رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من غزة الصامدة إلى الضفةِ المُنتفضة!

«يسألوننى إذا كُنا سنحيا على حرابنا إلى الأبد؟ نعم!»             
«بنيامين نتنياهو»

يشى التطور الخطير الذى تشهده أوضاع حرب الإبادة الصهيونية للشعب الفلسطينى، الدائرة رحاها مُنذ أكتوبر الماضى، بتوسيع ميدان المعركة، وأهدافها الجيو سياسية، بما يتجاوز حدود قطاع غزة ومزاعم الانتقام لضحايا عملية «طوفان الأقصى»، امتدادًا إلى أبعاد استراتيجية أخرى، أوسع وأشمل، فمجال الحرب الآن يتجه لكى يشمل كامل التراب الفلسطينى المحتل، ويتحرك باتجاه فرض الوصاية الصهيونية المُطلقة على أرض فلسطين التاريخية بقضها وقضيضها، فمساحة كل قطاع غزة تبلغ 345 كيلومترًا مُربعًا، من أصل كامل أرض فلسطين الواقعة تحت نير الاحتلال الصهيونى، والبالغة 22000 كيلومترًا مُربعًا، والتى بات معظمها خاضعًا- بسياسة القهر والأمر الواقع- لسطوة القدم العسكرية الصهيونية، تحت سمع وبصر العالم كله.
وطبقًا للفضائيات ووكالات الأنباء، فهذه العملية العسكرية تُعد الأشمل والأوسع منذ عملية «السور الواقى» فى 2002، وتنقل عن مصادر إسرائيلية أنها «ستستمر وقتًا»، «بلا تحديد لسقف زمنى أو ميدانى»، وهو ما يعنى أن «إسرائيل»: «فتحت جبهة جديدة للحرب بالتزامن مع غزة ولبنان»، حيث أغلقت القوات الإسرائيلية مداخل مدينة جنين الرئيسية، ونشرت عددًا من القنّاصة، وأطلقت الرصاص تجاه مركبات الفلسطينيين، وطاردت الأهالى بالطائرات والصواريخ، كما قطع الجنود الإسرائيليون معظم الطرق الواصلة إلى مدينة جنين وفرضوا عليها حصارًا كاملًا. كما حاصر الجيش الإسرائيلى مستشفيات جنين الثلاثة، وأخرجها عن الخدمة عبر تجريف الشوارع المؤدية إليها وإقامة السواتر الترابية بمحيطها، وبدأت آلة الخراب الصهيونية فى بث مظاهر الموت والدمار فى أرجاء الضفة على نحو ما مارسته طوال المدة الفائتة فى غزة ورفح.
وقد نقلت القناة الرابعة عشرة الإسرائيلية عن مسئولين عسكريين إسرائيليين قولهم إن الوقت قد حان لـ«ضرب شمال الضفة الغربية واقتلاع جذور الإرهاب»، حسب زعمهم، وهى نفس الذريعة الوهمية التى يتكئ عليها كيان الإرهاب الصهيونى فى كل مرّة يتجه نحو التصعيد، وتسويغًا لتبرير كل فصلٍ جديدٍ من فصول الإبادة المنهجية لأوضاع ومُكونات شعب فلسطين الصامد.
ويؤكد كذب هذه الذريعة- ذريعة مجابهة ما يسمونه بـ«الإرهاب»- المُتكرر استخدامها كمبرر للعدوان الهمجى الدائم على فلسطين البشر والتراب مضمون التقرير الذى نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» مؤخرًا، من أن العدو الصهيونى قد أنشأ منصبًا جديدًا فى جيش الاحتلال الصهيونى، لإدارة أمور قطاع غزة بالكامل، ولمدى زمنى مفتوح، و«سيتوسع» فى هذا المجال، ما يعنى بقاء نحو 2 مليون فلسطينى رهن سيطرته، وأن «السيطرة والتدخل الإسرائيليين لن ينتهيا قريبًا. «المصرى اليوم، 30 أغسطس 2024».
ومن الواضح أن نية العدو الصهيونى مُبيَّتة لتدمير وإعادة احتلال كامل الأراضى الفلسطينية ووضعها تحت الهيمنة المُطلقة، فبعد هدم كل مُقومات البنية الأساسية لقطاع غزة، وإيقاع ما نعرفه من شهداء وضحايا، راح إرهابيو الإدارة الصهيونية يبحثون عن مسوغات تُبرر اتخاذ هذه الخطوة التدميرية الجديدة، فى ظل رفض شعبى عالمى لإرهاب الدولة الصهيونية، بتوجيه إصبع الاتهام إلى إيران مُجَدَّدًَا، على لسان «يسرائيل كاتس» وزير خارجية الكيان، بالسعى «لإنشاء جبهة ضد إسرائيل فى الضفة الغربية، على غرار غزة ولبنان، من خلال تمويل وتسليح المقاتلين» حسب تعبيره، رغم أن كل شبر فى الضفة مُحاصر ومُراقب من الأجهزة الإرهابية الصهيونية، و«أن الضفة الغربية كانت تدار من قبل الجيش وهى خاضعة لوزارة الدفاع»، ورغم إجراءات «التنسيق الأمنى» بين العدو الصهيونى و«سلطة الحكم المدنى/ أبومازن»، والأخطر هو تأكيده عزم الجيش الإسرائيلى التعامل «مع هذا التهديد بنفس الطريقة التى يتم التعامل بها مع غزة، بما فى ذلك الإجلاء المؤقت للسكان»، وهو ما يُشير إلى نية العدو الصهيونى استكمال مُخططات ترويع المواطنين الفلسطينيين، وتمزيق أوصال نتف الأرض الفلسطينية المتبقية، لمصادرة أى إمكانية لحلٍ مُقترحٍ بديلٍ، حتى لو كان حلًا هزيلًا لدويلة مسخ منزوعة الروح والسلاح.
