رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وصول البرابرة إلى طرواديّى العصر

طرواديّى العصر
طرواديّى العصر

عندما وصل البرابرة إلى أسوار المدينة

كانت الأبواب مشرعة

والسكون يغمر المطالع والشرفات ويهيم فى الأزقة

كان النهار فى أول شبابه والشمس بلسانها الدافئ تلحس الجدران

الخواء رجع أصداء سنابك الخيل..

لم يكن فى الساحة المسكونة بالهجران حصان ولا عربة

لم يكن وراء الأسوار قائد، ولا فتاة شجاعة تلهم المدافعين، لم يكن حارس هناك ولا حتى نافخ بوق.

النسائم تلهو بأطراف الستائر

وفى آخر الزقاق صبى صغير يلهو بعجلة.

الخيل راحت تمشى بخيلاء مباهية بأعرافها وبوقع سنابكها على الصمت.

عندما وصل البرابرة فى ذلك اليوم

كان باب المدينة مفتوحًا والصائفة تلهو بأوراق الشجر.

شعر قائدهم بالخزى لأن الأبواب، كل الأبواب، كانت مفتوحة،

لم تنفلق جمجمة بسهم، ولم يسقط فارس عن فرس!

وبخزى أكبر شعر قائدهم لأن رجاله لم يرسلوا إلى الحصون والأسوار كرات النار.

ولم تكن لديهم فرصة ليهدموا قلعة ويقيموا فى محيطها برجًا من الجماجم..

والمؤسف أكثر أنهم بلغوا بطلائعهم قلب المدينة، ولم ترتفع ملاءة بيضاء على حانوت أو بيت،

لم يركع جريح،

ولم تهتف امرأة: احرقوا المدينة، ولا تدنسوا العذراوات، 

لا شكوى

لا بكاء

لا توسلات!

فقط، صمت مريب لا يشبهه شىء سوى زيارة مقبرة فى جبل.

والسؤال الآن:

ماذا يفعل البرابرة بمدينة تُركت مشرعة الأبواب ولا يوجد فيها سوى طفل يلهو بعجلة؟

لم يجد البرابرة خائنًا ولا حتى مهرجًا أو أحمق ليكون دليلًا فى المدينة.

إحباط كامل..

إذ ذاك نظر البرابرة فى وجوه بعضهم البعض ولم يجدوا كلمة تقال.

ماذا يفعل البرابرة فى مدينة اختفى سكانها، فجأة، بصورة غير مفهومة؟

الأحصنة التى ملأت الساحات بالعجاج، ضجرة، راحت تنبش بسنابكها الأرض..

وعلى صهواتها القلقة، فجأة، دب صمت يشبه رعدة باردة سرت فى أجساد البرابرة.

لم تنبس لهم شفاه بحرف، عيونهم صارت خرزًا ملونًا، ونظراتهم أحجيات حجرية.

فى آخر الزقاق، ومن الأعلى، فجأة، أفلت الصبى العجلة وتركها تتدحرج..

جهة الخيل

إذ ذاك نفخ حامل البوق: نحن البرابرة لم نعد برابرة!

كانت الأبواب المقفلة ومن ورائها المدافعون هى الحكاية والمغزى.

صهلت الخيل، فى قصيدة الشاعر، ومشت بخيلاء.

حقًا، لقد كان البرابرة المحبطون لكونهم لم يصبحوا برابرة فى ذلك اليوم،

حدثًا رائعًا، خلفية مناسبة للهو صبى بعجلة فى قصيدة.

من: ألواح أورفيوس

مختارات شعرية