أيمن محسب: السياسة الرشيدة أحبطت محاولات إدخالنا فى حروب مباشرة
قال النائب أيمن محسب، وكيل لجنة الشئون العربية بمجلس النواب، إن الدولة المصرية تواجه تحديات خارجية هى الأصعب منذ عقود عديدة، ما يؤثر على أى دولة مهما كانت قوتها ومكانتها، لافتًا إلى أن الأزمة فى غزة أثرت بشكل كبير على الاقتصاد المصرى.
وأضاف «محسب» فى حواره لـ«الدستور»، أن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، يسعى بكل الطرق للبقاء فى منصبه، ومع فشله العسكرى فى غزة يسعى لتوريط المنطقة كلها فى حرب شاملة لإطالة أمد الصراع بما يضمن له البقاء فى مكانه، لكن مصر تعى جيدًا تلك المحاولات وتتعامل معها بحنكة سياسية.
وتابع أن أى اضطراب تشهده الدول المجاورة لمصر يمس الأمن القومى لنا، ما جعل مصر تتدخل بقوة منذ الأيام الأولى للأزمة الليبية، من أجل إعادة الاستقرار وتشكيل حكومة وفاق وطنى لوضع حد لتلك الفوضى.
■ بداية.. حدثنا عن رؤيتك لما يحدث على كل الحدود المصرية.
- تواجه الدولة المصرية تحديات خارجية هى الأصعب منذ عقود عديدة، تلك التحديات تؤثر على أى دولة مهما كانت قوتها ومكانتها، فلدينا على الحدود الشرقية، تشهد غزة عدوانًا إسرائيليًا وحشيًا منذ ٧ أكتوبر، ومحاولات من جانب حكومة الاحتلال لتوسيع رقعة الحرب وجر المنطقة لحرب شاملة، بينما فى الجنوب نجد نزاعًا منذ أكثر من عام بين الجيش السودانى وميليشيات الدعم السريع، وارتكاب مجازر ضد الشعب السودانى، مع استضافة مصر مئات الآلاف من النازحين السودانيين، وفى الغرب هناك بوادر لعودة الفوضى فى ليبيا، وكل هذه الأحداث تشكل خطرًا كبيرًا على الأمن القومى المصرى.
■ ماذا عن التأثيرات والخسائر المباشرة لتلك الأمور على الأوضاع فى مصر؟
- بالتأكيد من واقع الحروب والأزمات التى تحيط بمصر من جميع الاتجاهات الاستراتيجية، تشهد الدولة تحديًا غير مسبوق للسياسة الخارجية المصرية فى بيئة استراتيجية معقدة، تتداخل فيها المصالح المتناقضة بين الأطراف الإقليمية، وتتسم بسيولة فى التحالفات، وتزداد هذه السيولة خطرًا مع الدور الذى تؤديه إسرائيل فى الشرق الأوسط والخليج وشمال إفريقيا.
والعدوان الإسرائيلى وما يحدث من قبل الحوثيين، شكل تهديدًا عسكريًّا مباشرًا للملاحة الدولية فى البحر الأحمر الذى تمر عبره ١٢٪ من حركة التجارة العالمية المحمولة بحرًا من حيث الحجم، ونحو ٣٠٪ من حركة الحاويات العالمية، الأمر الذى دفع عددًا من شركات شحن الحاويات وشركات النفط إلى إيقاف عملياتها البحرية عبر قناة السويس مؤقتًا، ولجوء بعضها إلى طريق رأس الرجاء الصالح بديلًا مؤقتًا له.
■.. والخسائر أو التأثيرات غير المباشرة؟
- بعدما بدأ الاقتصاد العالمى فى التعافى عقب أزمة كورونا، داهمه عدم الاستقرار الأمنى فى منطقة البحر الأحمر، وانعكاساته السلبية على حركة التجارة الدولية، وزعزعة الاستقرار الإقليمى والعالمى، وهناك تهديد لأمن الطاقة العالمى، ومن المتوقع أن تعانى الدول المستوردة للطاقة، خاصة البلدان منخفضة الدخل وأوروبا التى تقف على حافة الركود، وإن كانت الحرب بين إسرائيل و«حماس» لم تؤثر بدرجة كبيرة على أسعار الطاقة، سيكون التأثير أكبر على شحنات الطاقة إلى أوروبا. وطبقًا لتقديرات الغرفة الدولية للشحن التى تمثل ٨٠٪ من الأسطول التجارى العالمى، فإن معظم إمدادات الطاقة الأوروبية، بما فيه النفط ووقود الديزل، يمر عبر مضيق باب المندب، فعدم الاستقرار فى المنطقة يعنى تهديد إمدادات الطاقة الأوروبية، وبالتالى ارتفاع أسعار النفط والغاز.
كما أن هناك أيضًا زيادة فى تكاليف التشغيل، فمن المتوقع أن تكون المسارات الأخرى البديلة أطول بنسبة ٤٠٪، ما يتسبب بدوره فى زيادة كبيرة فى تكاليف التشغيل؛ حيث يمتد وقت الشحن بين أسبوع إلى أربعة أسابيع للشحنات، ومن ثمَّ فإن التصعيد فى منطقة البحر الأحمر سيؤدى إلى زيادة الأسعار، فضلًا عن تأخير شحن البضائع.
