عن رغبتى فى شراب أو خلافه وكأنما هى صلاة صامتة سيفسدها الكلام حتى صاح شادى كمن وجد ضالته: وشك حلو ماجيتش بدرى شوية ليه؟ قضيت نصف اليوم فى إصلاحه، شكرته بخجل ولم يمنعنى فضولى من سؤاله عن أهمية الخاتم بل واقترحت عليه أن أقتنى له مثله وما يريد، فهناك محال كثيرة تبيع حليًا مقلدة من قشرة الذهب فأجابنى بيقين: الكاميرا لا تكذب، وهل لمعة الذهب كلمعة القشرة.