ويُحدد مدير «المركز الوطنى للدراسات السياسية»، «منير الجاغوب»، لـ«سكاى نيوز عربية» أن: هذه العملية الإسرائيلية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وأن ما تُقدمه «إسرائيل» من حجج بشأن إيران والخلايا الإرهابية هى حجج واهية، يستهدف «نتنياهو» منها إضعاف السلطة الفلسطينية، وكسر هيبتها وصولًا إلى تقويضها والقضاء عليها «حتى يُصادر كل فرص النجاح-ولو على المستوى الشكلى- لـ«حل الدولتين» الذى تكرر الحديث عنه فى الفترة الأخيرة».
وبهذه العملية العسكرية الجديدة، التى ظاهرها ادِّعاء استهداف النفوذ الإيرانى فى الضفة المحتلة، والتصدى لخطر الكتائب المُسلّحة التابعة لحماس والفصائل الأخرى، التى ظهرت على سطح المزاعم الصهيونية بين عشية وضحاها، يعود شبح التهديد الدائم الذى يواجهه الفلسطينيون، والمُتمثل باستئناف مُخطط طرد الفلسطينيين، أو «التهجير» خارج أرضهم، خاصةً فى ظل اتضاح أبعاد تواطؤ وعناية الولايات المتحدة والغرب للمجرم الصهيونى المُدلل، وعجز المؤسسات الأمميّة، «كالأمم المتحدة» وسواها، عن وضع حد لموجات الإرهاب الصهيونى المُستمرة منذ نحو العام، بما خلّفته من خراب وضحايا، وفى ظل عجز النظام العربى عن اتخاذ موقف مؤثر على مجريات الأمور، يتصدى لتصعيد حرب الإبادة الصهيونية للشعب الفلسطينى ومُخططات تصفية القضية الفلسطينية.
وهذا الخطر يتعاظم مع استفحال نفوذ اليمين الدينى الإرهابى على القرار الصهيونى وإدارة «نتنياهو»، وموقفه التصعيدى المعروف، وآخر فصوله العدوان الوقح على المسجد الأقصى،  مما يُتيح دفع مشروع الإرهابى «سموتريتش»، وزير المالية، وصاحب «خطة الحسم» التى تستهدف تصفية الوجود الفلسطينى نهائيًا، إلى حيز التنفيذ، فى ظل التهافت الأمريكى والغربى على دعم المُخططات الإسرائيلية، وآخرها التساؤل الاستنكارى للمرشح الرئاسى «دونالد ترامب» عن «الحجم المحدود للدولة الإسرائيلية»!، بما يشى بعدم مُمانعته فى توسيع هذا المدى، بفرض الهيمنة الإسرائيلية على باقى الأراضى الفلسطينية المحتلة، على غرار مُباركته- إبان عهده الرئاسى- ضم مُرتفعات الجولان السورية المُحتلة إلى الحدود الإسرائيلية، والاعتراف بالقدس المُحتلة عاصمة للدولة الصهيونية المُغتصبة، فهو القائل: «عندما ننظر إلى خريطة الشرق الأوسط نجد أن (إسرائيل) بقعة صغيرة جدًا مُقارنةً بهذه الكتل الأرضية الضخمة. إنها حقًا بقعة صغيرة، وقد قلت ذلك بالفعل. هل هناك طريقة ما لتوسيعها لأنها صغيرة جدًا؟!».
وهكذا تكتمل ملامح الخطة الشريرة، التى يدفع «نتنياهو» وعصابته من القتلة الصهاينة وممثليهم: «بن غفير، وسموتريتش» إلى تنفيذها: المُناورة والمُماطلة، بكل السُبل، فى الوصول إلى اتفاق مع «حماس»، حتى تمر الفترة المُتبقية على الانتخابات الأمريكية، التى قد تأتى بـ«دونالد ترامب» رئيسًا- مرةً ثانية- وساعتها يكون «لكل مقام مقال».
وقد لخَّصَ «نتنياهو» الموضوع فى كلمتين: «إن أى اتفاق فى المستقبل يجب أن تسيطر دولة (إسرائيل) بموجبه على المنطقة بأسرها: من النهر إلى البحر»!
إنها الخطوة الأولى نحو «إسرائيل الكبرى»: «من النيل إلى الفرات»، تُنَفَّذُ تحت أبصارنا ورؤانا.. فماذا نحن فاعلون؟!