رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التصعيد الكبير 3.. خبراء غربيين يتحدثون لـ«الدستور» عن «الرد الإيرانى»

جريدة الدستور

اتفق عدد من الخبراء الأجانب على أن الرد الإيرانى الانتقامى على اغتيال القائد السياسى لحركة «حماس» إسماعيل هنية فى طهران، الأسبوع الماضى، سيكون قويًا، وسيحدث على جبهات متعددة، وسيكون أشد من أحداث شهر أبريل الماضية، التى شنت فيها طهران قصفًا صاروخيًا وبالمسيرات إسرائيل.

وأكد الخبراء، خلال حديثهم لـ«الدستور»، رغبة الولايات المتحدة الأمريكية فى التهدئة فى الشرق الأوسط، مع رفض ذلك بشكل مستمر من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، وسط اكتفاء الدول الأوروبية بالمتابعة من بعيد دون انخراط فعلى فى الأزمة، محذرين من أن التوترات فى الشرق الأوسط ستكون لها عواقب وخيمة ودائمة، تهدد الأمن الإقليمى وتزيد من مشكلات الاقتصاد العالمى.

فابريس بالانش: الهجوم الانتقامى سيكون أقوى مما حدث فى أبريل.. وتحالف غربى يشارك فى الدفاع عن تل أبيب

أكد فابريس بالانش، الأستاذ المشارك مدير الأبحاث فى جامعة ليون الزميل الزائر فى معهد واشنطن و«مجموعة الأبحاث والدراسات حول البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط» «GREMMO»- أن الرد الإيرانى على إسرائيل سيكون أعظم مما حدث فى أبريل ٢٠٢٤، وسيتضمن الهجوم على عدة جبهات.

وقال «بالانش»: «لو كان تدمير قنصلية غير محمية فى دمشق، أو ضعيفة الحماية من قبل السوريين، يستحق وابلًا من ٣٥٠ طائرة دون طيار وصاروخًا على إسرائيل، فيمكننا أن نتخيل أن الرد الإيرانى سيكون أعظم بعد اغتيال القائد السياسى لحركة حماس فى طهران». 

وأضاف: «إيران ستهاجم على عدة جبهات، معتقدة أن إسرائيل لن تكون قادرة على الرد، وأعتقد أن الهجوم سيأتى بشكل رئيسى من جنوب لبنان، حيث يمتلك حزب الله آلاف الصواريخ، التى يمكن أن يصل مداها إلى حيفا، أو حتى تل أبيب، ولكن يمكننا أن نتخيل أيضًا أن إيران ستستخدم الأراضى السورية».

وتابع: «لقد شهدنا بالفعل تعطيل التجارة العالمية مع التهديدات للشحن فى البحر الأحمر، إثر إطلاق الحوثيين فى اليمن النار على السفن التجارية، وعدم الاستقرار فى الشرق الأوسط يؤدى إلى ارتفاع أسعار النفط، كما يؤدى إلى مزيد من إبطاء النمو الاقتصادى العالمى».

وأوضح «بالانش» أن الغرب والولايات المتحدة ليس بإمكانهما وقف الحرب، لأن إسرائيل عازمة على سحق «حماس» فى غزة ومهاجمة «حزب الله» فى لبنان، فى المقابل تروج إيران لتدمير إسرائيل لتعبئة حلفائها.

واستطرد: «لذلك، نحن فى صراع طويل الأمد، وتستطيع الولايات المتحدة ببساطة أن تخفف من حدة الرد الإسرائيلى، لكنها لن تكون قادرة على إجبار نتنياهو على قبول وقف إطلاق النار، كما أن اغتيال إسماعيل هنية تسبب فى تعطيل مفاوضات وقف إطلاق النار فى غزة، ولكن فى كل الأحوال، كان من الممكن أن يكون وقف إطلاق النار مؤقتًا فقط، لكن إسرائيل تريد تدمير حماس بالكامل فى غزة».

