الكنيسة المارونية فى مصر تحتفل بحلول الخميس السابع عشر من زمن العنصرة
تحتفل الكنيسة المارونية في مصر بحلول الخميس السابع عشر من زمن العنصرة، وبهذه المناسبة ألقت الكنيسة عظة احتفالية قالت خلالها: إنّ الله لا يطلبُ منكَ الكثير، حيث إنّ المحبّة وحدها كافية لتطبيق الشريعة كلّها لكنّ هذه المحبّة مزدوجة: محبّة الله ومحبّة القريب. عندما طلبَ الربّ منكَ أن تحبَّ قريبكَ، هو لم يقلْ لكَ: أحبِبْه من كلّ قلبكَ وروحكَ ونفسكَ؛ لكنّه قالَ لكَ: أحبِبْ قريبكَ كنفسِكَ. إذًا، أحبِبْ ربّكَ بكليّتِكَ لأنّه أكبر منكَ؛ وأحبِبْ قريبَكَ كنفسِكَ لأنّه صورة عنك.
إذًا، هنالك ثلاثة أهداف لمحبّتنا؛ لكن لِمَ هنالك وصيّتان فقط؟ سأقول لكَ ذلك: لم يرَ الربّ ضرورة في دعوتكَ إلى محبّة ذاتكَ، لأنّ ما من أحد لا يحبّ نفسه. لكنّ الكثيرين يضيعون لأنّهم يحبّون أنفسهم بطريقة خاطئة. عندما طلب الربّ منكَ أن تحبّه بكليّتكَ، فقد أعطاكَ القاعدة التي يجب أن تحبَّ نفسكَ على أساسها. من دون شكّ، أتريد أن تحبّ نفسكَ؟ إذًا، أحبِبْ الربّ بكليّتكَ. ففيه ستجدُ نفسكَ، دون أن تخسرَها... هكذا، أُعطِيَت لكَ القاعدة التي على أساسها يجب أن تحبَّ نفسكَ: أحبِبْ ذاك الذي هو أكبر منكَ، وستحبّ نفسكَ.
إنّ مقياس الإنسانيّة يتحدّدُ قبل كلّ شيء في ارتباطه بالألم والمتألِّم. هذا صحيح بالنسبة للفرد والمجتمع. فالمجتمع الذي لا ينجحُ في قبول المتألّمين ولا يُساهمُ بشفقته في تقاسم آلامهم ومشاركتهم بها في أعماقِ قلبه، هو مجتمع قاسي وغير إنسانيّ... إنّ الكلمة اللاتينيّة (con-solatio)، والتي تعني «تعزية»، تُعبِّرُ عن هذه الحقيقة بطريقةٍ رائعة، إذ تتحدّث عن الوجود مع الآخرين في وحدتهم بشكلٍ يجعلها تكفّ عن كونها وحدة. لكنّ القدرة أيضًا على قبول الألم في سبيل الخير والحقيقة والعدل هو مقياسٌ أساسيٌّ من مقاييس الإنسانيّة، لأنّه، إن جعلتُ راحتي وسلامتي الشخصيّة أهمّ من الحقيقة والعدل، يسودُ حينئذٍ سلطانُ الأقوى؛ فيعمُّ العنفُ والكذب...
التألّم مع الآخر ومن أجلِه؛ التألّم في سبيلِ الحقيقة والعدل؛ التألّم بسبب المحبّة وكي نتحوَّلَ إلى أشخاصٍ يحبّونَ فعلًا – هذه هي العناصر الأساسيّة للإنسانيّة، التي لو هجرناها نقضي على الإنسان نفسه. وهنا يبرزُ السؤالُ من جديد: هل نحنُ قادرونَ على ذلك؟... كان فضلُ الإيمان المسيحيّ في تاريخ البشريّة أنّهُ أثارَ في الإنسانِ بشكلٍ جديدٍ وبعمقٍ جديدٍ القدرةَ على التألّمِ لأجلِ هذه الأمور الحاسمة تجاهَ إنسانيّته. لقد أظهر لنا الإيمانُ المسيحيّ أنّ الحقيقةَ والعدلَ والمحبةَ ليست مجرّد مثاليّات، بل واقع ذو أهميّة عظيمة. لقد أظهر لنا أنّ الله – وهو الحقيقة والمحبّة في شخص – قد أرادَ أن يتألّم لأجلنا ومعنا.