يرأسها "كاتم الأسرار".. وصايا عاهل الأردن للحكومة الجديدة
كلَّف عاهل الأردن الملك عبدالله الثاني، أمس الأحد، الدكتور جعفر حسَّان، مدير مكتبه الخاص، والذي يُعد "كاتم أسراره"، بتشكيل حكومة جديدة، خلفًا لحكومة الدكتور بشر الخصاونة، التي قبل استقالتها.
ووجَّه الملك عبدالله الثاني، رسالة إلى رئيس الحكومة الجديدة، تتضمن نص التكليف السامي، التي حملت في طياتها العديد من الوصايا للحكومة الأردنية الجديدة، وفي التقرير التالي، ترصد "الدستور" أبرز رسائل عاهل الأردن للحكومة الجديدة المرتقبة.
شدد عاهل الأردن، في رسالته على ضرورة أن تكون مهام الوزراء واضحة ومحددة بأهداف سنوية قابلة للقياس وتخضع للمتابعة والتقييم المستمرين وفق رؤية التحديث الشاملة، داعيًا إلى تكثيف التواصل الميداني المباشر مع المواطنين والاشتباك مع قضاياهم وأولوياتهم، والاستماع إلى آرائهم ومشاركتهم.
التحديث السياسي والانتخابات المحلية
وأكد عاهل الأردن أهمية دور الحكومة المرتقبة في تعزيز مسار التحديث السياسي من خلال علاقتها مع البرلمان والأحزاب، على أسس مهنية تقوم على التعاون، تشريعًا ورقابة وفق الأطر الدستورية، كما يتعين على الحكومة العمل مع مجلس النواب لتجذير أسس الديمقراطية ومفاهيمها بما يعزز المؤسسات الديمقراطية والدستورية والمشاركة السياسية.
ودعا الحكومة المرتقبة إلى العمل على الإعداد للانتخابات المحلية المقبلة، ومراجعة منظومة التشريعات المتعلقة بها، وتطوير أدوات الرقابة والمساءلة، وبناء قدرات أعضاء وموظفي هياكل الإدارة المحلية، ومواكبة مشروع التحول الرقمي.
التحديث الاقتصادي والاستثمار
وفيما يخص الرؤية الاقتصادية للحكومة الجديدة، شدد عاهل الأردن على ضرورة الاستمرار في السياسة المالية للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي وضبط المديونية في وجه التحديات الإقليمية والدولية، للإسراع في التنمية والنمو لتحقيق أهداف التحديث الاقتصادي.
وركَّز الملك عبدالله الثاني، على أهمية المشروعات الكبرى في مقدمة جهود الحكومة الجديدة، خاصةً في قطاعات المياه والنقل والطاقة والقطاعات الاقتصادية الواعدة، موجهًا الحكومة الجديدة بتكثيف الجهود وتهيئة البيئة الحاضنة والممكّنة للاستثمار.
وأكد أهمية الاستثمارات الدولية والعربية لتوفير فرص العمل، وتعزيز التعاون مع الشركاء في إعداد المشاريع والفرص الاستثمارية وتنفيذها ضمن منظومة التعاون الإقليمي وشبكات التجارة الدولية والبنية الاقتصادية.
وشدد على ضرورة تنفيذ خطة الترويج للفرص الاستثمارية، لتخاطب الفئات المختلفة من المستثمرين، والعمل على تحسين تجربتهم بتقليل العوائق الإجرائية عن طريق التحسين المستمر للتشريعات، وإيجاد حلول سريعة وفاعلة لاحتياجاتهم.
قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات
وفي قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وجَّه عاهل الأردن بضرورة استقطاب شركات التكنولوجيا العالمية ودعم الرياديين والشركات المحلية، لتصبح المملكة مركزًا إقليميًا لخدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
وشدد: "على الحكومة أن تولي اهتمامًا خاصًا في توظيف تكنولوجيا المستقبل، من خلال التعاون والشراكة مع القطاع الخاص والجامعات وجميع الجهات المعنية محليًا وعالميًا وضمن أطر زمنية واضحة، بما ينعكس على بيئة الأعمال والابتكار وتنافسية الأردن إقليميًا وعالميًا".
التحول الرقمي في المملكة
وقال الملك عبدالله الثاني: "على الحكومة الالتزام بالجدول الزمني للتحول الرقمي في المؤسسات الحكومية، وتبني الأفكار الإبداعية والتكنولوجيا الحديثة، ومساندة جهود المركز الوطني للأمن السيبراني بإعداد البرنامج التنفيذي للاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني 2024-2028، لإرساء منظومة وطنية متطورة ومستدامة لإدارة العمليات السيبرانية تضمن الكشف المبكر والاستجابة الفاعلة للحوادث والتهديدات السيبرانية، التي قد تتعرض لها المملكة".