وأردف: «إسرائيل هى أحد حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين فى الشرق الأوسط والعالم، لذا، فحتى لو لم يقبل جزء من الرأى العام الأمريكى ما يحدث فى غزة، فإن الإدارة الأمريكية عليها أن تدعم حليفها، رغم أن نتنياهو يتعرض للانتقاد فى واشنطن، والرئيس الأمريكى جو بايدن غاضب منه لأنه لم يحذره بشأن اغتيال هنية، والآن أصبحت الولايات المتحدة ملزمة بحماية إسرائيل من الانتقام الإيرانى». 

وأكمل: «فى أبريل ٢٠٢٤، بعد الهجوم على القنصلية الإيرانية فى دمشق، كنا فى نفس الوضع، ورأينا الولايات المتحدة، وأيضًا المملكة المتحدة وفرنسا، تشارك فى الدفاع عن إسرائيل من خلال اعتراض الطائرات دون طيار والصواريخ الإيرانية، وأعتقد أن المشهد نفسه سيتكرر فى الأيام المقبلة».

فرانك موسمار:  التصعيد سيؤثر على أسعار النفط والغذاء ويزيد من حالة الركود العالمى

شدد فرانك موسمار، الباحث الأكاديمى والصحفى الأمريكى المتخصص فى الشرق الأوسط وعضو الاتحاد الدولى للصحفيين، على أن اغتيال إسرائيل إسماعيل هنية فى طهران كان خرقًا أمنيًا مهينًا لإيران، خاصة أنه لم يكن يعرف مكان إقامته سوى عدد قليل من كبار المسئولين الأمنيين فى طهران، الأمر الذى يستلزم الرد من دولة حريصة على إظهار قوتها، ولكنها محبطة منذ فترة طويلة بسبب عجزها عن منع إسرائيل من تنفيذ عمليات سرية على أراضيها. 

وأضاف: «قبل الحديث عن الانتقام، يجب على إيران أن تسأل نفسها عما إذا كانت قادرة على ضمان سلامة زعيمها الأعلى، فقد كان الهجوم بمثابة اختبار صادم للرئيس الإيرانى الجديد، مسعود بزشكيان، خلال أول يوم عمل رسمى له فى منصبه، ويجب عليه الآن تحديد كيفية رده».

وأشار إلى أن طهران ترى أن الانتقام لمقتل «هنية» ضرورى، لردع إسرائيل التى يمكنها أن تقتل رجالًا أقوياء آخرين، مثل حسن نصرالله، زعيم «حزب الله» اللبنانى، أو حتى الجنرال إسماعيل قاآنى، قائد فيلق «القدس»، الذى يشرف على الجماعات المسلحة خارج إيران.

وأضاف «موسمار»: «إذا ردت إيران، فسوف يكون ذلك من خلال حلفائها وقواتها بالوكالة فى المنطقة، مثل حماس، وحزب الله فى لبنان، والحوثيين فى اليمن، والميليشيات المتعددة فى العراق، مع تجنب حرب شاملة بين الدولتين، ومن ناحية أخرى، إذا وجهت إيران ضربة مباشرة إلى إسرائيل، فسوف تعدل هجومها مرة أخرى لتجنب التصعيد».

وأشار إلى أن الصراع الدائر فى الشرق الأوسط لديه القدرة على التأثير بشكل كبير على أسعار النفط، نظرًا للدور الكبير الذى تلعبه دول المنطقة فى إنتاجه ونقله على مستوى العالم، منوهًا بأن «التصعيد المحتمل للصراع، وتورط دول منتجة للنفط مثل إيران، قد تكون له آثار بعيدة المدى على سوق النفط العالمية، وقد يؤدى إلى إحداث تأثير موجى على الاقتصاد العالمى، خاصة إذا استمرت الأمور فى التفاقم، واجتذبت دولًا أخرى منتجة للنفط فى الشرق الأوسط».

واستطرد: «أتوقع أن تستمر أسعار النفط فى الارتفاع، ما يؤدى إلى تفاقم التأثير الاقتصادى، لكن مع احتمال اندلاع حرب جديدة فى الشرق الأوسط، فمن المرجح أن يظل التضخم فى العالم مرتفعًا بسبب ارتفاع أسعار النفط، وهذا من شأنه أن يجعل من الصعب عودة التضخم إلى مستويات أهداف البنوك المركزية، وعلى رأسها بنك الاحتياطى الفيدرالى فى الولايات المتحدة، الذى يستهدف التضخم الطويل الأجل عند ٢٪ فى غضون عامين، بعد مكافحته من خلال رفع سعر الفائدة بشكل حاد إلى المستوى الحالى البالغ ٥.٥٪».

