رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محاكمة فى الآخرة!

سبعة اتهامات، وجهتها وزارة العدل الأمريكية لستة من قادة حركة «حماس»، من بينها قتل عشرات الأمريكيين، وتمويل الإرهاب، واستخدام أسلحة دمار شامل، وفى بيان صدر، الثلاثاء الماضى، قال ميريك جارلاند، المدعى العام الأمريكى، إن المتهمين كانوا «مسئولين عن تمويل وإدارة حملة، على مدى عشر سنوات، استهدفت مواطنين أمريكيين، وشكلت خطرًا على أمن الولايات المتحدة».

مع يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسى لـ«حماس»، وعلى بركة، مسئول العلاقات الخارجية للحركة المقيم فى لبنان، وخالد مشعل، المقيم فى قطر ويرأس مكتب الحركة فى الخارج، شملت الدعوى، أيضًا، إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسى السابق، الذى جرى اغتياله فى العاصمة الإيرانية طهران، ومحمد الضيف، قائد كتائب عز الدين القسام الجناح العسكرى للحركة، ونائبه مروان عيسى، اللذين أعلن الجيش الإسرائيلى عن مقتلهما، ما يعنى أن نصف من تتهمهم وزارة العدل الأمريكية، فى ذمة الله! 

دعوى وزارة العدل الأمريكية تزعم أن ما لا يقل عن ٤٣ أمريكيًا لقوا مصرعهم فى هجوم ٧ أكتوبر الماضى. وفى البيان المشار إليه قال المدعى العام إن حركة «حماس» قامت، خلال ذلك الهجوم، بـ«قتل عائلات بأكملها» فى «أبشع مذبحة يتعرض لها اليهود منذ الهولوكوست»، الإبادة النازية لليهود، وكرر اتهامات، ثبت عدم صحتها، من عينة أن مقاتلى حماس «قتلوا كبار السن والأطفال الصغار، وجعلوا من العنف الجنسى سلاحًا ضد النساء، بما فى ذلك الاغتصاب وتشويه الأعضاء التناسلية». و... و... وقال إنهم يحققون فى «كل جرائم القتل الوحشية للمواطنين الأمريكيين»، باعتبارها أعمالًا إرهابية. 

كل قوانين دول العالم لا تجيز تحريك الدعوى الجنائية بعد وفاة المتهم، لعدم معقولية اتخاذ أى إجراء فى مواجهته، ولعدم إمكانية دفاعه عن نفسه، لكن فى محاولة لتبرير الخطوة الأمريكية، غير القانونية، نقلت شبكة «سى بى إس» الأمريكية، عن مصدر لم تذكر اسمه، أن الدعوى أقيمت فى فبراير الماضى، ولم يتم الكشف عنها إلا يوم الثلاثاء، أملًا فى أن تتمكن السلطات الأمريكية من إلقاء القبض على أىٍّ من المتهمين. وقيل إن الإعلان عن الدعوى جاء فى أعقاب، أو بسبب العثور على جثة الرهينة الإسرائيلى الأمريكى هيرش جولدبرج بولين، مع خمس جثث أخرى لرهائن أو مختطفين، فى قطاع غزة.

محاولة أخرى للتبرير، قدمها يوسى ميكيلبرج، الباحث فى معهد تشاتام هاوس، الذى قال لهيئة الإذاعة البريطانية، بى بى سى، إن الولايات المتحدة توجه بهذه الخطوة رسالة إلى قادة «حماس»، مفادها «سنلاحقكم سواء كنتم أحياء أو موتى». وبافتراض صحة ذلك، فإن مثل هذه الرسالة، والدعوى برمتها، بضم الراء أو كسرها، تتناقض مع قيام الولايات المتحدة بالوساطة فى المفاوضات، غير المباشرة بين الحكومة الإسرائيلية وحركة حماس، بهدف التوصل إلى اتفاق بوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين. وهنا، قد تكون الإشارة مهمة إلى أن الرئيس الأمريكى، جو بايدن، سبق أن قال، خلال حوار مع شبكة «سى إن إن»، فى مايو الماضى، إنه أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلى، بعد وقت قصير من هجوم ٧ أكتوبر، بأن الولايات المتحدة ستساعد إسرائيل فى الإيقاع بزعيم حماس فى غزة، يحيى السنوار.

.. وأخيرًا، لعلك تعرف أن الولايات المتحدة لم تلتفت إلى الانتهاكات والجرائم، التى ترتكبها دولة الاحتلال ضد الفلسطينيين، فى قطاع غزة والضفة الغربية، واستخدامها سلاح التجويع والحصار والتهجير القسرى لتصفية القضية الفلسطينية، كما لم تلتفت إلى إحاطتين أمام مجلس الأمن، بشأن المقابر الجماعية، التى تم اكتشافها فى محيط مجمعى النصر والشفاء الطبيين، بعد انسحاب القوات الإسرائيلية منهما، فى أبريل الماضى، إحداهما من فولكر تورك، مفوض الأمم المتحدة السامى لحقوق الإنسان، الذى دعا إلى إجراء «تحقيق مستقل فى الظروف المحيطة بالمقابر الجماعية»، وأيده كثير من أعضاء المجلس. وفى الإحاطة الأخرى، أكدت فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، أن هناك «أسبابًا معقولة» تشير إلى ارتكاب إسرائيل «جريمة الإبادة الجماعية».