وأضاف: "على الحكومة إنشاء واستدامة أعمال مراكز الخدمات الحكومية، التي تُعَّد تجربة متقدمة في توفير خدمات نوعية للمواطنين، أما قطاع الخدمات والأسواق المالية، فلا بد من مواصلة العمل على تطويره، ليكون ممكّنا للنمو الاقتصادي".
التنمية الحضرية
ووجَّه عاهل الأردن الحكومة الجديدة بوضع التنمية الحضرية ضمن أولوياتها الرئيسية لتحسين سبل العيش للمواطنين في مدنهم والوصول إلى خيارات أفضل من الخدمات، مع الحرص على زيادة الرقعة الخضراء وانتشار الحدائق العامة.
وشدد: "لا بد من مواصلة العمل والإعداد لمشروع المدينة الجديدة، لما له من دور محوري في تخفيف الضغط على مدينتي عمان والزرقاء بالشراكة مع القطاع الخاص، ولما يوفره من أبعاد اقتصادية واستثمارية واجتماعية مهمة".
ودعا إلى ضرورة تحسين البنية التحتية للنقل، وتشجيع أنظمة النقل الحديثة الآمنة والفاعلة لتحسين خدمة النقل العام، والاستفادة من تجربة حافلات التردد السريع في عمان والزرقاء لتشمل مناطق أوسع، تسهيلًا على المواطنين.
التعدين والطاقة والقطاع الصناعي
وأكد الملك عبدالله الثاني، أهمية قطاع التعدين، موجهًا الحكومة المرتقبة بالاهتمام به، من خلال الاستفادة القصوى من الموارد الطبيعية في المملكة وتوجيه الاستثمارات إليها، لتسريع الاستخدام التجاري والصناعي لهذه الموارد والغاز الطبيعي، وكذلك التوسع في الطاقة المتجددة والخضراء.
وأضاف: "لا بد من تمكين القطاع الصناعي؛ ليكون منافسًا في الأسواق المحلية والأجنبية، وفتح أسواق جديدة أمامه، والاستفادة من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية التي تربط الأردن مع دول العالم، ومن المهم استكشاف الأسواق الناشئة لتعزيز تصدير المنتجات والخدمات الأردنية".
تعزيز قطاع السياحة
وطالب عاهل الأردن، الحكومة المرتقبة، بتعزيز قطاع السياحة وإعداد خطط واضحة للتعامل مع التحديات، وتفعيل نظام صندوق تنمية وتطوير القطاع السياحي، وإبراز صورة الأردن كوجهة سياحية آمنة رغم الاضطرابات الإقليمية.
وقال: "يجب أن يرافق ذلك، رفع جودة الخدمات المقدمة في المواقع كافة، وتحسين تجربة الزوار إلى المملكة ورفع سوية المرافق السياحية وتنويع المنتج السياحي".
الأمن المائي والغذائي للمملكة
وفيما يخص الأمن المائي، وجَّه الملك عبدالله الثاني، الحكومة الجديدة بالبدء في تنفيذ مشروع الناقل الوطني للمياه العام المقبل، مؤكدًا أنه أحد أهم مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وذلك مع العمل على تقليل الفاقد من المياه، والحد من الاعتداءات على خطوط المياه ومحاسبة المعتدين.
كما شدد عاهل الأردن على ضرورة استدامة جهود تعزيز الأمن الغذائي، ضمن أطر مؤسسية، بما يعزز الاعتماد على الذات ومواجهة تقلبات الأسعار وما تشهده المنطقة والعالم من أزمات.
الرعاية الصحية وتطوير التعليم
وأكد الملك عبدالله الثاني، أهمية مواصلة تطوير التعليم والعمل على أن يكون التعليم والتدريب المهني والتقني أولوية في المدارس والمراكز والجامعات، بهدف سد الفجوة بين مخرجات التعليم وحاجات السوق.
وأضاف: "من الضروري التركيز على أولويات تدريب وتأهيل المعلمين وتطوير المناهج والتوسع في استخدام التقنيات وأنظمة التدريس الذكية، وتوفير بيئة مدرسية آمنة ومحفزة إلى جانب التوسع في بناء المدارس ورياض الأطفال".
وفي قطاع الصحة، أكد أهمية التأمين الصحي الشامل للمواطنين، منوهًا بجهود الفترة الماضية للمُضيِّ قدمًا في إعداد برنامج التغطية الصحية الشاملة، وعلى الحكومة البناء على ما تم إنجازه لإطلاق المرحلة الأولى منه العام المقبل.
ودعا إلى تعزيز التحول الرقمي في نظام الرعاية والمعلومات الصحية، من خلال الاستمرار في حوسبة المستشفيات والمراكز الطبية، إضافة إلى ضمان جودة ونوعية الخدمات الصحية.