■ هل ترى أن تلك التحديات أثرت على ملف التنمية فى مصر؟
- مصر تتعرض لتداعيات فى مختلف المجالات، وضغوطًا اجتماعية واقتصادية نتيجة الحرب الدائرة فى غزة، وقد تؤدى إلى تراجع التنمية البشرية لخمس سنوات، بجانب تضرر إيرادات السياحة وقناة السويس. كما أن الاقتصاد المصرى يعتمد بشكل كبير على السياحة والتحويلات المالية وعائدات قناة السويس والديون الخارجية وتدفقات رأس المال، وحسب ما ذكره تقرير الأمم المتحدة، فإنه من المتوقع انخفاض الناتج المحلى الإجمالى لمصر بنسب تتراوح بين ٢.٦٪ و٣.٠٪ وفق السيناريو المتوقع، مع ارتفاع معدل البطالة من ٧.٨٪ إلى ٨.٧٪ فى سيناريو «الشدة المتوسطة» و٩.١٪ فى سيناريو «الشدة العالية».
■ ننتقل للحدود الشرقية وما يحدث تحديدًا فى قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر.. ما تأثيره على الداخل والأمن القومى المصرى؟
- الممارسات التصعيدية التى ترتكبها دولة الاحتلال الإسرائيلى تدفع منطقة الشرق الأوسط نحو مزيد من التوتر واتساع دائرة العنف، من خلال جر قوى إقليمية فى مواجهات عسكرية مباشرة مع جيش الاحتلال، وهذه أحداث تمس الأمن القومى المصرى بشكل مباشر، لأن القضية الفسطينية جزء من الأمن القومى المصرى، ولا بد من المجتمع الدولى أن يضع حدًا لسياسة حافة الهاوية التى تدفع إسرائيل المنطقة نحوها، فضلًا عن مطالبة إسرائيل بالامتثال لالتزاماتها كقوة قائمة بالاحتلال، ووقف التصريحات الاستفزازية التى تهدف إلى مزيد من التصعيد والتوتر فى المنطقة.
■ كيف ترى التحركات المصرية المستمرة فى هذا الملف ورعاية المفاوضات من أجل التوصل لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة؟
- مصر هى أكثر دولة فى العالم تبذل جهودًا وتحركات لوقف هذا العدوان وإعادة الاستقرار فى المنطقة، وتخوض مفاوضات مكثفة من أجل إنجاح هدنة مستدامة فى غزة، والدولة المصرية تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى تبذل جهودًا كبيرة فى سبيل دعم القضية الفلسطينية وحماية حقوق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة، والدور المصرى يعد لاعبًا رئيسيًا من أجل دفع مسار التفاوض رغم التوترات الإقليمية التى تهدد هذه المفاوضات.
■ ماذا عن رؤيتك للدبلوماسية الرئاسية وتحركات الرئيس السيسى فى هذا الملف؟
- تحركات الرئيس عبدالفتاح السيسى بشأن القضية الفلسطينية اتسمت بالحكمة والرشد، ومنذ اليوم الأول للعدوان لم تتوقف الاتصالات واللقاءات الدولية للرئيس السيسى مع زعماء العالم، للوصول إلى حل شامل للقضية الفلسطينية، وما زالت القيادة المصرية تبذل جهودًا مضنية من أجل وقف الحرب الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة، وإبرام صفقة تبادل للأسرى والرهائن، وذلك من خلال التواصل مع كل الأطراف الدولية الفاعلة لخلق رأى عام عالمى مؤيد لوقف الحرب.
■ ما الأعباء التى تتحملها الدولة المصرية فى ملف غزة تحديدًا؟
- بالفعل هناك أعباء كثيرة تتحملها مصر، خاصة أن هناك ربطًا مباشرًا بين أزمة غزة والأمن القومى المصرى، فى ظل إعلاء المعانى الإنسانية فى أى تحركات مصرية، مقابل فقدانها لدى كثير من القوى الدولية، وهنا تتجسد الرؤية المصرية بأن الأزمة مملوءة بالتحديات والتهديدات، خاصة أن الأيام المقبلة تحمل كثيرًا من الضغوط، والساعية إلى توريط مصر فى نكبة فلسطينية جديدة، يصعب أن تمر أيًا كان الثمن، لذلك هناك ضغوط على مصر للقبول بمخطط التهجير وهذا لن يحدث أبدًا.
■ كيف ترى تحركات إسرائيل الآن؟
- هناك مجازر يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلى ضد المدنيين فى قطاع غزة، حيث ترتكب يوميًا مجازر ضد النازحين فى المستشفيات والمدارس، وصلت إلى استهداف المصلين فى المساجد، وهناك مخطط من جانب الاحتلال لجر المنطقة لحرب شاملة عبر التصعيد فى لبنان والعراق وسوريا وإيران، لضم أطراف جديدة، والصمت الدولى تجاه ما يحدث فى قطاع غزة يثير حالة من الغضب داخل النفوس العربية التى فقدت إيمانها بالقانونين الدولى والإنسانى، والتى انهارت تمامًا أمام سياسة الكيل بمكيالين عندما يتعلق الأمر بإسرائيل.
