رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى ذكرى المولد النبوى الشريف

تيارات كثيرة تواجهها أمتنا اليوم، إنها موجات عاتية من الإلحاد، واللا أخلاقية، والحرية المنفلتة، وعدم المسئولية، والشذوذ، إضافة إلى التطرف والإرهاب الذى أعطى أعداء الدين دليلًا كاذبًا يشوهون به الإسلام كما يشاءون فى حملاتهم التى يشوهون بها الإسلام وتاريخه.

وفى ظل هذه الموجات لا يستطيع الإنسان أن ينجو بمجرد أن تسرد عليه تعاليم دينه ووصاياه فقط، وإلا لكان كافيًا أن يُنزلَ الله تعالى القرآن الكريم كتابًا منفردًا يتلقاه كل فرد من أفراد البشر فيقرؤه ويتبع ما فيه. بل لا بد من وجود مثال يتجلى القرآن الكريم فى سلوكه، فيراه الناس واقعًا ملموسًا أمامهم، فيكون أسوة لهم، وقد أرشد الله تعالى برحمته البشر إلى هذا، حيث قال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} «الأحزاب: ٢١».

نزلت هذه الآية فى سياق الحديث عن غزوة الخندق، لكن ليس المقصود منها التأسى بسيدِنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فى خصوص هذا الأمر، وإنما نزلت هذه الآية مبدأ عامًا، ويدل على هذا تركيبها الذى جاء فى صياغة المبادئ العامة التى تلتزم فى كل الآونة والأحيان، فهى- كما قال العلماء: أصل كبير فى الاقتداء بسيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فى أقواله وأفعاله وأحواله.

فلا بد إذن من أن يبقى سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حيًا فى وجدان المسلمين وحياتهم، ولذا كان من الفقه فى الدين أن يحتفل ويحتفى المسلمون به، صلى الله عليه وسلم، فى مولده الشريف، فلا شك أن الاحتفال بمولده الشريف بطريقة علمية صحيحة يجتمع فيها المسلمون على تذكر مولده، وسيرته صلى الله عليه وسلم، وبعثته المشرفة، ومعرفة قدره الشريف عند ربّه سبحانه وتعالى، لا شك أن كل هذا يحيى فى نفوسهم هذا التأسى المشار إليه فى الآية الكريمة، والتى بينت أن هذا التأسى يكون {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} أى هو للمؤمنين الصادقين فى إيمانهم، الذاكرين الله تعالى كثيرًا.

ويكفى أن ننظر فى القرآن الكريم لنرى أدلة هذا الاحتفال ناصعة لمن كان له قلب، فهو، صلى الله عليه وسلم، رحمة للعالمين، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} «الأنبياء: ١٠٧»، ثم فى آية أخرى يبين سبحانه أن الفرح ينبغى أن يكون بفضل الله تعالى وبرحمته سبحانه لا بالحطام الفانى، فيقول تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} «يونس: ٥٨»، إذن الفرح بسيدنا النبى، صلى الله عليه وسلم، الذى منه الفرح بمولده الشريف أمر جاء به كتاب الله تعالى، وليس بدعة كما يدّعى قاصرو الفهم.