تحسين الخدمات
وتطرقت رسالة عاهل الأردن للحكومة الجديدة إلى مستوى الخدمات، وقال: "لا بد أن نمضي في تطوير الإدارة العامة لتحسين الخدمات ومواكبة الحداثة والتطوير، وتعزيز ثقافة الإنجاز والتميز في المؤسسات الحكومية،
وأضاف: "سيكون القطاع العام خاضعًا للتقييم المستمر، كما لا بد من تكريس نهج المساءلة للمقصرين في واجباتهم تجاه المواطن، لأن مفهوم الخدمة العامة يفرض تقديم الحلول لا وضع العراقيل".
كما دعا إلى تعزيز قدرة ودور دائرة الإحصاءات العامة لتكون مركزًا للبيانات والمعلومات الوطنية الشاملة، لدعم اتخاذ قرارات حكومية أكثر فعالية وتحقيق الأهداف المرجوة بكل شفافية.
دعم المرأة والرعاية الاجتماعية
وشدد الملك عبدالله الثاني، على ضرورة دعم المرأة وتمكينها لتعزيز انخراطها في سوق العمل، وذلك بإزالة العقبات التي تحول دون مشاركتها الفاعلة، ما يكفل رفع مستوى مساهمتها في الاقتصاد الوطني.
وأكد أن توسيع نطاق الحماية والرعاية الاجتماعية يجب أن يكون ضمن أولويات الحكومة لحماية فئات المجتمع الأشد حاجة للرعاية، وأن يرافق ذلك جهود للتمكين الاقتصادي وتوفير الفرص لها.
وتابع: "يجب النظر في زيادة كفاءة المساعدات الاجتماعية وتجنب الازدواجية وتطوير آلية للاستجابة للأزمات، وذلك يتطلب تحديث الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية والبدء بتنفيذها، بما يتماشى مع رؤية التحديث الاقتصادي وبرنامجها التنفيذي".
كما دعا الحكومة الجديدة إلى النهوض بمسؤولياتها تجاه شباب الوطن وشاباته، وأن تسخّر طاقاتهم في البناء والتطوير، والعمل على تعزيز دور المراكز الشبابية والريادية.
الثقافة والإعلام
وفيما يخص قطاع الثقافة، أكد عاهل الأردن ضرورة تطوير مؤسساته لرعاية المواهب الفكرية والأدبية وتحفيزها، ودعم الفن والإبداع، وإبراز التنوع والانفتاح الثقافي في الأردن وتكثيف إقامة الفعاليات والمهرجانات الفنية والثقافية.
وفي قطاع الإعلام، وجَّه بضرورة مواكبة الثورة التكنولوجية في العالم والعمل على تشجيع وسائل الإعلام على تطوير أدواتها للتحول الرقمي.
دعم الجهاز القضائي
ووجَّه الملك عبدالله الثاني، بتقديم جميع أشكال الدعم للجهاز القضائي للاستمرار في بناء قدرات القضاة والكوادر المساندة لهم، بالإضافة إلى مواصلة تطوير المنظومة الإلكترونية لتسهيل وتسريع إجراءات التقاضي، وبما يضمن تمكين الجهاز القضائي من الاضطلاع بدوره في إرساء مبادئ العدالة والنزاهة وحماية الحقوق.
العلاقات العربية ودعم الفلسطينيين
وعلى الصعيد العربي، شدد عاهل الأردن على ضرورة توطيد العلاقات مع الأشقاء، مؤكدًا: "كنا وما زلنا الأقرب للأشقاء الفلسطينيين، ولن نتوانى عن دعمهم ومساندتهم والوقوف إلى جانبهم، في ظل ظروف الحرب القاسية التي تشن عليهم في قطاع غزة والضفة الغربية".
وأضاف: "أوجه الحكومة أن تسخّر كل الجهود في سبيل دعم صمود الأشقاء الفلسطينيين على أرضهم والدفاع عن حقوقهم، فيقف الأردن بثبات ضد الحرب على غزة والاعتداءات في الضفة الغربية والقدس الشريف، ونعمل بكل طاقتنا من خلال تحركات عربية ودولية لحماية الشعب الفلسطيني، ووقف الاعتداءات والانتهاكات الصارخة للمبادئ الإنسانية والقانون الدولي".
وشدد: "لن نتوانى عن تقديم جميع أشكال الدعم والمساندة لأشقائنا في فلسطين حتى يحصلوا على كامل حقوقهم المشروعة ويرفع الظلم التاريخي عنهم سياسيا وإنسانيا، وصولا لقيام دولتهم الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية".
واختتم: "سنواصل دورنا التاريخي في حماية ورعاية المقدسات الإسلامية والمسيحية بالقدس من منطلق الوصاية الهاشمية عليها، فهي شرف وأمانة نعتز بحملها".