رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مظاهرات وإضراب الهدنة!

مدن إسرائيلية عديدة، من بينها تل أبيب والقدس وحيفا، شهدت ليلة أمس الأول، الأحد، مظاهرات حاشدة، شارك فيها أكثر من نصف المليون شخص، للمطالبة بالتوصل إلى اتفاق هدنة بين الحكومة الإسرائيلية وحركة «حماس»، يعيد باقى المختطفين فى قطاع غزة، الذى توفى ثلثهم تقريبًا. وفى المقابل، قامت الشرطة الإسرائيلية باعتقال عشرات الأشخاص، وأطلقت القنابل الصوتية لتفريق المتظاهرين، الذين سدّوا طرقًا رئيسية وأشعلوا النار فى أجزاء منها، حسب وسائل إعلام عبرية.

أيضًا، بهدف دفع الحكومة الإسرائيلية المتطرفة إلى عقد اتفاق لوقف إطلاق النار والإفراج عن المختطفين أو المحتجَزين فى قطاع غزة، عمّ إضراب شامل المرافق التجارية والاقتصادية والتعليمية والمواصلات ومطار بن جوريون، و... و... وكل مناحى الحياة فى إسرائيل، أمس الإثنين، استجابة لدعوة أطلقها الاتحاد العام للعمال الإسرائيليين، «الهستدروت»، فى مؤتمر صحفى، عقده رئيسه، أرنون بار ديفيد، يوم الأحد، وكذا «رابطة المصنعين الإسرائيليين»، التى أعلنت عن دعمها الإضراب واتهمت حكومة نتنياهو بالتقاعس عن الاضطلاع «بمهمتها الأخلاقية» المتمثلة فى إعادة المختطفين وهم على قيد الحياة.

على الخط، دخل يائير لابيد، زعيم المعارضة الإسرائيلية، وأعلن عن تأييده الإضراب العام، متهمًا «نتنياهو» بالتخلى عن المختطفين والانشغال بالتلفيقات، وقال إن «ما يهمه ليس محور فيلادلفيا ولقاحات شلل الأطفال، إنما الائتلاف الحاكم والإبقاء على سموتريتش وبن غفير»، فى إشارة إلى بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية، وإيتمار بن غفير، وزير الأمن القومى، المنتميين لليمين المتطرف، وبوضوح أكثر، قال لابيد إن نتنياهو اخترع عقبة محور فيلادلفيا، لإحباط التوصل إلى اتفاق وحماية حكومته من السقوط. 

المعنى نفسه، تضمنه بيان صدر عن «منتدى عائلات المختطفين»، أكد أن «نتنياهو وأعضاء الكابينت السياسى والأمنى حوّلوا محور فيلادلفيا إلى قبر للمختطفين»، وقال إن «قرار البقاء فى هذا المحور لا يوجد فيه أى اعتبار موضوعى، إنما اعتبارات مجرمين من أجل البقاء سياسيًا»، وطالبوا رئيس الوزراء بـ«تحمل مسئولية الأخطاء ومسئولية التخريب ومسئولية التخلى عن المختطفين الذين قُتلوا فى قطاع غزة»، و... و... ودعا البيان قادة النقابات العامة، والسلطات المحلية والبلدية، إلى القيام بالحد الأدنى من التضامن مع عائلات المختطفين، وإنقاذ أبنائهم، بإعلان إضراب عام «حتى تفهم الحكومة أن الشعب مع المختطفين وليس مع إهدار أرواحهم». و... و... ولعلك تتذكر أن جريدة «هآرتس» العبرية، كانت قد شدّدت على ضرورة الإطاحة بحكومة «نتنياهو»، وقالت إن كل يوم تستمر فيه هذه الحكومة اليمينية المتطرفة، هو يوم تغرق فيه إسرائيل، أكثر فأكثر، فى هاوية سيكون من الصعب الخروج منها.

على مدى شهور من مفاوضات وقف إطلاق النار فى قطاع غزة، قام رئيس الوزراء الإسرائيلى بإضاعة أكثر من فرصة، لتبادل الأسرى والمختطفين، وعرقل مساعى عديدة قامت بها مصر والولايات المتحدة وقطر، للتوصل إلى اتفاق. والأكثر من ذلك، هو دولة الاحتلال لم تكتف بالعدوان المستمر على القطاع المحاصر منذ أكثر من ١٠ أشهر، بل واصلت عملية عسكرية واسعة النطاق بدأتها، الأربعاء الماضى، على مدن وقرى ومخيمات جنين وطولكرم وطوباس شمال الضفة الغربية التى تحتلها منذ عام ١٩٦٧، بالتزامن مع تصريحات أطلقها وزير الخارجية الإسرائيلى، زعم فيها أن إيران تعمل على إنشاء «جبهة إرهابية شرقية ضد إسرائيل»، وطالب بـ«إخلاء المواطنين من الضفة على غرار ما يحدث فى غزة»!

.. وتبقى الإشارة إلى أن دولة الاحتلال تمكّنت، إلى الآن من تحرير ٨ مختطفين أحياء فقط بالقوة، إضافة إلى ١١٠ تم تحريرهم، خلال صفقة تبادل، جرت فى نوفمبر الماضى. وعليه، يرى المتظاهرون وعائلات المختطفين، والعقلاء فى دولة الاحتلال، أن صفقة التهدئة هى الحل، ويؤكدون أن عرقلتها بمثابة «جريمة قتل». بينما يرى القاضى والدانى والواقف بينهما أن رئيس الوزراء الإسرائيلى يتعمّد المماطلة وإطالة أمد التفاوض، وتوسيع دائرة الصراع، للإفلات من المحاسبة عن إخفاقاته السياسية وجرائمه الجنائية.