وأردف: «مع ذلك، فإن التصعيد المحتمل للصراع قد يؤدى إلى زيادات أخرى فى التضخم وأسعار الفائدة، ما يفرض تحديات كبيرة على الاستقرار الاقتصادى».

وعن الموقف الأمريكى حال اندلاع الحرب، أشار الخبير الأمريكى إلى أنه إذا دخلت إسرائيل فى حرب شاملة مع «حزب الله» أو فى الأسوأ من ذلك، مع إيران مباشرة، فإنه من المؤكد أن واشنطن ستشعر بأنها مضطرة للتدخل، بدءًا بقواتها البحرية فى المنطقة، لأنها بدأت تشعر بالضجر من إيران، رغم أنها ستحاول مع الغرب احتواء أى تصعيد.

ونوه بأن السيناتور الأمريكى ليندسى جراهام، على سبيل المثال، قد قدم قرارًا بشأن صلاحيات الحرب، يوم الأربعاء الماضى، يهدف إلى دفع الولايات المتحدة إلى اتخاذ إجراءات للحد من البرنامج النووى الإيرانى المتوسع، كما قدم قرارًا ينص على أن «أى تصعيد من جانب حزب الله ضد إسرائيل يؤدى إلى مواجهة كبيرة يجب اعتباره هجومًا نفذته إيران». 

وقال: «مع ذلك، فإن التحدى الرئيسى لصناع السياسات فى الولايات المتحدة هو أن إيران ووكلاءها يبدو أنهم يعتبرون أن القوات الأمريكية فى المنطقة أهداف مشروعة للانتقام، وهذا من شأنه أن يعكس موقف واشنطن، الذى يحمّل إيران المسئولية عن هجمات الحوثيين والميليشيات العراقية، من خلال دعمها وتمويلها تلك الجماعات».

وأضاف: «لنفترض أن إحدى الهجمات الإيرانية أسفرت عن مقتل أحد أفراد الخدمة الأمريكية وأصبحت مسيسة، فإن إدارة بايدن، فى هذه الحالة، قد تشعر بالضغط للرد وتصعيد الموقف. وقد ترد واشنطن بضربات لإنقاذ ماء الوجه، ما يدفع الميليشيات إلى وقف الهجمات مؤقتًا».

واعتبر الخبير الأمريكى أن اغتيال زعيم «حماس» يقوض الجهود الدولية لإنهاء الحرب فى غزة. مضيفًا: «فى الأمد القريب، من الواضح تمامًا أنه فى أفضل الأحوال، سيؤجل مفاوضات وقف إطلاق النار إلى أجل غير مسمى، ولن يكون لدى الحركة أى اهتمام بالتفاوض مع إسرائيل، بعد أن اغتالت الأخيرة أحد كبار أعضائها، علاوة على ذلك، فمن الواضح أن إسرائيل، كما أعلن نتنياهو، ستواصل الحرب لتدمير المجموعة التى حكمت غزة منذ عام ٢٠٠٧».

ورجح «موسمار» أن ترسل أغلب الدول الغربية قوات لدعم إسرائيل، خاصة أن الغرب يشعر بالقلق إزاء احتمال تصعيد الصراع إلى صراع إقليمى واسع النطاق، ما قد يكون له تأثير خطير على الاقتصاد الأوروبى، مع احتمال انتشار التوترات إلى دول مجاورة.

ولفت إلى أن الاضطرابات ستؤثر على تدفق التجارة والطاقة عبر قناة السويس، وهو ما يعد مصدر قلق رئيسيًا فى هذا السيناريو، كما قد تؤدى إلى ارتفاع أسعار الطاقة، ما يتسبب فى زيادة التضخم فى منطقة اليورو، كما ستشهد أسعار الفائدة وأسعار المواد الغذائية زيادة طفيفة، وسوف يطيل هذا فترة الركود التضخمى طوال عام ٢٠٢٤ قبل أن ينتعش النمو تدريجيًا فى عام ٢٠٢٥. 