■ هل ترى أن هناك تربصًا بالدولة المصرية فى ظل اشتعال الأوضاع حولها؟
- بالطبع، ويتجلى ذلك فى سعى إسرائيل جاهدة لإفساد مفاوضات التهدئة، رغم أن وقف الحرب على غزة لم يعد خيارًا، ولكنه ضرورة فى ظل التدهور الإنسانى الذى يعيشه سكان القطاع منذ أكتوبر الماضى حتى الآن، وحكومة نتنياهو المتطرفة تعرقل المفاوضات، وهناك مخطط لإدخال مصر فى حرب بشكل مباشر، إلا أن سياسة مصر تتسم بالصبر الاستراتيجى والحكمة، ولن تدع مجالًا لتوريطها فى حرب تسعى لإحداث حالة عدم استقرار فى المنطقة.
■ ما رسالتك الآن للمفاوض المصرى فى ظل الجهود المبذولة من أجل الوصول لوقف إطلاق النار؟
- أثمن تمسك المفاوض المصرى بالانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من محور فيلادلفيا ومعبر رفح، اللذين احتلهما الجيش الإسرائيلى فى مايو الماضى ضمن حربه الشرسة واللا إنسانية على قطاع غزة، ومصر لن تسمح بالمساس بأمنها القومى باعتباره خطًا أحمر، وستبذل كل الجهود الممكنة من أجل الحفاظ على القضية الفلسطينية، وحماية حقوق الشعب الفلسطينى.
■ كيف تقيم التحركات المصرية المستمرة لإجهاض المخططات الإسرائيلية وعلى رأسها مخطط التهجير؟
- مصر منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلى على غزة أعلنت عن أنها لن تسمح بالتهجير القسرى للفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية، وهو ما يؤكده الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كل تصريحاته مع زعماء وقادة الدول، فالدولة المصرية، رغم ما يشهده الإقليم من توترات، قادرة على حماية أمنها واستقرارها بفضل سياستها الحكيمة التى تتميز بالمرونة، وتتشكل وفقًا للمتغيرات الإقليمية والدولية، الأمر الذى منحها قدرًا كبيرًا من الاتزان فى التعامل مع الأزمات بكل أبعادها.
■ مصر حذرت من توسيع رقعة الصراع، وكانت تلك النقطة محور حديث الرئيس السيسى فى كل اللقاءات والاتصالات والمحافل الدولية.. كيف ترى الأمور الآن؟
- يسعى بنيامين نتنياهو بكل الطرق للبقاء فى منصبه، لذلك ومع فشله العسكرى فى غزة يسعى لتوريط المنطقة فى حرب شاملة لإطالة أمد الصراع، بما يضمن له البقاء فى منصبه، ولكن على كل الأطراف المعنية تجنيب المنطقة مزيدًا من التوتر، فى حال اتساع دائرة الصراع العسكرى باندلاع حرب مباشرة بين إسرائيل وإيران وحزب الله، وهذه حرب حال اندلاعها ستكون لها تداعيات سلبية على كل دول المنطقة والعالم.
■ ننتقل إلى ما يحدث فى حدودنا الغربية وتحديدًا ليبيا.. ما رؤيتك للوضع فى ليبيا وتأثيره المباشر على مصر؟
- بالتأكيد أى اضطراب تشهده الدول المجاورة لمصر يمس الأمن القومى لنا، ما جعل مصر تتدخل بقوة منذ الأيام الأولى للأزمة الليبية من أجل إعادة الاستقرار وتشكيل حكومة وفاق وطنى لوضع حد لتلك الفوضى.
كيف ترى التأثيرات المباشرة على مصر جراء تطورات الأوضاع والحرب فى السودان؟
- اندلاع الحرب فى السودان له تبعات اقتصادية سلبية على اقتصادات المنطقة، وكذلك المؤسسات المالية والبنوك متعددة الأطراف المنكشفة عليها، والسودان يعد موردًا رئيسيًا للمواشى واللحوم الحية، وهى إحدى السلع الاستراتيجية لمصر، حيث يمد السودان مصر بنحو ١٠٪ من احتياجاتها من هذه السلع، والسودان يعد بوابة لنفاذ الصادرات المصرية إلى أسواق دول حوض النيل وشرق إفريقيا، ومع استمرار الحرب وانعدام الأمن، سيتأثر حجم التبادل التجارى بين البلدين، ما ينعكس سلبًا على الاقتصاد المصرى الذى يعانى بعض الأزمات فى الوقت الراهن، ولا ننسى أزمة اللاجئين السودانيين الذين نزحوا إلى مصر بمئات الآلاف، وهو ما يشكل ضغطًا أيضًا على الاقتصاد المصرى.