رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خطة جنرالات إسرائيل لتهجير أهل غزة

خطة جنرالات إسرائيل لتهجير أهل غزة
جلال حمام
تسعى تل أبيب إلى تهجير كل سكان قطاع غزة تدريجيًا، ووضع المجتمع الدولى أمام سياسة الأمر الواقع، من خلال تنفيذ خطة عسكرية إسرائيلية، يطلقون عليها (خطة الجنرالات)، التى يتبناها قادة الاحتلال، كونها آخر آمال مخططاتهم الاستيطانية، للقضاء على القطاع والتخلص من ساكنيه، حيث إنها تعكس نوايا إسرائيل الكامنة فى عدم التوصل إلى اتفاقات أو حلول سياسية من شأنها إنهاء تلك الحرب.. وقد طُرحت الخطة الإسرائيلية فى الرابع من سبتمبر الحالى، وتنقسم إلى خطوتين رئيسيتين، أولاهما، تحويل شمال قطاع غزة إلى منطقة عسكرية، وتهدف الثانية لإخلاء نحو أربعمائة وخمسين ألف فلسطينى، خلال أسبوع، من سكان الشمال إلى الجنوب، لإبقاء المنطقة خاضعة للسيطرة العسكرية الإسرائيلية الكاملة، ثم توسيع هذه السياسة لتشمل بقية أنحاء القطاع.. وبالرغم من وجود مخاوف لدى بعض الإسرائيليين، من أن هذه السياسة قد تشكل انتهاكًا لحقوق الإنسان، إلا أن مؤيدى الخطة يزعمون أنها تتوافق مع القانون الدولى، حيث يتم منح السكان فرصة للفرار من الحصار مبكرًا!!.. وفى زعم واضعى الخطة، أن هذا الإجراء من شأنه أن يساعد على إضعاف حماس، ودفع المقاتلين الفلسطينيين إلى «الاستسلام أو الموت»، ويرون أن تنفيذها، هو السبيل الوحيد لهزيمة حماس وتحرير الجنود المختطفين، مؤكدين ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لتنفيذها من أعضاء «الكابينت»، المجلس الوزارى الأمنى المصغر، وسط توقعات بأن يتخذ المستوى السياسى قرارات حاسمة بشأنها قريبًا.
ومع أنه من المتوقع أن تثير هذه الخطة جدلًا واسع النطاق، محليًا ودوليًا، فى ظل التحديات الإنسانية والقانونية التى قد تترتب عليها، فإن الخطة تحاول فرض واقع جيوسياسى أمنى جديد، بإخلاء شمال قطاع غزة والسيطرة عليه، واحتلال منطقة تمثل تقريبًا ثلث مساحة القطاع وتفريغها، وبالتالى تستطيع أن تتحكم فى المنطقة وتعسكرها، وتكون منطقة عسكرية كاملة.. ولو لاحظنا فى بداية العمليات بعد السابع من أكتوبر، كيف كانت إسرائيل تُسقط مقذوفات جوية ومدفعية على بيت لاهيا وبيت حنون وجباليا؛ لكى تخلى القطاع، وبالفعل بدأ أهالى القطاع فى هذه المنطقة يتحركون باتجاه الجنوب، إلى أن تم الفصل بين الشمال والجنوب، من خلال الاقتحام البرى، وإنشاء محور نتساريم.. هذه المحاولات الخبيثة والحثيثة من قبل نتنياهو وحكومته لتدمير قطاع غزة، تهدف إلى إحباط الجهود المصرية التى ما زالت مستمرة، بمشاركة قطر وأمريكا، لحل الموقف والوصول إلى حل يرضى جميع الأطراف، والمتمثل فى انسحاب إسرائيل من قطاع غزة.. أو كما يعلق اللواء عادل العمدة، المستشار بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، أن «خطة الجنرالات تهدف إلى إضعاف الوساطة والدور المصرى أمام المجتمع الدولى».
الخطة بدأت بمبادرة من عضو الكنيست، أفيحاى بوروان، وهو مستوطن ومحامٍ وصاحب عدة صحف، وقائد حملات استيطان عديدة فى الضفة الغربية، بتنظيم حزب «الليكود» الحاكم، عريضة موقعة من نواب، موجهة إلى رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، يطالبونه فيها بتنفيذ «خطة الجنرالات» الرامية إلى ترحيل سكان قطاع غزة.. وقال بوروان، إن هذه الحملة جاءت لمساعدة نتنياهو على تثبيت سياسة حزب الليكود إزاء غزة، وصد الضغوط الدولية عليه، و«بما أننا ننتظر منذ نوفمبر الماضى، إبرام صفقة، ونحن نرى أنها لا تحدث، وأخشى ألا تحدث فى المستقبل؛ لأن السنوار ليس تحت الضغط!!.. فالصواب أن ما عليك فعله هو تطبيق الخطة سالفة الذكر».
