مكاسب تثبيت الفائدة: خفض التضخم.. وتطويق تداعيات الأزمات
رحب عدد من خبراء الاقتصاد بالقرار الصادر عن لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى المصرى، أمس، بالإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير، وتثبيت سعر عائد الإيداع لليلة واحدة عند ٢٧.٢٥٪، وسعر الإقراض عند ٢٨.٢٥٪، وسعر الائتمان والخصم عند ٢٧.٧٥٪، معتبرين أنه كان أمرًا متوقعًا، فى ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية الحالية.
وأفاد الخبراء، فى حديثهم التالى لـ«الدستور»، بأن هذا التثبيت هو الثالث على التوالى، منذ مارس ٢٠٢٤، ما يعكس استمرار البنك المركزى فى سياسته الحالية لمواجهة الضغوط التضخمية، والحفاظ على الاستقرار المالى، مشيرين إلى أن القرار يستهدف خفض معدلات التضخم إلى أقل من ٢٥٪، مع المساعدة فى مواجهة تداعيات التوترات الجيوسياسية على المنطقة.
قال الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادى، إن قرار البنك المركزى يهدف إلى السيطرة على معدلات التضخم، والحفاظ على ما تحقق من مكاسب فى تراجع هذه المعدلات خلال الأشهر الماضية. وأضاف «غراب»: «معدلات التضخم، رغم التراجع خلال الأشهر الماضية، فإنها ما زالت مرتفعة، ويسعى البنك المركزى بهذه القرارات للوصول إلى مستهدفاته، أى الوصول بها إلى ما بين ٥ و٩٪».
وواصل: «الإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة يعد رسالة من البنك المركزى، الهدف منها السيطرة على معدلات التضخم، لأنه رغم تراجع المعدل السنوى للتضخم الأساسى، وبلوغه نحو ٢٤.٤٪ خلال يوليو الماضى، فإنه لا يزال مرتفعًا وأعلى من المستهدفات التى يجب الوصول إليها، وهى عند ٧٪ (±٢٪)».
وأكمل: «رغم تغيير سياسة الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى، والإعلان عن الاتجاه إلى خفض أسعار الفائدة، فإن المركزى المصرى ثبت أسعار الفائدة، بهدف كبح جماح التضخم، لأن مخاطر الضغوط التضخمية لا تزال قائمة، خاصة بعد القرارات الحكومية الأخيرة التى بدأت برفع سعر البنزين والسولار، وتبعتها زيادة أسعار شرائح استهلاك الكهرباء، التى سيكون لها تأثيرها».
وتابع: «من المتوقع أن تزيد معدلات التضخم بنسبة بسيطة فى الفترة الحالية، لذا لجأ البنك المركزى إلى تثبيت الفائدة وليس خفضها»، متوقعًا التثبيت مرة أخرى خلال الاجتماع المقبل، من أجل الحفاظ على المكتسبات التى تحققت خلال الأشهر الماضية.
واختتم الخبير الاقتصادى بقوله: «البنك المركزى لن يتسرع فى خفض أسعار الفائدة لوجود مسببات تزيد من مخاطر الضغوط التضخمية، التى جاءت نتيجة القرارات الحكومية بترشيد الدعم، وتنفيذ إجراءات الضبط المالى، إضافة إلى استمرار التوترات الجيوسياسية فى منطقة الشرق الأوسط، لذا تظل أسعار السلع الأساسية عرضة لصدمات العرض الناجمة عن استمرار هذه التوترات».
وقال الدكتور على الإدريسى، الخبير الاقتصادى، إن قرار تثبيت أسعار الفائدة كان متوقعًا، وجاء فى ضوء المتغيرات الاقتصادية المحلية والعالمية، مشيرًا إلى أن التثبيت يستهدف السيطرة على معدلات التضخم، التى ما زالت مرتفعة، عند حدود ٢٥٪.
وأضاف «الإدريسى»: «التوترات الجيوسياسية فى المنطقة، وارتفاع أسعار الطاقة، يتطلبان مزيدًا من التحوط، والاتجاه نحو التثبيت على وجه التحديد، خاصة أن الفيدرالى الأمريكى لم يقم بعد بأى خطوات من شأنها تخفيض الفائدة فى الوقت الحالى، بل قرر التثبيت للمرة الثامنة على التوالى».
وواصل: «قرار التثبيت يهدف إلى جذب الاستثمار الأجنبى غير المباشر، فى ظل استمرار التوترات الجيوسياسية فى المنطقة، وانعكاساتها على استقرار أسعار الصرف».
