365 يوما من القتل والتشريد.. أهالي غزة يروون لـ"الدستور" معاناة عام من الحرب
“عام وكأنها مائة عام من الكوابيس التي لا تنتهي”.. بتلك الجملة كشف لنا زكريا بكر مواطن فلسطيني من مخيم الشاطئ شمال قطاع غزة، الذي نزح لأكثر من 15 مرة من الشمال إلى الجنوب لدير البلح وخان يونس ومؤخرا بمدينة حمد، أهوال ومجازر الاحتلال على مدار 365 يوما من حربه الشرسة على قطاع غزة.
يقول بكر في حواره لـ"الدستور": دخلت حرب الإبادة على قطاع غزة عامها الثاني، حرب لن يسجل التاريخ أبشع منها، نحن نحكي عن جيش يمتلك كل الأسلحة بالبر بالجو بالبحر، مقابل شعب مدني أعزل، أكثر من 2 مليون فلسطيني يعيشون بأصغر بقعة على وجه الأرض، يواجهون جيش يمتلك أقوى الأسلحة، والدعم من قبل الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة، بجانب استمرار طائرات التجسس البريطانية في رصد التحركات في قطاع غزة.
بكر: نزحنا ليلا تحت القصف بعدما استشهد أبناء عمي
وأضاف بكر أن الإبادة التي شنتها قوات الاحتلال في السابع من أكتوبر العام الماضي، مسحت أحياء ومدن ومناطق بغزة بأكملها، من بيوت من أشجار من مصانع من كل شيء حتى عدد كبير من العائلات مسحت من السجل المدني، لافتا إلى أن الأقذر والأخطر في هذه الحرب هو فرض مناطق وفرض النزوح على الناس وجعل الناس تحت قوة الصواريخ وعمليات القتل والتهجير.
وتابع بكر: "يمكن أنا تجربتي الصعبة والعنيفة وهناك العديد أو الآلاف من تجارب أبناء شعبنا أصعب منها لكن أن تترك بيتك الذى عشت بداخله طوال سنوات حياتك، تترك عملك، تترك مهنتك وتنزح على مناطق في العراء تجهل بها ولا تعرف أين أنت ولا إلي أين ستذهب وكيف ستعيش هذه المعاناة الكبرى".
وتابع: “خرجنا عقب 34 يوما من بداية الحرب على غزة، على أطراف مخيم الشاطئ عمليات القصف بجوار مخيم الشاطئ بمنطقة الكرامة وغيرها 3 مناطق وأحياء تم تدميرهم بشكل كامل وإبادتهم، أبراج سكنية تم تدميرها بالكامل، تل الهوي وأبراج تل الهوي ومستشفى القدس والشفاء تم تدميرها بالكامل بمحيط محل إقامتي، وأٌجبرنا باتصال تليفوني وقصف مدفعي على المنازل المجاورة لنا، بترك المكان والتوجه إلي مناطق لا نعرف فيها شئ، حط بنا الرحال بالنزوح الأول في مدينة خانيونس وتحديدا مدينة حمد، بعد 24 يوم آخرين أجبرنا من جديد تحت القصف المدفعي بترك مدينة حمد والتوجه إلى رفح وتحديدا شرق رفح، عشنا بها أطول مدة من 4 إلى 5 شهور، ومن ثم أجبرنا على تركها والتوجه نحو غرب رفح، ولكن هذه المرة عشنا بالخيام وهي غير صالحة للحياة عبارة عن بطاطين وحرامات وأجزاء من القماش المهلهل وبعض عروق الخشب لا تحمينا من أمطار الشتاء ولا حرارة الصيف”.
وأضاف: "ومن ثم أجبرنا من خلال القصف وطائرات الأباتشي وإطلاق النار، إلى التوجه من جديد إلى مدينة حمد ونصب الخيام بها، ولكن بعد الاستقرار من جديد في مدينة ونصب الخيام، لم يهملنا الاحتلال أكثر من شهر، وقام بإلقاء المناشير والقصف وتدمير بعض الأبراج بجوارنا، على الرحيل، كانت ليلة من أصعب الليالي تركنا كل شىء ونمنا تسمي بمنطقة اسمها أصداء بجوار مدينة حمد في العراء، في اليوم التالي صباحا استطعنا التسلل واسترجاع بعض متعلقاتنا، وذهبنا لمنطقة اسمها الاسطبل بخانيونس عشنا بها ما يقارب من شهر، فور الانتهاء من العملية العسكرية في مدينة حمد، عدنا من جديد إلى مدينة حمد، 10 عمليات نزوح".
