رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا تغادرونا.. قبل ضرب (النووى) الإيرانى!


بينما كانت الصواريخ والقذائف تحلق عبر السماء اللبنانية والإسرائيلية، الأسبوع قبل الماضى، بدت اللحظة التى عاش فيها الناس فى جميع أنحاء المنطقة فى خوف، كما لو أنها قد وصلت، أى الحرب الشاملة.. لكن، وبسرعة كبيرة، اختتمت إسرائيل وميليشيا حزب الله اللبنانية تبادلهما الصاروخى، وادعى كلاهما النصر، وأشارا إلى أن القتال، فى الوقت الحالى، على الأقل، قد انتهى.. ومع ذلك، كشفت هذه النتيجة الغامضة عن شىء ما.. لم يجد حزب الله ولا راعيه الإقليمى، إيران، طريقة أفضل للرد على الضربات الإسرائيلية المُحرجة، بطريقة يمكن أن تحذر إسرائيل من هجوم آخر، ولكن لا تثير حربًا أكبر، يمكن أن تكون مدمرة بالنسبة لهم.. ولا يزال رد إيران، إذا جاء، مجهولًا، ولا يزال بإمكان طهران اختيار مسار عمل لم يتوقعه المراقبون الإقليميون.. لكن اختيار حزب الله التمسك بهجوم محدود، هو خيار يعتقد بعض الخبراء الإقليميين الآن أنه قد يعكس خططًا من إيران، فى الوقت الذى تدرس فيه كيفية تسوية حساباتها مع إسرائيل.
قبل بضعة أسابيع فقط، كانت المنطقة، مرة أخرى، فى وضع محفوف بالمخاطر بشكل غير عادى، بعد أشهر من شن إسرائيل حربها المميتة على غزة، ردًا على هجمات السابع من أكتوبر التى قادتها حماس.. بدأت الجولة الأخيرة من سياسة حافة الهاوية فى الشرق الأوسط الشهر الماضى، عندما ألقت إسرائيل باللوم على حزب الله، فى صاروخ أصاب ملعبًا لكرة القدم وقتل أطفالًا فى مرتفعات الجولان التى تسيطر عليها إسرائيل، ونفى حزب الله مسئوليته عن الحادث.. ثم شنت إسرائيل تصعيدًا انتقاميًا، سرعان ما وضع المنطقة بأسرها على حافة الهاوية، عندما ضربت جنوب العاصمة اللبنانية بيروت، واغتالت أحد كبار قادة حزب الله، فؤاد شكر.. وبعد ساعات، قتل انفجار، رئيس المكتب السياسى لحماس، إسماعيل هنية، فى طهران، حيث كان يحضر حفل تنصيب الرئيس الإيرانى الجديد، وكان اغتيال هنية، استفزازًا متطرفًا لقادة إيران، وحصرها فى مأزق الرد الواجب تنفيذه.
«إذا تمكنت إسرائيل من الإفلات من العقاب على قتل أحد حلفاء إيران فى وسط طهران، فلن يكون هناك ملاذ آمن للقيادة الإيرانية فى أى مكان.. لأن فى ذلك إشارة على ضعف إيران، لا يتحملها القادة الإيرانيون أمام المعارضين لهم، فى الداخل والخارج».. كانت معضلتهم، أنه لا توجد طريقة يمكن من خلالها تحقيق هذا الهدف بتكلفة منخفضة، والعديد من الطرق الأخرى، يمكن أن تأتى بنتائج عكسية.. ومع ذلك، فإن عدم الاستجابة الإيرانية بالرد على إسرائيل، يشكل تهديدًا وجوديًا.. وجزء مما يُعقد أى رد على إيران، هو أنها استعرضت بالفعل عضلاتها العسكرية، ردًا على ضربة إسرائيلية واضحة فى أبريل الماضى، استهدفت مجمع سفارتها فى دمشق بسوريا.. فى ذلك الوقت، ردت طهران بإطلاق وابل من أكثر من ثلاثمائة صاروخ وطائرة بدون طيار على إسرائيل.. لكن يبدو أنها سربت أخبار هذا الهجوم فى وقت مبكر، مما وفر لإسرائيل والولايات المتحدة فرصة لإعداد الدفاعات الجوية، وإسقاط معظم ما تم إطلاقه تقريبًا.
