لماذا فاز «ماكبث» و«النقطة العميا» بجوائز «القومى للمسرح»؟
أُسدل الستار على فعاليات المهرجان القومى للمسرح، وجرى الإعلان عن جوائزه فى حفل الختام، وأهمها حصول عرض «ماكبث المصنع» على جائزة «أفضل عرض»، وعرض «النقطة العميا» على جائزة أفضل عرض ثان.
عما يدور هذان العرضان الفائزان؟ وما الأسباب التى دعمت فوزهما بالأفضل فى المهرجان القومى للمسرح؟ وهل يستحقان المشاهدة أم لا؟.. أسئلة تحاول «الدستور» الإجابة عنها فى السطور التالية.
ماكبث المصنع ملحمة مسرحية من فكرة مكررة لكنها مجردة من كل قديم
يعد فوز عرض «ماكبث المصنع»، من إنتاج كلية طب الأسنان بجامعة القاهرة، بجائزة أفضل عرض فى المهرجان القومى للمسرح، دليلًا حاسمًا على نزاهة لجنة التحكيم، وعدم انحيازها سوى للخيارات الجمالية المتسقة مع رؤيتها، التى ربما يتفق أو يختلف البعض معها، لكنها تظل رؤية اللجنة، دون تدخل أو ضغوط من أى طرف من الأطراف المتنافسة.
فوز «ماكبث المصنع» شاهد أيضًا لا يقبل الشك على ثراء المسرح المصرى، وقدرته المتصلة على إبهارنا وإدهاشنا بأعمال تحمل إلى جانب اهتمامها بواقعنا، طزاجة وحساسية معاصرة ومواكبة وقادرة على المنافسة.
فور إعلان نتائج المهرجان القومى للمسرح، تذكرت مباشرة ما كتبه عمر المعتز بالله، وهو أحد أهم المخرجين المعاصرين فى المسرح المصرى، الذين يعتنون بالصورة واستخدام جماليات القبح للتعبير عن واقعنا القاسى المؤلم، لذا حين يكتب عن عرض ما، لا بد أن ندرك أنه عرض مهم.
وقال «المعتز بالله» عن «ماكبث المصنع»: «يتناول العرض طرح المكنون الدرامى لـ(ماكبث شكسبير) لكن برؤية معاصرة، من خلال تقديم ثقافة وهموم الإنسان الحالى، دون التخلى عن روح ومضمون ومأساة شكسبير الكلاسيكية».
وأضاف: «فى هذه التجربة المسرحية نرى كيف يتحول الإنسان الموهوب ذو العزيمة والروح القيادية المفعمة بالأمل إلى مجرم يترنح بين إثم الجريمة وقهر العقاب. فى تلك الملحمة نشاهد معالجة مسرحية شيقة تتناغم فيها عناصر المعمل المسرحى بمعالجة واعية تناسب تفكير المشاهد الحالى، المشتت بين عالمه الافتراضى وعالمه الواقعى».
وواصل: «جرى تقديم العرض فى زمن مسرحى مختصر دون الإسهاب فى تفاصيل مملة، ومن خلال توظيف سينوجرافيا محسوبة ومكللة بعناصر موائمة لتأملات المأساة، لكن برابط مألوف من روابط التواصل الاجتماعى المتعارف عليه الآن فى المجتمع العالمى».
كذلك يظهر التمثيل والتقنيات بلا تكلف أو مبالغة. فعلى مستوى الطرح والرؤية والتجريب لم يكسر العرض المألوف، لكنه صاغ مألوفًا جديدًا تتفرد فيه الدلالة والعلامة وبناء الصورة، وفق المخرج المسرحى.
وأتم بقوله: «إن بطولة صانعى الفن تكمن فى إبهار الأنفس وإثراء روح من يألفون المعتاد، وتلك هى روعة الفن وقوته فى الإتيان بالجديد، حتى ولو فى طرح فكرة مكررة، لكن مجردة من كل قديم. وقد خرج علينا شباب واعد بتجربة مسرحية تستحق المشاهدة والتأمل هى (ماكبث المصنع)، من إخراج محمود الحسينى».
