حرب البيجر.. والتحكم من بعد
لا تنتظروا الحرب البرية بين حزب الله وإسرائيل، ولا تنتظروا خطابًا من حسن نصرالله يقدم من خلاله غزوة فى البلاغة اللغوية، وذلك لسبب بسيط هو أن الحرب بدأت بالفعل منذ شهور أسفرت حتى الآن عن اغتيال ما يقرب من 600 عنصر من حزب الله وعلى رأسهم القائد العسكرى الكبير فؤاد شكر.
أما الاستعراض التكنولوجى الذى نراه الآن بتفجير ما يقرب من 4 آلاف جهاز بيجر ثم تطوير الاستعراض بتفجير أنواع جديدة من وسائل الاتصال وضرب اللوحات الشمسية حتى ماكينات الحلاقة التى تعمل ببطارية من نوع معين، أقول إن هذا الاستعراض الحربى هو الجولة الثانية فى الحرب لأن الأولى كانت مصايد الاغتيالات، فى الجولة الثانية تتقدم المعامل الحربية المسلحة بالتكنولوجيا وهى تستند على جهاز استخبارات إسرائيل لتقدم حربا سيبرانية لم يشهد تاريخ الحروب مثيلًا لها.
لست من الذين يستخفون بخصومهم، ولست من دعاة الإحباط، كل ما فى الأمر هو أننا نذهب إلى ما نعتقد أنه الحقيقة كى نواجهها، والحقيقة فى حالتنا هذه هى أن حزب الله قد أوجعته الضربات إلى حد الإنهاك، وصار الآن مطلوبًا منه أن ينفذ ألف باء مقاومة، والألف باء هنا نقصد بها حماية الشعب اللبنانى وحماية البنية الأساسية للمؤسسات اللبنانية، والتعامل السياسى اللائق مع الحدث الكبير الذى نشهده الآن.
ليست قصة إسناد الحزب لحماس فى حربها مع إسرائيل هى السبب فى ما نراه فى هذه الحرب الغريبة، ولكن قادة الحزب يعرفون جيدا أن إسرائيل تريد منطقة عازلة على الحدود، وأنها - أقصد إسرائيل - لن تهدأ طالما هناك قوة مسلحة على حدودها تمتلك أنفاقًا وأسلحة إيرانية وميزانية مفتوحة للحرب، تدعى إسرائيل أن انسحاب الحزب إلى شمال نهر الليطانى سوف يؤدى إلى خفض التوتر، وتستند إسرائيل فى ذلك إلى قرار أممى لم ينفذه حزب الله منذ سنوات طوال.
تتشدد تل أبيب فى مطلبها ويتشدد حكام الضاحية الجنوبية فى رفض الطلب، لذلك يلعب الطرفان الآن على المكشوف، إسرائيل تستعرض بتفجيرات كثيفة صغيرة فى حجم البيجر واسعة فى مساحة انتشار كافة عناصر الحزب بما فيهم القادة الكبار، وبينما تستعرض إسرائيل نرى فى المقابل ضربات صاروخية فى العمق الإسرائيلى بهدف استمرار النظرية القديمة المرتبطة بما يسمى «توازن الرعب».
نظرية توازن الرعب وكذلك حكاية الالتزام بقواعد الاشتباك صارت الآن من الماضى، إصرار عجيب من إسرائيل على جر حزب الله نحو الهاوية، ينتظرون هفوة أو خطأ فى حسابات الحزب حتى يتحول الموقف نحو الصدام المباشر وسحب قدم إيران إلى ذات الحفرة، ولكن حزب الله الذى أرهقته ضربات البيجر والبطاريات يقف الآن وحده، إيران الدولة تراقب وتتابع بينما الحزب وقد فقد الاتصال بمعظم كوادره يتأمل فى ذهول بساطة فكرة البيجر التى طعنته من الأمام ومن الخلف، ولا يستطيع مراقب أن يتوقع ردة الفعل القادمة من الحزب.
أغلب الظن أن الحزب سوف يخرج ليعلن الصبر الاستراتيجى، تلك النغمة التى عزفتها إيران عقب اغتيال إسماعيل هنية، ليبقى أمامنا سؤال لا تريد إسرائيل الإجابة عنه، إذا غادر الحزب نهر الليطانى هل تتوقف الموجات العدائية الدامية التى تنفذها إسرائيل، أغلب الظن لا وذلك لسبب فنى وهو توجيه الرأى العام العالمى نحو لبنان لينسى الجرائم التى تم ارتكابها فى غزة، وفى ذلك رأينا بأعيننا تراجع أخبار غزة خلال الأيام الماضية وكأنها لم تدفع 41 ألف شهيد فى أقل من عام.
هذه الأيام الصعبة لن يحلها تفخيخ البيجر ولن يعالجها خطاب أمين عام حزب الله، ولكن الضغط الدولى والدبلوماسية النشطة والحوار المتفاهم وحدها هى القادرة على وقف نزيف الدماء.