المواطنة تاريخيًا «2-2»
الكتابة التاريخية كمحصلة لحركة المواطنين فى التاريخ، أو التاريخ من منظور المواطنة، هذا ما يؤكد عليه سمير مرقص فى كتابه المهم: «المواطنة والهوية.. جدل النضال والإبداع فى مصر».
ويوضح سمير مرقص ماذا يعنيه بالمواطنة تاريخيًا؛ حيث يحرص التاريخ من منظور المواطنة على فهم ومعرفة نضالات المواطنين اليومية التى تصنع فارقًا فى مجتمعهم، والأهم فى هذا الشأن «تخلق حضورًا متكافئًا لجميع المواطنين فى لحظة تاريخية معينة». كما يشير إلى أهمية أن تواصل الدراسة التاريخية تتبع أثر «الفعل المواطنى» فى الحاضر، أى بعد نهاية الحدث، ومدى قدرة هذا الفعل المواطنى على الاستمرار فى المستقبل، تأكيدًا للمواطنة فى المجتمع.
ومن منظور المواطنة، يصبح لازمًا على المؤرخ أن يرصد لحظات التوافق الوطنية الكبرى، بين أفراد المجتمع، هؤلاء المختلفين طبقيًا وفئويًا ومهنيًا، هذه اللحظات التى تشكل فى حقيقة الأمر روح الأمة وملامح الوطنية الجامعة. وبالقدر نفسه من الأهمية يجب على المؤرخ أن يرصد أيضًا «لحظات الخلاف والصراع بين المختلفين، وتداعياتها والدروس المستفادة منها». هكذا لا يسعى التاريخ من منظور المواطنة إلى رسم صورة ناصعة البياض، بعيدة عن واقع المجتمع، وإنما يرصد كما ذكرنا لحظات التوافق الكبرى، ولحظات الخلاف والصراع، لأن من حصيلة رصد ودراسة الأمرين يحدث ما يُعرف بالتراكم التاريخى الذى بفعله تتقدم الأوطان.
وعندما يحاول سمير مرقص تطبيق ذلك على الحالة المصرية يصطدم بدايةً ببعض العوائق والمشاكل الرئيسية، تأتى فى مقدمتها المناهج الدراسية التاريخية؛ حيث يشير بجرأة وصدق إلى «أن مناهج التاريخ التى يتم تدريسها تنتج عقلًا مصريًا مغتربًا عن تاريخه الحقيقى، وتاريخه المواطنى على وجه الخصوص». كما يحذر من ظاهرة عدم تدريس تاريخ الوطن فى الشهادات الأجنبية الموازية للمرحلة الثانوية المصرية.
كما يأخذ المؤلف على الكتابات الدراسية التاريخية، بل الكتابات التاريخية بشكل عام، ما أطلق عليه: «كتابة عابرة للحظات تاريخية غاية فى الأهمية والتأثير فى تاريخ مصر». كما يشير إلى إهمال دور الناس فى صناعة الحدث التاريخى، وكتابة تاريخ مصر دون التركيز على «الفواعل المواطنية» التى اشتبكت مع الواقع وشكلت بفاعلية الأحداث التاريخية. وهنا يذكر المؤلف مقولة المؤرخ الأمريكى هوارد زن وتحذيره من قراءة التاريخ من منظور الذين من مصلحتهم، لسبب أو لآخر، عدم الكشف عن الحقائق أو تمرير الأكاذيب.
وهنا يصل سمير مرقص إلى نتيجة مهمة حيث يرى أن التاريخ أمن قومى، ويمكن الاستناد إلى ذلك الأمر فى الرد على الأقاويل التى يطرحها البعض الآن فى وسائل الإعلام أو حتى فى منابر السياسة: ما فائدة التاريخ؟!
ويرى مرقص ضرورة تدريس أفكار الطهطاوى من منظور المواطنة؛ حيث يرى فى الطهطاوى أنه واضع الأسس الفكرية لبناء الدولة الوطنية الحديثة فى مصر. كما يشير إلى ما أطلق عليه «المحطات النضالية» فى التاريخ المصرى، لا سيما ما يتعلق بقناة السويس، وثورة ١٩، ودستور ١٩٢٣. ويعتبر مرقص من أنصار «الاستمرارية» فى تاريخ الثورات المصرية، لأنها من منظور المواطنة تمثل ثورات الشعب المصرى، وليس فقط ثورات الزعماء.
يُنهى المؤلف كلامه بالحديث عن المستقبل، مستقبل مصر وحركة المواطنة، لكنه يشير بصدق إلى الحقيقة التالية: «فكل ما زادت توقعاتنا بتجديد المستقبل، ازداد التاريخ ضرورة لاكتشاف ما سوف يكون عليه هذا المستقبل الجديد».