وكانت «خطة الجنرالات» قد أُعدت قبل عدة أسابيع، لكنها نُشرت لأول مرة فى الرابع من الشهر الجارى، وبادر إليها رئيس شعبة العمليات الأسبق فى هيئة رئاسة أركان الجيش الإسرائيلى، الجنرال فى الاحتياط، جيورا آيلاند، الذى يخالف قيادة الجيش، ويُعرف بأنه «مُنظّر» الحرب على غزة، ويستعين به نتنياهو ويستشيره منذ بداية الحرب.. كما أنه معروف بمشروع نقل الفلسطينيين فى غزة إلى شمال سيناء، وتقف معه مجموعة من الجنرالات المعروفين بأنهم جزء من اليمين، ويعملون تحت اسم «منتدى الضباط والمقاتلين في الاحتياط». وقد وضع هؤلاء عنوانًا لخطتهم، وهو «خطة لهزيمة حماس»، يقترحون فيها تغيير اتجاه الحرب ووقف خطط الانسحاب من غزة والعودة إلى مشاريع الترحيل.
وجاء فى الخطة، وفقًا لتقرير نُشر على موقع «واى نت» التابع لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن عمليات الجيش الإسرائيلى الحالية فى قطاع غزة ليست مفيدة، واقترحوا خطة مؤلفة من مرحلتين، يتم خلالهما تهجير السكان المتبقين فى شمال قطاع غزة، والإعلان عنه «منطقة عسكرية مغلقة»، ثم تنفيذ الخطة ذاتها لاحقًا فى بقية أنحاء القطاع، لأنه، كما يقولون، «ما دامت حماس تسيطر على المساعدات الإنسانية فى القطاع، فليس بالإمكان هزيمتها».. ويزعم واضعو الخطة، أنها «تستوفى قواعد القانون الدولى؛ لأنها تسمح للسكان بالنزوح من منطقة القتال قبل فرض الحصار».. وذكر (واى نت)، أنه تم استعراض هذه الخطة أمام أعضاء المجلس الوزارى الأمنى المصغر، فى الأيام الأخيرة، وأن واضعى الخطة يأملون أن يوعز المستوى السياسى للمستوى العسكرى بالعمل بموجبها فى أقرب وقت ممكن.
وادعى رئيس منتدى الضباط، حيزى نحاما، وهو ضابط فى الاحتياط برتبة عميد، أن «خطة الجنرالات هى الطريقة الصحيحة حاليًا لهزيمة حماس وتحرير المخطوفين، وكان يتعين علينا تنفيذها منذ عدة أشهر.. وعلى الجيش الإسرائيلى والدولة الآن تطبيق الخطة الوحيدة التى ستساعد فى هزيمة حماس، ومن ليس قادرًا على تطبيقها، يخون منصبه ولن ينجح فى قيادة الجيش الإسرائيلى ودولة إسرائيل إلى هزيمة حماس».
يقولون إن نتنياهو دائمًا ما يهرب إلى الأمام.. كلما لاح حل لمشكلة، اصطنع غيرها، عقبة فى طريق إنهاء الوضع فى غزة، بمساعدة حكومة متطرفة، وصفها الكاتب إفرايم جانور، بأنها «حكومة بلا بوصلة وبلا ضمير».. وبهذه العبارة، استهل مقاله فى صحيفة «معاريف»، للتعليق على استمرار تسويق حكومة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، مصطلح «النصر الكامل»، فى ظل استمرار فشل الجيش الإسرائيلى فى تحقيق أهدافه بقطاع غزة، مع اقتراب الذكرى السنوية لمعركة «طوفان الأقصى»، التى بدأتها المقاومة الفلسطينية فى السابع من أكتوبر الماضى.. وقال: «كلما اقتربنا من السابع من أكتوبر، معركة طوفان الأقصى، كلما شعرنا بآلة السم بكامل قوتها.. نحاول ونعمل على إلقاء اللوم على العالم بأسره، وكل شىء ممكن، من أجل إبعاد أى ذرة من اللوم فى فشلنا عن الحكومة وزعيمها».
وصف جانور مصطلح «النصر الكامل»، الذى يروجه نتنياهو، بأنه «انتصار وهمى لن يأتى أبدًا.. هذه هى الحقائق حول هذا النصر.. بعد حوالى عام من الحرب، لا يزال زعيم حركة المقاومة الإسلامية حماس، يحيى السنوار يسكن بالتأكيد فى مكان ما فى مخبئه ويملى على إسرائيل شروطًا، مع مائة وواحد مختطف بين يديه، مستمتعًا بمشاهدة دولة إسرائيل ممزقة.. بين أولئك الذين يقاتلون من أجل إطلاق سراح الرهائن فى الصفقة، وأولئك الذين هم على استعداد للتضحية بهم على مذبح النصر المطلق، سيظل قطاع غزة يشكّل صداعنا لسنوات عديدة، هذا الأسبوع فقط، تلقينا تأكيدًا على ذلك من خلال صاروخين أطلقا على عسقلان».