واستدرك: "لا أستطيع وصف حجم الألم والوجع ومعاناة النزوح من منطقة لأخرى هذا بجانب تكلفتها العالية جدا وخاصة مع وجود أطفال ونساء وكبار بالسن، بمرة من المرات وقت النزوح خرجنا 5 عائلات من منطقة دير البلح إلى منطقة شوك وأرض زراعية وتربتها طينية، لم نستطع نصب الخيام، حجم الألم والمعاناة تحت القصف والدمار، بتذكر عملية النزوح الأخيرة من مدينة حمد كانت صعبة للغاية، اتخذنا قرار البقاء حتي الارتقاء والموت، ولكن الساعة 1 فجرا، قصفت طائرات الأباتشي الخيام، واستشهد اثنان من أبناء عمي وأصيب 4 آخرون، لذلك خرجنا مسرعين نحو مكان آخر يقال إنه آمن ولكن لا يوجد مكان آمن بغزة حتي المدارس والمساجد قصفوها".
وأضاف بكر: لا أعرف عن ماذا احكي ولا كيف أحكي ولا على أي شىء، هل احكي عن معاناة النساء المستمرة، حتى الملابس لا توجد ملابس للنساء ولا أحذية، ولا فوط صحية أو مواد نظافة، منذ شهور طويلة الاحتلال منع دخول مستلزمات النظافة الشخصية، حتي الأطفال ومستلزمات الأطفال لم تعد متوفرة، علب البامبرز لم تعد موجودة وإن وجدت سعرها وصل لـ200 شيكل، آلاف الأطفال الآن يصطفون في طوابير طويلة عند التكيات للحصول على وجبة أرز فقط بدون لحوم، حتى تسد جوعها، هناك بطالة وفقر وعوز، الواحد يحكي ويبكي من شدة الألم والمرارة، من انتشار الفقر والبطالة، 5 آلاف صياد فقدوا عملهم على مدار سنة كيف سيعيشون.
أحمد: النزوح المتكرر وقلة الإمكانيات أصعب ما نواجه
فيما قالت الدكتورة داليا أحمد من منطقة التفاح بالقرب من حي الشجاعية شمال غزة: "نزحت لأكثر من مرة، بعد قصف بيتي بأكمله بخمسة صواريخ واستشهد عدد كبير من أسرتي، كان الخبر صادما، ونزحت من الشمال مشيا على الأقدام إلى منطقة الدير وسكنت مع أختي، وعقب أسبوعين تم الإخلاء، وانتقلنا إلى الزوايدة لمدة شهرين، وعقب ذلك داهمتنا الدبابات وقوات الاحتلال وسط قصف مستمر، ونزحنا إلى الدير مرة ثانية، وعقب 4 أيام تم مداهمة المستشفي، لننزح مرة أخري إلى مدينة رفح في الجنوب".
وتابعت أحمد في تصريحات خاصة لـ"الدستور": "أول مرة نسكن بخيمة لم نستلم خيمة، اشترينا خشب ونايلون أول صعوبة واجهتنا كانت المنطقة رملية والجو حار جدا، وعلى الرغم من تواجدنا بمدينة رفح بشهر يناير أي فصل الشتاء الا أن الخيمة حارة جدا نهارا، وباردة جدا ليلا، ثم بدأت رحلة البحث عن الأدوات المنزلية والملابس والغطاء، وكل الأشياء مقطوعة بسبب حصار الاحتلال ومنع دخول المساعدات، وقمت بشراء بعض المستلزمات القليلة والبسيطة بأسعار مرتفعة جدا، وكانت الأولوية هي توفير الغطاء والمحارم، وعشنا على المعلبات الغذائية وعلى التكية التي تأتي للمخيم، بدأت ابحث عن الأواني المنزلية والحطب لإشعال النار، كانت الصعوبة في توفير دورات مياه خاصة بدائية، بجوار الخيمة".
وأشارت أحمد إلى أنها كانت متواجدة القرب من الحدود المصرية، وكانت تأخذ المياه من الخط المصري، وكانت المياه تتوفر مرتين صباحا وليلا، مستدركة: "عقب شهرين تعودنا على المعيشة في الخيمة، وفي الفترة من يناير حتي مايو كانت الأشياء البسيطة للحياة البدائية والخدمات الصحية كانت فى رفح مستقرة ومتوفرة في البداية وخاصة أن المستشفيات كانت تعمل مثل مستشفى أطباء بلا حدود، المستشفى القطري.
