مواقع الإنترنت والتواصل بين الحرية والفوضى
حدث فى السنوات الأخيرة انفتاح كبير وبلا حدود على مواقع الإنترنت والتواصل والمنصات التى لا تعد ولا تحصى، وتحولت إلى واقع يومى معيش لا غنى عنه، إلى حد أنها أصبحت من أساسيات الحياة اليومية فى كل العالم ولدى كل الأعمار، فهل نتركها لحرية كل فرد وميوله وأهوائه ووقته؟ إن الحريه مسئولية؛ ولهذا فإن الحرية تكون للكبار ولسن النضج ولمتوسطى العمر، أما بالنسبة للأطفال والمراهقين من أبنائنا، فهل نتركها لحريتهم الشخصية أم نتدخل لمعرفة المحتوى الذى بيدهم ونضع لهم وقتًا ومواد تناسب أعمارهم وقلة تجربتهم؟
إننى أرى أن الأطفال والمراهقين- فى تقديرى- فى أشد الحاجة لمتابعة ما يشاهدونه على مواقع الإنترنت ومواقع التواصل، وألا نترك لهم الحرية التامة ليقرروا ما يشاهدونه، فبلا متابعة ستتحول الأمور إلى فوضى وتأثيرات سلبية وصحية ونفسية وأخلاقية تؤثر تأثيرًا مباشرًا فى حاضرهم ومستقبلهم.
مواقع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعى تعد حاليًا من أهم الوسائل التى يستخدمها الناس للتواصل والتعارف ولبث المعلومات أو الحصول عليها، وبث الأخبار ونشر الصور حتى الشائعات والأخبار المغرضة أو الكاذبة أو المضللة، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعى المختلفة ومواقع الإنترنت تنشرها، بحيث تصبح بعدها بلحظات متاحة للجميع.. وتنوعت وسائل التواصل وتعددت حتى ليصعب حصرها ومتابعتها جميعًا.. فلقد جعلت العالم قرية واحدة كبيرة متاح الوصول إليها لمن يريد، ولم يعد إخفاء الأخبار العالمية ممكنًا، مثلما كان يحدث فى حرب وحشية لإسرائيل ضد أهل فلسطين، ومثل أخبار الانتخابات الأمريكية الحالية، وغيرها من الأخبار ولم يعد بالإمكان وضع حواجز بين الدول، بحيث إن المنشور أو المعروض بتلك الوسائل يصل لأى مكان بالعالم، وهى بلا شك ذات فائدة فى بث الأخبار أو الصور أو المعلومات أو الأفلام أو المراد بثه بسرعة وبسهولة، إلا أنه من ناحية أخرى فإن وسائل الاتصال والتواصل قد أصبحت أيضًا ذات أضرار أو سلبيات وأخطار كثيرة وعديدة، خاصة بالنسبة للأطفال أو المراهقين أو الشباب؛ لأنهم لا يمتلكون الخبرة الكافية عن أضرارها، ولأنها تبث لهم مواد وأفلامًا وصورًا ومشاهدات قد تؤثر فى طريقة تفكيرهم أو شخصيتهم، وقد ينتج عنها أيضًا وقبل كل هذا أخطار صحية ونفسية فى منتهى الخطورة؛ لأن من لا يدركون خطورتها يستخدمونها لساعات طويلة قد تتحول إلى إدمان وإلى مؤثرات على فكرهم وتناولهم الأمور.