النقطة العميا تشريح النفس البشرية: كل البشر «قتلى محتملون»
عرض «النقطة العميا» الفائز بجائزة ثانى أفضل عرض فى المهرجان القومى للمسرح وبجائزة أفضل دراماتورج مناصفة، هى مسرحية من إعداد وإخراج المخرج والدراماتورج أحمد فؤاد، عن مسرحية «العطل» لفريدريش دورينمات، من إنتاج فرقة «مسرح الغد» بقيادة الفنان سامح مجاهد. و«العطل» مسرحية إذاعية لفريدريش دورينمات، الكاتب والرسام والمؤلف المسرحى السويسرى، الذى طالما انشغل بالنفس البشرية وجرائمها، وطرح عبر نصوصه، مثل «هبط الملاك فى بابل» و«علماء الطبيعة» و«زيارة السيدة العجوز»، تساؤلات عن الجرائم البشرية التى لا تسقط بالتقادم، وتصورات عن الشرور بوصفها مكونًا أصيلًا فى النفس البشرية.
يشدد «دورينمات» فى هذه الأعمال على أن الجريمة كامنة دومًا فى سلوك الإنسان، حيث لا يوجد إنسان برىء، وحتى من يعتقد الناس أنهم أبرياء، هم يعيشون محض وهم لم يتكشف بعد، وربما يتكشف ذات يوم وبمحض الصدفة أنهم قتلة. ومسرحية «العطل»، التى أعدها ومَصرها أحمد فؤاد فى «النقطة العميا»، تدور أحداثها فى ذات الإطار الفكرى الذى انشغل به «دورينمات»، حول «آدم السمرى»، وهو مدير تسويق فى شركة كبرى، يضطر إلى قضاء ليلته فى قرية نائية، بعد أن يصيب سيارته عطل ما.
ينصحه من فى القرية بالتوجه إلى فيلا «الدكتور حكيم»، وهو دكتور فى القانون وقاض سابق، الذى يرحب دومًا باستضافة الوافدين والغرباء عن القرية، وحين يتوجه إلى الفيلا بالفعل، يلتقى بـ«عادل» المحامى السابق، و«كمال» وكيل النيابة السابق، و«داليا» مساعدة «الدكتور حكيم»، ويتورط معهم فى لعبة تتضمن قواعدها محاكمته بوصفه متهمًا.
والنقطة العمياء هى حجب فى مجال الرؤية، نقطة تخلو من مستقبلات الضوء، وتقع على شبكية العين، حيث يمر العصب البصرى، ونظرًا لعدم وجود مستقبلات للضوء فى هذه النقطة، فإن الجزء المقابل لها فى مجال الرؤية يكون غير مرئى، إلا أن أدمغتنا تقوم ببعض العمليات لاستكمال التفاصيل التى حجبتها النقطة العمياء على أساس التفاصيل المحيطة بها، والمعلومات المقبلة من العين الأخرى، لذا نحن لا ندرك حسيًا وجود هذه النقطة العمياء.
إذا طبقنا هذا المفهوم على الشعور الإنسانى والضمير، فوفقًا للدلالة التى تبناها «فؤاد»، نجد أن «آدم» قد ارتكب كل أفعاله المشينة من نقطة عمياء فى ضميره الإنسانى، نقطة عدم إدراك وتمييز لبشاعة الفعل وانعكاساته التى ربما تصل إلى القتل العمد، هذا العمد غير ظاهر لكنه كامن فى «النقطة العميا». انتهى المهرجان القومى للمسرح المصرى، وفاز «ماكبث المصنع» و«النقطة العميا» بجائزتى أفضل وثانى أفضل عرض فى هذه الدورة، لكن يظل الفن وفى قلبه المسرح غير قابل للمفاضلة والترتيب، وتظل العروض المسرحية جميعها فى المسارح كلها فائزة، ويتراوح ترتيبها من شخص لآخر بين الأول والثانى، وفقًا لذائقة كل متفرج، لذا اذهبوا إلى المسارح، شاهدوا المسرح المصرى، ما زال بخير، هو فقط ينتظر مجيئكم، وتلك رسالة المهرجان الأهم.