وأكدت أحمد أن النزوح كان المعاناة الأصعب والأشد خلال فترة الحرب، وعقب شهور جاءت أوامر للإخلاء من رفح، متابعة: "أصعب شىء وأول كلمة تقال "وين بدي أروح"، كل المناطق ممتلئة ومكتظة وانتشرت الأوبئة لا يوجد صرف صحي، منطقة الغرب كانت سيئة للغاية، انتقلنا إلى منطقة شرق الدير مصنفة حمراء أجبرنا على البقاء بها لشهرين، وعقب ذلك وحتى الآن انتقلت إلى النصيرات للمرة الحادية عشر من النزوح المتكرر".
وأشارت أحمد إلى أن طائرات الكواد كابتر كانت تطلق أصواتا كاذبة مثل أصوات حيوانات مفترسة، أو أصوات نساء تصرخ، أو أطفال تبكي، كمصيدة لقتل المواطنين والرجال.
ولفتت أحمد إلى أنه منذ 31 مايو أصبحت الأدوية شحيحة جدا، وإذا توافرت يكون سرها 7 أضعاف سعرها الأصلي، حتي أصحاب الأمراض المزمنة لم تعد تتوفر لهم الأدوية الخاصة بهم، مضيفة أنه بالوقت الحالي أسعار الخضار أصبحت مرتفعة جدا والبروتين، أدوات النظافة كانت مقطوعة تماما، أصبح الآن متوفر الصابون والشامبو ومسحوق الغسيل ولكن أسعارها 15 ضعفها وأجبرنا على شرائها بسبب الاحتياج الشديد لها.
وأشارت أحمد إلى أنه عقب عام طويل من الحرب، لم تتوفر الملابس والأحذية، وأصبحت ملابسهم بالية جدا بسبب عدم توافر البديل، والغاز أيضا أصبح قليل جدا، وهناك رعب من استخدام النار في الطهي والتدفئة مرة أخرى، متابعة: "نعاني من قلة الأموال المشكلة الأكبر في الحصول على الحوالة هو الخصم منها جزء كبير حتى تصل، والأصعب لا يوجد مدارس بعض الغرف الصفية تم افتتاحها ولكنها لا تغني عن المدرسة عام كامل بدون تعليم، مستمرين في الغرف الصفية على الأقل الصفوف الأولى.
واختتمت أحمد تصريحاتها قائلة: "على هذه الأرض ما يستحق الحياة فقدنا بيوتنا وأقاربنا وأحبائنا وأموالنا، لكن أبنائي وبناتي بخير بفضل الله، نحن موجودين والحياة مستمرة سواء طبخنا على النار والغاز أو الحطب، نمنا على تخت أو نمنا على الأرض، الحياة مستمرة الحرب لها بداية وسوف يكون لها نهاية وسوف ترجع غزة تتعمر من جديد".
الصوري: أصعب ما رأيت هو جثث أطفالي بين الأنقاض
فيما قال رامز الصوري من حي الرمال شمال قطاع غزة: "الحرب بداية لا تصدق فلم يكن أحد يتصور ويتكهن أو حتى يحلل كيف كانت البداية، بداية صادمة خاصة لسكان قطاع غزة مسلمين ومسيحيين وبكل أسسه لحظة لا تصدق من الساعات الأولى لبدايتها جميع سكان القطاع عرفوا وفهموا أنها سوف تكون حرب ضروس، حرب لن يتحملها لا شجر ولا بشر فمنهم من بادر بأول يوم بشراء جميع مستلزمات منزله من طحين ومواد غذائية وغاز ولم يتصور أن الحرب سوف تطول لمدة عام، مشيرا إلي أنه كان يعلم من خلال اطلاعه المستمر على الصحف والإعلام العبري ان الحرب سوف تستمر لأكثر من عام.
وأضاف الصوري أن الاحتلال شن هجوما بالطائرات على أبراج القطاع وقام بتدميرها وتسويتها بالأرض، ناهيك عن قتل عدد كبير من المدنيين العزل وهم داخل منازلهم فمنهم تقطعت أوصال عائلته ومنهم من استشهد ابنة أو ابية أو عائلته أو العائلة كاملة قد مسحت من السجل المدني الفلسطيني.
وتابع الصوري: "ومع تطور الحرب وازدياد الضغط على سكان غزة وتحديدا شمالها ومدينة غزة وأحيائها طلب جيش الاحتلال من سكان مدينة غزة وشماله بمغادرتها فأصبح المواطنين خائفين لأنهم يعرفون ماذا سوف يحدث ومنهم من بقى ليذهب إلى المدارس كملاجئ يعتبرها آمنه علمًا أن في جميع الحروب كان السكان يذهبون إلى المدارس ويعتبرها آمنه خاصه أنها تابعه لوكالة غوث التابعة للأمم المتحدة فكان القتل المتعمد مصيرهم واستهدافهم أصبح متاح فى كل الاجتياحات على المدينة.