ورأى الدكتور عبدالمنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أن قرار تثبيت سعر الفائدة كان متوقعًا، فى ظل سياسات البنك المركزى للسيطرة على التضخم وتخفيض معدلاته، التى بدأت تأخذ مسارًا هبوطيًا منذ مارس ٢٠٢٤، وذلك من ٣١.٥ إلى ٢٤.٥، فى يوليو الماضى.
وأضاف «السيد»: «قرار التثبيت يأتى للمرة الثالثة على التوالى، منذ مارس ٢٠٢٤، بهدف مواجهة تداعيات التوترات الجيوسياسية على المنطقة، بكل ما تتضمنه من آثار سلبية على معدلات التضخم»، مشيرًا إلى أنه من المتوقع انخفاض معدل التضخم إلى ٢٤٪ على أساس سنوى، فى شهرى أغسطس وسبتمبر.
وواصل الخبير الاقتصادى: «سعر الفائدة يعتبر أداة لدى البنك المركزى لتقليل معدلات التضخم، رغم تزايد مخاطر الضغوط التضخمية، بفعل إجراءات الضبط المالى الأخيرة التى اتخذتها الحكومة، مثل ترشيد الدعم على البنزين والسولار والكهرباء، التى تلزم الإبقاء على أسعار الفائدة عند مستوياتها المرتفعة دون تغيير».
وأكمل: «قرار التثبيت يستهدف أيضًا الحفاظ على الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة فى أذون الخزانة، ما من شأنه زيادة الحصيلة الدولارية داخل السوق المصرية»، لافتًا إلى أن آخر المؤشرات الأولية للربع الثانى من العام الجارى يؤكد أن نمو الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى بدأ فى الارتفاع، مع توقعات بتعافيه تدريجيًا اعتبارًا من السنة المالية الحالية ٢٠٢٤/٢٠٢٥، بعد تباطؤ ملحوظ فى العام المالى الماضى.
وتابع: «تثبيت سعر الفائدة يعنى ثبات معدلات الاستثمار الحالية، التى أسهمت فى خفض معدلات البطالة من ٦.٩ إلى ٦.٥٪. كما أن بقاء النشاط الاقتصادى الحقيقى أقل من طاقته الإنتاجية يدعم المسار النزولى للتضخم خلال الفترة المقبلة، ومن المتوقع أن يظل كذلك حتى يقترب من طاقته القصوى على المدى المتوسط».
واختتم بقوله: «لا شك أن قرار البنك المركزى الحالى بتثبيت سعر الفائدة هو القرار المناسب، فى ظل الظروف الاقتصادية العالمية، خاصة ما يتعلق بتباطؤ معدلات النمو، التى دفعت البنك الفيدرالى الأمريكى إلى تثبيت سعر الفائدة، وأيضًا فى ظل الأوضاع الداخلية بطبيعة الحال».
وأكد الدكتور كريم عادل، رئيس مركز العدل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أن قرار لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى المصرى يأتى كإجراء تحوطى للعديد من الأسباب، على رأسها متابعة وترقب مستويات الأسعار خلال المرحلتين الحالية والمقبلة.
وأضاف «عادل» أن هذا يأتى للوقوف على حقيقة معدل التضخم، وانعكاس أثر ارتفاع أسعار الطاقة والمحروقات على مؤشر أسعار المستهلك، من خلال تتبع التغيرات فى الأسعار التى يدفعها المستهلكون مقابل سلة من السلع والخدمات بمرور الوقت، وتشمل هذه السلع والخدمات الأغذية والمشروبات والإسكان والملابس والنقل والرعاية الطبية والترفيه والتعليم والاتصالات.
ونبه الخبير الاقتصادى إلى أن البنك المركزى المصرى يتبع سياسة التشديد النقدى، بمعنى المزيد من رفع معدلات الفائدة، أو حتى الإبقاء عليها كما هى، وفقًا لتوصيات صندوق النقد الدولى فى هذا الشأن، باعتبارها إحدى أدوات كبح جماح التضخم، وسحب السيولة النقدية من السوق، ما يجعل التثبيت هو الخيار الأمثل والوحيد خلال الفترة الحالية.
وواصل: «حجم الأموال الساخنة الموجودة حاليًا فى مصر، الذى يتجاوز ٣٥ مليار دولار، يبحث عن معدلات الفائدة المرتفعة، وبالتالى أى خفض فى الفائدة قد يترتب عليه خروج جزء كبير من هذه الأموال، ما يؤثر على استقرار سعر الصرف، وقيمة العملة المحلية مقابل الدولار الأمريكى».
وأكمل: «قرار لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى قرار متوقع وصادف صحيح الواقع، فى ظل ما نحن عليه الآن من معطيات ومتغيرات، سواء جيوسياسية أو اقتصادية على المستويين الداخلى والخارجى».