كان حزب الله، أقوى ميليشيا تدعمها إيران، سيلعب دورًا حاسمًا فى أى رد منسق مع إيران، لكن تحرك حزب الله للتصرف أولًا وبمفرده، يشير إلى أن هذا الخيار مستبعد على الأرجح.. وقال حسن نصر الله، زعيم حزب الله، فى خطاب ألقاه بعد هجوم الأحد قبل الماضى إن «الناس يمكنهم التقاط الأنفاس والاسترخاء».. فالمخاطرة بحرب شاملة كان بالنسبة لحزب الله، تكلفة سياسية باهظة.. فمع استمرار معاناة لبنان من أزمة اقتصادية مدمرة، وفراغ سياسى دام سنوات، فإنه يواجه ضغوطًا شديدة من شرائح أخرى من المجتمع، لعدم جر البلاد إلى أزمة أعمق.. كما تم نزوح عشرات الآلاف من أنصار حزب الله فى جنوب لبنان من منازلهم، بسبب الضربات الإسرائيلية شبه اليومية.
وبعد وقت قصير من ضربات حزب الله، قال المرشد الأعلى الإيرانى، آية الله على خامنئى، إن الرد (لا يعنى دائمًا حمل السلاح.. بدلًا من ذلك، يأتى التفكير بشكل صحيح، والتحدث بشكل صحيح، وفهم الأشياء بدقة وضرب الهدف بدقة).. لذلك، يقول الخبراء، إن هذه التعليقات تشير إلى أن رد إيران سيبدو أقل شبهًا بما فعلته فى أبريل، على الرغم من أنه لا يمكن استبعاد ذلك، وأكثر شبهًا بهجوم مستهدف.. وتتمثل حسابات طهران الرئيسية، فى إيجاد رد لا يخاطر برد الولايات المتحدة، التى انتشرت سفنها الحربية فى جميع أنحاء المنطقة.. ومن المرجح أيضًا أن يؤجل القادة الإيرانيون أى رد، ما دامت المحادثات جارية للتوسط فى وقف إطلاق النار فى قطاع غزة، حسبما قال بعض المسئولين الأمريكيين، فى ظل جهود دبلوماسية مكثفة، بشأن احتمال إجراء مفاوضات لرفع العقوبات عن طهران، والعودة لمفاوضات الاتفاق النووى مع واشنطن.. فإيران براجماتية للغاية، وبالطبع كانت تتساءل عن كيفية الاستفادة من هذا الجهد الذى يبذله دبلوماسيون غربيون، وقال خامنئى، فى تصريحات اعتبرت أنها تؤكد الرغبة فى استئناف المحادثات مع الغرب، إنه «لا يوجد عائق» أمام استئناف المفاوضات بشأن برنامج إيران النووى.
فى تل أبيب، تُشير التقديرات إلى أن أى محادثات نووية بين واشنطن وطهران ستنتهى بـ«الفشل»، وفى كل الأحوال، يعتقد محللون إسرائيليون أن بلدهم يقف وجهًا لوجه أمام التهديد الإيرانى، وأن الحل العسكرى أصبح واقعًا.. ويرجح المحللون جدية إسرائيل فى إشهار ورقة «الضربة العسكرية»، مقابل مواقف الدول العظمى التى تتجه إلى العودة للاتفاق النووى المبرم عام 2015، دون تحديثات أو تغييرات على مضمونه، وبعد سنوات من انسحاب الولايات المتحدة، بإدارة دونالد ترامب، من الاتفاق عام 2018.. واستباقًا لأى اتفاق مستقبلى بين الدول العظمى وطهران، تتجهز تل أبيب للعمليات السرّية المستهدفة للمنشآت النووية الإيرانية.. كل ما كان ينقصها، شراء كميات كبيرة من الأسلحة المتطورة، وقد أمدتها واشنطن بالمزيد من هذه الأسلحة، بسبب الحرب فى غزة، وجاءت الولايات المتحدة بكل حاملات طائراتها وصواريخها وغواصاتها النووية إلى سواحل إسرائيل، تحت ذريعة الدفاع عنها أمام محور الشر!