وتابع الصوري: "هنا لن أنسى ما حدث معي شخصيًا حينما كنت فى منزلي أتابع الأحداث عن كثب وعرفت أنه لا مفر من مغادرة المنزل لأنهم جادون بتهديدهم، وكان عندي 3 أبناء سهيل ومجد وجولي، أطفال كرائحة الريحان وخرجنا من منزلنا متوجهين إلى كنيسة القديس بورفيريوس فكان الخطر في كل مكان ولم تسلم الكنيسة من بطش طائرات الـ F16، وهوجمت الكنيسة بالطائرات وقصفت إحدى مباني الكنيسة، مما أدى إلى تدمير المبنى ووجود حفرة بعمق 4 أمتار وهنا وقعت الكارثة حينما نظرت أنا وزوجتي، وشاهدنا المنظر ووقعنا في الصدمة والذهول فأصبحت أنادي على أبنائي وأبناء عمي وآخرين ولكن صوت الموت ورائحة البارود كانت تعم، بدأت أرى ابني سهيل بين الأنقاض وأخرجته ولكنه قد فارق الحياة ليكون شهيدًا وبعدها أخرجوا أبناء عمي طارق وعبد النور وبعدها أخرجوا أبنائي مجد وجولي ليكونوا شهداء وكان مجمل الشهداء 18 شهيدا في كنيسة القديس بورفيريوس من بينهم 13 شهيدًا من عائلة الصوري".
واستطرد الصوري: "الاعتداءات الإسرائيلية استمرت على قطاع غزة فدمرت مستشفى الشفاء بالكامل وخروجه عن الخدمة ودخل جيش الاحتلال مستشفى الأهلي العربي "المعمداني" واعتقلت وقتلت وهجرت الطواقم الطبية إلى الجنوب وانسحبت وهكذا أصبحنا نراقب دخول وخروج الاحتلال بآلياته المدمرة على المدينة فأصبحت مدينة غزة عبارة عن رماد، وما زلنا نعاني من القتل المتعمد وبدون سبب الا أننا متواجدين وباقون في القطاع".
وحول توفر المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى القطاع، قال الصوري: "لن أكون متحفظًا كثيرًا عن المساعدات التي تصل إلى قطاع غزة وبالأخص في شمالها يوجد مؤسسة واحدة في القطاع هي من تتحكم في إدخال المساعدات، ولا أريد أن أخوض بها كثيرًا لأنها تعمل أحيانًا لتحجيم الأفراد الذين يريدون أن يخدموا المجتمع بإدخال مساعدات لأهالي قطاع غرة، وبنية التوزيع السليم إلى السكان، لافتا إلي أن أغلب المساعدات الإنسانية تعرض للبيع المباشر في الأسواق المتناثرة في القطاع وأغلب التجار هم من يعملون في المؤسسات الإغاثية وليس هذا فقط، بل أسعار السلع مرتفع جدًا يفوق عشر أضعاف سعره، ومع منع دخول الخضروات إلى القطاع أصبحت تتجاوز الأسعار 60 إلى 70 دولار للكيلو لكل من الطماطم والبطاطا والبصل أما الثوم فيتجاوز 200 دولار للكيلو الواحد، وينشط تجار المؤسسات بذلك على حساب أبناء شعبنا المرابط الصابر فوق أطلال مدينة غزة رافض للتهجير ورافض لكل سياسات الإبادة الجماعية التي تحدث بغزة".
وأكد الصوري، أنه منذ بداية الحرب لم يدخل مدينة غزة أى دواء وبالأخص للصيدليات والمستودعات الخاصة في القطاع، وهذا كان له تأثير كبير على المرضى، خاصة أصحاب الأمراض المزمنة من مرض القلب والسكر والكلى والكبد وغيرها وأهمها السرطان.
وطالب الصوري، بضرورة التدخل العاجل للمجتمع الدولي بإدخال الأدوية إلى القطاع وبشكل عاجل وبدون قيد أو شرط لأنها تمثل وضعا إنسانيا كارثيا على القطاع ومع عدم توفر العلاجات في القطاع زاد حدوث الأوبئة والأمراض من التهاب الأمعاء والقولون، وأيضًا انتشار المرضى الذين يصابون بالتهاب الكبد الوبائي بكل درجاته نتيجة التغذية والماء الملوث.
واختتم الصوري حواره قائلا: "ها نقف على عتبة العام الثاني للحرب مع أمنياتنا المستمرة بأن تنتهي الحرب وينسحب الاحتلال من كل المحاور وعودة السكان إلى منازلهم مع إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف".