رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بعد تصاعد حدة التوترات الجيوسياسية..

خبراء: القطاع المصرفى متماسك ويحقق أداء جيدًا.. ويجب التركيز على تنويع الاقتصاد

الاقتصاد المصري
الاقتصاد المصري

أثار اتساع رقعة التوترات الجيوسياسية جدلًا واسعًا حول تأثيرها على الاقتصاد المصري، بشكل عام والقطاع المصرفي بشكل خاص، خاصة بعد تصاعد الأحداث في لبنان، ومن قبلها فلسطين، ما أدى إلى زيادة حدة التوترات في الشرق الأوسط، وفي التقرير الآتي يرصد الدستور توقعات المصرفيين وخبراء الاقتصاد حول الأوضاع خلال الفترة المقبلة.

ماذا قال الخبراء عن الاقتصاد المصري؟

هاني أبوالفتوح الخبير المصرفي، يقول إن الأحداث العسكرية والسياسية المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط تشكل تحديات كبيرة أمام الاقتصاد المصري، وتترك آثارًا على القطاع المصرفي بشكل خاص، حيث إن حالة عدم الاستقرار التي تسود المنطقة، والتي تتجسد في صراعات متعددة، تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على الاقتصاد المصري، وتضع ضغوطًا متزايدة على مختلف القطاعات.

وأوضح، لـ"الدستور"، أنه من بين تلك التأثيرات تدفقات اللاجئين، حيث يؤدي تدفق اللاجئين من المناطق المتأثرة بالصراعات إلى زيادة الضغط على الموارد والبنية التحتية في مصر، ما يؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي ويضع ضغوطًا على الخدمات العامة، وهذا يؤدي إلى زيادة الإنفاق الحكومي على التعليم والصحة والإسكان، ما قد يعمق العجز في الميزانية، والتأثير السلبي على التجارة والاستثمار، حيث تؤدي الاضطرابات السياسية والأمنية إلى تعطيل التجارة والاستثمار، سواء من خلال إغلاق المعابر الحدودية أو تدهور البنية التحتية، ويؤدي هذا إلى انخفاض الصادرات والواردات، مشيرًا إلى أن التأثيرات السلبية تمتد إلى السياحة التي تعتبر أحد أهم مصادر الدخل في مصر، وتتأثر بشكل كبير بالأحداث الأمنية في المنطقة، فالأحداث العنيفة في الدول المجاورة ربما تخيف السياح وتؤدي إلى انخفاض أعداد الزوار، ما يؤثر سلبًا على عائدات العملة الأجنبية.

وأضاف أن الأحداث السلبية في المنطقة تؤدي إلى زيادة الضغوط التضخمية، بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وزيادة تكاليف الإنتاج وارتفاع إيجارات المساكن، والتأثير سلبًا على التجارة الدولية وحركة الشحن، حيث إن مضيق باب المندب هو شريان رئيسي للتجارة العالمية، خاصة بالنسبة لقناة السويس، وهي مصدر رئيسي للعملة الأجنبية في مصر، أي اضطراب في الملاحة هناك نتيجة الأوضاع العسكرية يمكن أن يؤثر على حركة السفن والشحنات، ما يسبب خسائر في الإيرادات المصرية التي تعتمد بشكل كبير على قناة السويس، إذا انخفضت إيرادات القناة، فقد تتأثر الاحتياطيات النقدية والبنوك التي تعتمد على تدفقات العملات الأجنبية.

وأشار إلى أن القطاع المصرفي يتعرض لضغوط متزايدة نتيجة للأحداث الجارية في المنطقة، ومن أبرز هذه الآثار:

• زيادة المخاطر الائتمانية: تؤدي الأحداث السياسية والاقتصادية غير المستقرة إلى زيادة المخاطر الائتمانية على القروض، ما يدفع البنوك إلى زيادة المخصصات الاحتياطية وتقليل الإقراض، ما يؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي.

• زيادة تكلفة التمويل: قد تؤدي الأحداث السلبية إلى زيادة تكلفة التمويل للبنوك، ما يؤدي إلى زيادة أسعار الفائدة على القروض، ما يثبط النشاط الاقتصادي.

• الاستثمار الأجنبي المباشر والسياحة: الأحداث في قطاع غزة يمكن أن تؤثر على الأمن في شبه جزيرة سيناء، ما قد يثني المستثمرين الأجانب عن ضخ رءوس الأموال في مصر. السياحة، التي تعد مصدرًا مهمًا للعملة الأجنبية، قد تتأثر بشكل سلبي إذا زادت المخاطر الأمنية، وهو ما يؤثر على القطاعات المرتبطة بالسياحة مثل البنوك التي تقدم تسهيلات وخدمات للمستثمرين.