ورفض الكاتب مساعى حكومة الاحتلال لاحتلال قطاع غزة، وفرض حكومة عسكرية فيه، معتبرًا أنه وهم، «إنها مسألة وقت فقط، قبل أن نشعر جيدًا بذراع حرب العصابات التى ستُشن ضد قواتنا فى قطاع غزة، حرب ستكلفنا يوميًا ثمنًا مؤلمًا من الدم، وتحول هذا الوهم إلى جرح مؤلم ونازف»، فى إشارة منه إلى تداعيات استمرار الحرب على مواطنى إسرائيل، «إن الفرق بين شمال دولة النصر الكامل والجنوب، بعد نحو عام من الحرب، هو أن معظم السكان من الشمال تم تهجيرهم، تاركين وراءهم منازل مدمرة وحقولًا ومصانع محترقة، وموعد عودتهم غير واضح، مقارنة بسكان الجنوب الذين تركوا وراءهم غبارًا تظلله النار، ولن تمحى كارثتهم أبدًا بالنصر المزعوم».
يتساءل: «ما هو النصر المطلق بالضبط؟.. هل هو على حماس؟.. أم على حزب الله فى الشمال؟.. أم يتعلق بالهجمات المستعرة فى يهودا والسامرة- الضفة الغربية؟.. أم ربما على الحوثيين فى اليمن؟.. أو ربما أخيرًا فى النصر على إيران؟).. فقط، مثل هذه الحكومة الوهمية يمكنها أن تتحدث عن النصر الكامل، عندما تورطنا فى مثل هذا الواقع المرير، دون تقديم رد مناسب فى أى ساحة، وتقود البلاد إلى خطوة كارثية.. وبدلًا من السعى لتشكيل لجنة تحقيق حكومية، لعوامل الفشل الإسرائيلى فى السابع من أكتوبر، دعا جانور لإنشاء لجنة تحقيق لفحص سلوك وعمل هذه الحكومة الوهمية منذ ذلك الحين، ليس من قبيل المصادفة، أن الصحافة الأجنبية تنشر هذه الأيام وثائق استخباراتية، بهدف تبرير مواقف نتنياهو وتحركاته، وأنه ربما تكون مسألة وقت فقط، قبل أن يتم الكشف عن هذه المهزلة وأصولها للجمهور.. وقال متهكمًا «يقف على رأس معسكر النصر الكامل، الوزيران إيتمار بن جفير وبتسلئيل سموتريتش، اللذان يرفعان أعلام هذا النصر الوهمى، تمامًا كما يقودان نتنياهو والبلاد إلى الهاوية».. وختم قائلًا: «كل هذا حدث، لأن عائلة نتنياهو لم توافق على التخلى عن السلطة والملكية، وكانت على استعداد للتضحية بالشعب والدولة، من أجل استمرار بقائها».
وهم نتنياهو بالنصر الكامل، لم يعد ينطل على الغالبية فى إسرائيل.. إذ أكد محلل الشئون العسكرية فى قناة «كان 13»، ألون بن دافيد، أن الجيش الإسرائيلى يُفنّد ادعاءات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بأن محور فيلادلفيا هو المكان الذى تتدفق منه الأسلحة والذخائر إلى حركة حماس.. يقول الجيش إنه اكتشف تسعة أنفاق، تعبر الحدود من قطاع غزة إلى مصر، وهذه الأنفاق كانت مُغلقة من الجانب المصرى، قبل شهور وسنوات طويلة، وذلك يعنى أنه عمليًا لم يكن هناك تدفق للسلاح والوسائل القتالية عبر محور فيلادلفيا.. واستهزأ رونين مانيليس، المتحدث السابق باسم الجيش الإسرائيلى، من إعلان الجيش أنه هزم لواء رفح، وتساءل عن كيفية هزيمته، دون أن تُنفذ قوات الجيش عمليات فى معظم المنطقة التابعة للواء رفح، فالجيش عمل فقط فى حى تل السلطان ومحور فيلادلفيا.. وشدد على أن لواء رفح لم يُهزم، «لو أنه حقًا هُزِم، فأين المخطوفون المحتجزون هناك؟»، فى إشارة منه إلى الأسرى الإسرائيليين فى غزة.
وفى سياق الانتقادات التى يوجهها مسئولون أمنيون سابقون لنتنياهو بسبب حرب غزة، قال موشيه يعالون، وزير الدفاع ورئيس الأركان سابقًا، «إن إسرائيل دولة صغيرة، ولا يمكننا القضاء على أعدائها العرب والإيرانيين وغيرهم».. ودعا إلى رحيل حكومة نتنياهو، «يجب أن تختفى هذه الحكومة من الوجود بأسرع ما يمكن.. من أجل إنقاذ دولة إسرائيل من خراب الهيكل الثالث»!.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.