وأكمل: «فى سيناريو التصعيد الصعب، قد تجر إيران والمملكة العربية السعودية إلى الحرب أيضًا، وسوف ترتفع أسعار الطاقة، وستستمر أسعار الفائدة وأسعار المواد الغذائية فى الارتفاع، ومن شأن هذا أن يطيل أمد الركود فى منطقة اليورو، ما يدفع النمو إلى الانخفاض إلى ٠.١٪ فى عام ٢٠٢٤، مع توقع نمو بنسبة ٠.٥٪ فقط فى عام ٢٠٢٥».

نيكولاس ويليامز: أمريكا وحدها القادرة على كبح جماح تل أبيب

توقع نيكولاس ويليامز، المسئول السابق فى حلف «ناتو»، أن ترد إيران على ما وصفه بالإهانة الإسرائيلية، باغتيال «ضيف محمى ومكرّم». 

وأضاف: «بطبيعة الحال، يعرف الإسرائيليون أنه سيكون هناك رد، وهم يتحدون الإيرانيين للرد بقوة، مع علمهم بأن أى رد مدمر سيدفع إلى انتقام الولايات المتحدة من خلال قواتها البحرية الضخمة فى المنطقة، وعلى الرغم من خطابها، فإن إيران تخشى جر الولايات المتحدة إلى صراعها مع إسرائيل».

ورجح «ويليامز» ردًا مدروسًا من إيران، وربما من حزب الله، سيكون أكثر تدميرًا من الرد السابق، ولكن بحرص على استهداف المنشآت العسكرية والحكومية دون التصعيد إلى النقطة التى تشعر فيها الولايات المتحدة بأنها ملزمة بالتدخل نيابة عن إسرائيل.

وقال إن مخاطر اندلاع حرب كبرى بين الدول فى الشرق الأوسط تبدو فى تزايد، وإن كانت هناك محاولات لاحتواء المخاطر بكبح جماح إيران، فإن تصرفات إسرائيل واستفزازاتها تؤدى إلى إثارة قلق حقيقى فى العواصم الغربية من صراع شامل ستكون عواقبه كارثية على العالم واقتصاده.

وتابع: «يغذى حالة عدم اليقين أن الدول أو المنظمات الدولية الكبرى ليس لديها أدنى فكرة عن كيفية الحد من التوترات بين إسرائيل وإيران، والولايات المتحدة هى القوة الحاسمة فى هذا الصراع، لكنها ترفض استخدام قوتها لكبح جماح إسرائيل».

وأكد أن الولايات المتحدة تستطيع وقف الصراع المتصاعد باستخدام قوتها على إسرائيل، لكن العديد من الأمريكيين، ربما أغلبهم، يرون أن كبح جماح إسرائيل فى مواجهة طموح إيران القديم لتدمير إسرائيل سيكون غير أخلاقى، ويساعد على تدمير الدولة الإسرائيلية، لذا فإن الولايات المتحدة ستدعم تل أبيب دائمًا فى مواجهة إيران.

وتابع: «لا أحد آخر يستطيع وقف هذا الصراع، ومن المؤسف أن الأوروبيين تخلوا منذ فترة طويلة عن أى تظاهر بدور أمنى فى الشرق الأوسط، والروس منشغلون بأوكرانيا ومشروعهم لإعادة تشكيل النظام العالمى لصالحهم، ويريد الصينيون أن يلعبوا دورًا بناء، لكنهم حريصون جدًا على عدم الانجرار إلى التفاصيل المعقدة لصنع السلام فى الشرق الأوسط، كل هذا يترك الأمر للأمريكيين فقط، المنشغلين بانتخاباتهم الرئاسية المقبلة فى نوفمبر».

وأضاف: «أشك فى أن أى دولة أخرى سترسل سفنًا بحرية لدعم إسرائيل إذا ردت إيران بقوة ساحقة على الهجمات الإسرائيلية، ولا حتى البريطانيون، إن الدول الأوروبية سوف تكون حذرة فى الانخراط عسكريًا عندما لا يكون لها دور سياسى، أو حتى فى اتخاذ القرارات الرئيسية بشأن إجراء عمل عسكرى ضد إيران».