• أسواق المال والعلاقات المالية: الأزمات في لبنان والسودان تؤثر على الاستقرار المالي في المنطقة بأكملها، وهو ما قد ينعكس على البنوك المصرية من خلال التقلبات في أسواق المال. كذلك، العلاقات التجارية والمالية بين مصر وهذه الدول قد تتأثر، ما يؤدي إلى صعوبات إضافية في التمويل والتجارة.

وفي السياق، أوضحت سهر الدماطي الخبيرة المصرفية، أن التوترات الجيوسياسية يكون لها تأثير مباشر على الاستثمار، حيث يحجم المستثمرون عن المناطق التي تعاني من التوترات، وينعكس أيضًا على السياحة في منطقة الشرق الأوسط، حيث تعتبر منطقة حرب إقليمية، لافتة إلى أن ذلك يؤدي إلى تراجع الناتج القومي في المنطقة، وقد يكون له تأثير طفيف على القطاع المصرفي بسبب الإحجام عن الاقتراض.

فيما قال الخبير الاقتصادي وليد جاب الله، إن هناك مناطق جديدة تشتعل بشكل غير متوقع، ما أثر على الاقتصاد المصري، وخاصة إيرادات قناة السويس، التي خسرت نحو 6 مليارات دولار، كما أن القلق من اشتعال الصراع بصورة أكبر في الشرق الأوسط يمثل مخاوف كبيرة لدى الكثير من الشركات الكبرى والمستثمرين حول العالم، مشيرًا إلى أن الأوضاع السياسية والأمنية في مصر مستقرة بشكل كبير، ما ينأى بمصر عن التأثر بشكل كبير بالأحداث الجيوسياسية، موضحًا أن القطاع المصرفي المصري متماسك ويحقق أداءً جيدًا، وتزداد قيمة الأصول الأجنبية لديه، ولا أتصور أنه من الممكن أن يتعرض لهزة كبيرة من اشتعال الأوضاع في الشرق الأوسط.

كما أكد الخبير الاقتصادي الدكتور علي الإدريسي، أن تصاعد الأحداث في الشرق الأوسط يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد المصري والقطاع المصرفي، نظرًا للترابط القوي بين مصر والدول المحيطة على المستويات الاقتصادية والتجارية والسياسية. ويمكن تقسيم التأثيرات إلى عدة نقاط:

التأثير على الاقتصاد المصري:
ارتفاع أسعار النفط والغاز: الأزمات الإقليمية غالبًا ما تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية، وهذا يسبب ضغطًا إضافيًا على الاقتصاد المصري، حيث إن مصر تعتمد جزئيًا على استيراد الطاقة، والزيادة في تكلفة الطاقة تؤدي إلى رفع الأسعار المحلية، ما يؤثر على معدلات التضخم ويزيد العبء على الموازنة العامة.
  
التأثير على السياحة: قطاع السياحة في مصر يعتبر من أهم مصادر الدخل القومي، لكن الاضطرابات في المنطقة تجعل السياح يترددون في السفر، خاصة في ظل المخاوف من عدم الاستقرار الأمني في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وانخفاض أعداد السياح يؤثر على تدفق العملة الصعبة وعلى العمالة المرتبطة بالقطاع.

تحويلات المصريين في الخارج: مصر تعتمد على تحويلات المصريين العاملين في الخارج، وخاصة في دول الخليج. أي تصاعد في الأوضاع في الشرق الأوسط قد يؤثر على استقرار الاقتصادات الخليجية، ما قد يؤدي إلى تقليص فرص العمل أو تخفيض أجور العاملين المصريين في تلك الدول، وبالتالي تقليص التحويلات المالية.

التجارة والاستثمار: مصر تعتمد على شراكات تجارية واستثمارية مع العديد من دول الشرق الأوسط. تصاعد التوترات قد يؤثر على تدفق التجارة، وخاصة في مجالات التصدير والاستيراد، ويضعف الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر.

زيادة الضغط على الموازنة العامة: وذلك من خلال زيادة الإنفاق العام على منظومة الأمن والدفاع أو دعم السلع الأساسية لمواجهة التأثيرات الاقتصادية، قد يتزايد العجز في الميزانية، ما يعزز الحاجة إلى المزيد من التمويلات الخارجية أو رفع الدعم، ما قد يزيد من الأعباء على المواطنين.

التأثير على القطاع المصرفي:
1. تقلبات سعر الصرف: الأزمات في الشرق الأوسط قد تؤدي إلى زيادة الضغوط على الجنيه المصري، حيث ترتفع معدلات الطلب على العملات الأجنبية مثل الدولار الأمريكي. هذا يتطلب من البنك المركزي المصري اتخاذ إجراءات لحماية العملة، ما قد يستنزف الاحتياطيات النقدية.

2. خروج رءوس الأموال: التوترات الإقليمية قد تدفع المستثمرين إلى تحويل أموالهم إلى ملاذات آمنة خارج المنطقة، ما يؤثر على السيولة في القطاع المصرفي ويزيد من تكلفة التمويل، وهذا يؤثر على قدرة البنوك على تقديم قروض للشركات والأفراد.