إن أخطر ما فى الأمر- فى تقديرى- أن هذا الجهاز الصغير الذى نستخدمه كثيرًا وطوال النهار قد أصبح ملازمًا لنا فى حياتنا اليومية، وأقصد به «الموبايل»، وقد تنتج عنه ممارسات خاطئة قد تصل إلى حد الإقدام على ارتكاب جرائم لها عواقب وخيمة على صاحبها، ولا بد أن أنبه القارئ إلى أن الدراسات والبحوث الأخيرة أكدت أن الإدمان على الإنترنت أصبح واقعًا ملموسًا وحمى مرضية، بحيث عكف الأطباء النفسيون على البحث عن سلبياتها وعن مخاوف الاستعمال المفرط والمبالغ فيه للإنترنت، وأكدوا أنه نمط من الإدمان الحقيقى الذى تتكافأ خصائصه وعلاماته الإكلينيكية وآثاره الفسيولوجية والنفسية مع حالات الإدمان، التى تسببها المواد الإدمانية المتعارف عليها كالمخدرات والكحوليات، بل أقرت الجمعية الأمريكية للطب النفسى على وضع إدمان الإنترنت من ضمن عناصر الإدمان الأخرى، وعرفته على أنه اضطراب يظهر حاجة سيكولوجية قسرية نتيجة عدم الإشباع من استخدام الإنترنت، والمصاب بهذا الاضطراب يعانى أعراضًا عديدة، ويكون الأطفال والمراهقون أكثر عرضة للإدمان على الإنترنت للأسباب التالية: أولها زيادة استخدام الأطفال والمراهقين الإنترنت فى المنازل. وثانيها امتلاك الأطفال والمراهقين الهواتف النقالة المزودة بشبكة الإنترنت وتوفر السيولة المالية للمراهقين، ثالثها هناك أيضًا عامل السرية، وتوفره غرف الدردشة، التى يتم عبرها إطلاق الرغبات الدفينة والتفريغ الانفعالى من كبت وعدوانية وغضب بعيدًا عن القيود المجتمعية الصارمة؛ ما يؤدى إلى توهم الحميمية والألفة. رابعها أنه من سمات شخصية المراهق البحث عن اكتشاف الجديد والغريب، خامسها: الافتقار للسند العاطفى خاصة من يتصفون بالخجل والوحدة النفسية والانطواء، سادسها: كثرة الحديث عن الإنترنت والأخبار والفرجة للكبار أمام الصغار. سابعها: يكون من السهل تكوين علاقات على الإنترنت، حيث تنمو لديهم شخصيات غير واقعية أو افتراضية تختلف عن شخصياتهم، وتسهل لهم الهروب من قيود الواقع، وأن هذه الأسباب التى تؤدى إلى إدمان الإنترنت لدى الأطفال والمراهقين للأسف قد تجعل ثقافات وسلوكيات دول أخرى ذات تأثير سيئ عليهم.
هناك إحصائية تفيد بأن سلوك الشباب العربى على الإنترنت فى ٢٠١٥ وجد أنه تأثر ما يقارب ٦٪ من سكان العالم بإدمان الإنترنت بحلول عام ٢٠١٤، وذلك نتيجة لانتشاره على نطاق واسع. وسجلت دول مجلس التعاون الخليجى معدلات عالية بنسبة ١٠.٩٪ مقارنة بما نسبته ٢.٦٪ فى شمال أوروبا وغربها. ولكن مع ذلك لم يتم اتخاذ أى إجراء لمكافحة هذه الظاهرة من قبل الأشخاص والجهات الرسمية، رغم العلم بالفترة التى يقضيها النشء ويهدرها على الإنترنت فى الشرق الأوسط.
من ناحية أخرى، هناك مخاطر لاستخدام الأجهزة التكنولوجية على صحة الأطفال ولا يوجد سبب معين لإدمان الهاتف والإنترنت، ولكن هناك بعض العوامل المؤثرة على الإدمان. وهى وجود اضطرابات نفسية، مثل الاكتئاب والقلق، كما توثر الجينات على احتمالية الإصابة بالإدمان على الإنترنت، أما عن المواقع التى يفضل الشباب الدخول إليها، فهى تشتمل على: حجرات الدردشة. ومنصات التواصل الاجتماعى وألعاب الإنترنت. والمواقع الإباحية والمنتديات ومواقع سياسية ورياضية.
أما عن آثار الإدمان السلبية للإنترنت على الأطفال والمراهقين فإن إدمان الإنترنت- فى تقديرى- ووفقًا لمتابعتى لكثير من الأسر، التى لديها أبناء صغار أو فى سن المراهقة والإحصائيات فإنه ينتج عنه عواقب وخيمة تؤثر على الصحة الجسدية والنفسية، وفى مصر فإن عدد مشتركى الموبايل قد بلغ ١١٠ ملايين شخص فى مايو ٢٠٢٤ مقابل ١٠٣ ملايين فى مايو ٢٠٢٣، أى أن الرقم يرتفع كل عام لعدد المشتركين، وقد يكون متجاوزًا هذا الرقم أيضًا وبلغ عدد مشتركى منصة نتفليكس ٢٣٨ مليون مشترك فى أنحاء العالم فى الربع الثانى من ٢٠٢٤، أى أنه يمكن ضرب هذا العدد فى ٤ أشخاص، ليصبح أكثر من ٨٥٠ مليون مشاهد، أما إذا ما انتقلت إلى الأضرار، وأولها الآثار الجسدية لإدمان الإنترنت والمواقع المختلفة، فمن الآثار الجسدية مثلًا أنه يوثر على سلامة اليدين والجسم ويسبب البدانة؛ نتيجة الجلوس المفرط على الحاسوب. وهناك ضرر يصيب العين نتيجة الإشعاع الذى تبثه شاشات الحاسوب والتليفون. وهناك أيضًا ضرر يصيب الأذنين لمستخدمى مكبرات الصوت أو أجهزة التليفون.
