وفر له أشهى الطعام.. لماذا احتجز عبدالحليم حافظ "بليغ حمدى" فى منزله؟
بليغ حمدي، الذي غادرنا في مثل هذا اليوم من العام 1993، بالجسد فقط دون الروح التي لاتزال سارية في ألحانه وموسيقاه التي أثري بها الموسيقي العربية بالمئات من الألحان التي وصلت لحوالي 1200 لحن، وهو الذي وصفه موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب عندما سأل عنه بأنه: "موهبة جبارة.. إن بليغ ده محظوظ، لأن ربنا بينعِم عليه بجُمل غنائية عبقرية، قَلما ينعم بيها على فنان كل 50 سنة، ولكن أعتقد أن بليغ حالة فنية نادرة جدًا لن تتكرر حتى بعد 500 عام، وليس 50 فقط"، كما قال عنه أيضًا: "أنا لما بنسى نفسى وأدندن ألاقينى بدندن ألحان بليغ حمدى، بليغ موهبة جبارة".
من الفوضى والبوهيمية إلى النظام الصارم
يذكر المؤرخ الموسيقي، دكتور محيي الدين عاصم، في كتابه "بليغ حمدي في صياغة الألحان"، كان بليغ حمدي يعمل ويبدع في أربعة أو خمسة ألحان دفعة واحدة، يبدأ في تلحين مذهب لأغنية ثم بعد فترة ينتقل لتلحين كوبليه من أغنية أخرى ثم يعالج قفلة لحن ثالث وهكذا.
ويستدرك “عاصم”: ولكن لما بدأ التعاون الفني بين بليغ حمدي وعبدالحليم حافظ يأخذ شكلًا مكثفًا في فترة الخمسينيات والستينيات، استخدم عبدالحليم حافظ نظامًا صارمًا لبليغ حمدي تسنى له من خلاله تنظيم خطوات العمل ليحافظ على تسلسل أفكاره اللحنية العذبة الغزيرة بشكل سليم، مما انعكس إيجابيًا على فنه، كما كان عبدالحليم كما معروف عنه يحتجز بليغ حمدي في منزله ويوفر له الخدم وأشهى الطعام، كل متطلبات الراحة التي يحبها بليغ حمدي، حتي يتفرغ لإنهاء اللحن بشكل يرضي عبدالحليم، أما الباقي من الفنانين فقد استسلموا لبوهيمية بليغ حمدي وكانوا ينتظرونه لا ملل طمعًا في لحن عذب من ألحانه.
جوانب من إبداعات بليغ حمدي في بناء وصياغة الألحان العربية
وحول جرأة بليغ حمدي في اقتحام وارتياد مناطق جديدة في الموسيقي والألحان، يذهب “عاصم” إلي أن بليغ في لحنه لأغنية الفنانة شادية “عالي.. عالي”: أضاف بليغ حمدي في هذه الأغنية مصاحبة لحنية حرة دونها للوتريات في قرارات مقام الكرد المصور علي درجة العشيران، وعلى هذا يكون بليغ حمدي قد استفاد بقصد أو بدون قصد من أسلوب “التنويعات” ولو بشكل محدود، لأن التنويعات التي أدخلها بليغ حمدي علي المقطع اللحني حافظت علي المقومات الرئيسية للجملة الموسيقية المدونة أصلًا في ميزان 4/4 في مقام بياتي مصور علي درجة العشيران وجاء تصرف بليغ حمدي بما يسمح لنا بالتعرف علي المعالم الرئيسية للجملة الأساسية.
ويشدد “عاصم” علي: خلاصة القول أن بليغ حمدي والذي تعمد الإبداع في معالجة وصياغة ألحانه لأغنية “عالي.. عالي” يكون قد استفاد من أسلوبي التنويع: التنويع بتغيير طابع الفكرة من حيث الزمن أو تغير الميزان الموسيقي مع بقاء اللحن بملامحه الأساسية.
التنويع في النسيج الموسيقي إذ استبدل بليغ حمدي النسيج المونوفوني أول مرة بنسيج بوليفوني عن طريق تدوين مصاحبة لحنية حرة في قرارات المقام تؤديها الوتريات ذات القوس. هذا بخلاف التنويع المقامي بين مقامي البياتي المصور علي درجة العشيران ومقام الكرد.