زيادة مخاطر القروض المتعثرة: الشركات المصرية، خاصة تلك التي تعتمد على التصدير أو الاستيراد من دول الشرق الأوسط، قد تواجه صعوبات مالية نتيجة للتوترات، ما يزيد من احتمالية تعثرها في سداد القروض، وهذا يزيد من مخاطر القروض المتعثرة لدى البنوك.

ارتفاع معدلات الفائدة: البنوك قد تضطر لرفع معدلات الفائدة لجذب الودائع والمحافظة على السيولة، وهذا قد يؤدي إلى تقييد حركة الاستثمار المحلي ويؤثر على النمو الاقتصادي.

ضغط على الاحتياطي النقدي الأجنبي: إذا استمرت التوترات لفترة طويلة، فإن مصر قد تواجه صعوبة في الحفاظ على احتياطياتها النقدية الأجنبية، ما قد يؤدي إلى ضغط إضافي على القطاع المصرفي وعلى استقرار النظام المالي ككل.

وأوضح الإدريسي أنه للتصدي للأزمات يجب تعزيز التنوع الاقتصادي لتقليل الاعتماد على مصادر دخل معينة مثل السياحة والطاقة، وتوسيع العلاقات الاقتصادية مع دول خارج المنطقة لتعويض أي تأثيرات سلبية، واتخاذ إجراءات احترازية في القطاع المصرفي للحفاظ على الاستقرار المالي في مواجهة التقلبات.

وفي السياق ذاته، أشار الخبير الاقتصادي الدكتور سيد خضر، إلى أن تصاعد الأحداث في الشرق الأوسط له تأثيرات متعددة على الاقتصاد المصري، حيث تؤدي الأحداث في المنطقة إلى زيادة عدم الاستقرار، ما يؤثر سلبًا على بيئة الاستثمار ويجعل المستثمرين يترددون في ضخ استثمارات جديدة، كما تعتبر السياحة أحد المصادر المهمة للاقتصاد المصري. أي تصعيد في الأحداث قد يؤدي إلى تراجع أعداد السياح، ما يؤثر على العائدات. أيضًا التجارة الخارجية حيث تتأثر التجارة مع الدول المجاورة، خاصة التوترات فى منطقة البحر الأحمر والتى تؤثر على طرق النقل والمنافذ التجارية الدولية وقناة السويس. أيضًا التضخم حيث يؤدي ارتفاع أسعار السلع الأساسية بسبب الأزمات الإقليمية إلى زيادة التضخم، ما يؤثر على القوة الشرائية للمواطنين.

وأضاف أن التأثيرات على القطاع المصرفي تتمثل في تقلبات الأسواق المالية، ما يؤثر على البنوك وعملياتها. كذلك زيادة المخاطر حيث تتعرض البنوك لمخاطر ائتمانية أكبر، ويتعثر العملاء في سداد القروض بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة. أيضًا التأثير على السيولة فتزايد القلق بين المودعين قد يؤدي إلى سحب الودائع، ما يؤثر على السيولة النقدية للبنوك، وقد يؤدي إلى تغير سياسة الفائدة حيث تضطر البنوك المركزية إلى تعديل سياساتها النقدية لمواجهة التحديات الاقتصادية، ما يؤثر على أسعار الفائدة، ما يتطلب استراتيجيات فعالة للتعامل مع هذه التحديات.

وأوضح أنه من المهم خلال الفترة المقبلة التركيز على تنويع الاقتصاد وتطوير قطاعات جديدة للاستثمار في قطاعات مثل التكنولوجيا، والزراعة المستدامة، والطاقة المتجددة لتقليل الاعتماد على القطاعات التقليدية. أيضًا تشجيع الصناعات المحلية ودعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة لزيادة الإنتاج المحلي وتقليل الواردات، وتحسين البنية التحتية، واستثمارات في النقل والطاقة، وتحسين شبكة النقل وتكنولوجيا الطاقة لدعم النمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات، وتطوير المناطق الاقتصادية، وإنشاء مناطق اقتصادية خاصة لجذب الشركات الأجنبية والمحلية، واستمرار تعزيز العلاقات الدولية، والحرص على تنويع الشركاء التجاريين، وتوسيع الشراكات مع دول جديدة لتقليل الاعتماد على أسواق معينة، وتحسين المناخ الاستثماري وتسهيل الإجراءات، وتبسيط القوانين واللوائح لجذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية، وحماية حقوق المستثمرين وضمان حقوق المستثمرين لتشجيعهم على الاستثمار في السوق المصرية، وتطوير القطاع السياحى وتنويع المنتجات السياحية، وتسويق مصر كوجهة سياحية متنوعة تشمل السياحة الثقافية والبيئية والدينية.