أما خطورة الآثار النفسية لإدمان الإنترنت، فإنها تتمثل فى الدخول فى عالم وهمى بديل تقدمه شبكة الإنترنت، حيث يختلط الواقع بالوهم، وأيضًا عجز الفرد عن خلق شخصية نفسية سوية قادرة على التفاعل مع المجتمع والواقع المعيش، أما عن الآثار الاجتماعية لإدمان الإنترنت فإنها تتمثل فى العزلة وإهمال واجبات اجتماعية أو وظيفية أو علمية والتوتر والقلق الشديدين فى حالة الامتناع عن استخدام هذه الوسائل، وذلك نتيجة التعود على استخدامها ساعات طويلة بحرية ودون حساب الوقت:
ومن أهم النصائح الواجب اتباعها لتقليص وقت الاستخدام للإنترنت ما يلى:
تعيين منبه لتحديد الأوقات التى سيتم فيها الاستخدام وإيقاف تشغيل الإشعارات لأكبر عدد ممكن من التطبيقات، وإزالة التطبيقات التى تعمل على تشتيت الانتباه والمراد تقليص مدة استخدامها على الشاشة الرئيسية، وإبعاد الهاتف عن السرير، وعدم استخدامه قبل النوم كآخر شىء مستخدم فى الصباح عند الاستيقاظ. ومحاولة إشغال النفس من خلال التفاعل مع المجتمع وإيجاد شخص بديل، مثل ممارسة الرياضة والمشاركة مع المجموعات التطوعية أو نادى الكتاب. وأيضًا ممارسة رياضة الاسترخاء أو اليوجا.
أما بالنسبة للأطفال والمراهقين فإن إدمان الإنترنت فى تقديرى قد يكون مشكلة تؤثر فى أفكارهم وسلوكياتهم، ومن هنا تأتى أهمية دور الأسرة فى علاج إدمان الإنترنت، وأولها دور الأم والأب، فدورهما مهم جدًا فى متابعة ساعات ممارسة استخدام مواقع الإنترنت لأبنائهم وتحديدها بشكل مناسب لحياتهم اليومية ودراستهم، وضرورة الحرص من الأمهات والآباء على متابعة المواقع أو المشاهدات أو الألعاب، التى يدخلون عليها حتى لا تسبب لهم تشويهًا لأفكارهم أو لسلوكياتهم أو تصدر لهم معلومات مغرضة أو مفاهيم سلبية أو عدوانية أو سلوكيات إباحية لا تناسب مجتمعنا، وفى تقديرى أن متابعة الأهل ضرورة فى فترة سنوات الطفولة والمراهقة وعدم تعنيفهم بشكل فظ لمنعهم من الجلوس ساعات طويلة؛ إذ يتطلب الأمر الحوار وإقناعهم بخطورة الجلوس لساعات طويلة أمام الأجهزة الإلكترونية على صحتهم، كما أننى أرى أنه لا يصح حرمانهم بشكل كلى منها، وإنما المطلوب لسلامتهم الجسدية والنفسية والثقافية متابعة وتوجيه الأبناء إلى المناسب لأعمارهم ولثقافة مجتمعهم والاقتراب منهم.. كما أنه فى رأيى أنه من الضرورى الاهتمام بالوجود قريبًا منهم والتحدث معهم؛ حتى لا نتركهم فريسة لأفكار غريبة أو شاذة أو متطرفة أو نتركهم فريسة لأضرار صحية أو نفسية أو اجتماعية قد تكون ذات تأثير سلبى على حياتهم وشخصياتهم وأفكارهم، بل مستقبل حياتهم، فيما بعد.