وقد جاءت زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الجنرال تشارلز كيو براون الابن، إلى تل أبيب، لتناقش «القضايا الأمنية والاستراتيجية، المتعلقة بتوسيع الأدوات التشغيلية وتعزيز الشراكات الإقليمية، كجزء من الاستجابة للتهديدات فى الشرق الأوسط».. وذكرت القناة الثانية عشرة الإخبارية الإسرائيلية، أنه فى بعض المناقشات، التى ركزت على إيران، أعربت إسرائيل عن رغبتها فى رؤية الولايات المتحدة تفى بالتزامها المستمر منذ سنوات، بمنع إيران من أن تصبح دولة نووية، الأمر الذى يتطلب تهديدًا عسكريًا أمريكيًا موثوقًا به، أو عملًا عسكريًا ضد المنشآت النووية الإيرانية.. وأبلغت الولايات المتحدة إسرائيل، أنها ستحتفظ بأسطولها فى المنطقة خلال الأسابيع المقبلة، بسبب التوترات المتزايدة.
لكن واشنطن، التى أكدت فى المؤتمر الوطنى الديمقراطى، ترشيح نائبة الرئيس، كامالا هاريس، لمنصب الرئيس، أنه من الضرورى لها أن يعمل الرئيس، جو بايدن، ونائبته الحالية، على خلق الانطباع بأن الأمور بدأت أخيرًا فى التحرك فى اتجاه إيجابى فى الشرق الأوسط، باستمرار المفاوضات لوقف إطلاق النار فى غزة، وعودة المحتجزين الإسرائيليين إلى ديارهم.. ولنفس السبب، تحرص الإدارة الأمريكية بشدة، على تجنب اندلاع حرب بين إسرائيل وإيران، والتى من شأنها أن تلقى بظلالها على الحملة الانتخابية للرئاسة، وتمكن دونالد ترامب من اتهام بايدن مرة أخرى، بالتسبب فى تدهور الوضع على الساحة الدولية.. ويعتقد البيت الأبيض أن وقف إطلاق النار فى غزة من شأنه أيضًا، أن يهدئ الجبهة الشمالية الشرقية المشتعلة فى مواجهة إسرائيل.
وشن جون كيربى، المتحدث باسم مجلس الأمن القومى الأمريكى، هجومًا علنيًا غير عادى، على وزير المالية الإسرائيلى، بتسلئيل سموتريتش، الذى قال إن الولايات المتحدة تحاول فرض صفقة تشكل استسلامًا لإسرائيل.. وقال كيربى إن ادعاء سموتريتش «خاطئ من الناحية الواقعية، إنه أمر فظيع، إنه سخيف».. وأضاف أن خطاب سموتريتش «من شأنه أن يضحى فى الواقع بحياة الرهائن الإسرائيليين- مواطنيه، والرهائن الأمريكيين أيضًا».
■■ وبعد..
فإن «أى اتفاق سيتم التوصل إليه فى المستقبل، سيكون سيئًا، ويتهدد الأمن القومى الإسرائيلى»، كما يرى الباحث فى معهد القدس للدراسات الاستراتيجية، الجنرال الإسرائيلى المتقاعد، يعقوب عميدرور، وهو لا يلزم تل أبيب- التى تريد كسب الوقت لتوجيه ضربة قوية ضد المشروع النووى الإيرانى بشىء، وإذا تعززت المعتقدات لديها بأن هذا المشروع يشكل خطرًا وجوديًا عليها، لن يتوان الجيش الإسرائيلى عن مهاجمة طهران وإزالة هذا التهديد من الوجود.. بل إن السبيل الوحيد لوقف القنبلة الإيرانية والتوصل إلى اتفاق جيد- من وجهة النظر الإسرائيلية- هو من خلال تهديد حقيقى بعمل عسكرى فعال.. وأكد أن جميع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، جهزت فى الأدراج خططًا عسكرية لضرب المنشآت النووية الإيرانية، منذ الاتفاق عام 2015، لكن يجب تحديثها وتطويرها، وعلى هذا الأساس يستعد الجيش الإسرائيلى بأسلحة جديدة ومتطورة.. وتحاول تل أبيب الآن استفزاز طهران وتحريضها على القيام بأى عمل عسكرى تجاه إسرائيل، يمكن بعده، أن توجه الولايات المتحدة ضربة فى العمق الإيرانى، تحت ذريعة الدفاع عن إسرائيل.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.