رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماذا دار بين المخرج "ستيفن سكوت" ويوسف إدريس عن المصريين؟

يوسف إدريس
يوسف إدريس

اشتهر  يوسف إدريس بلقب "أنطون تشيخوف" العرب، للغته الأدبية الرصينة والجذابة، في عالم الأدب والروايات وحتى كتب الدراسات النقدية والمقالات، فاستطاع يوسف إدريس أن يعبر بقلمه عن أحوال المصريين، ومشاكلهم، وآمالهم.

ماذا دار بين المخرج "ستيفن سكوت"ويوسف إدريس عن المصريين؟ 

ويتذكر يوسف إدريس، في مقال له بعنوان: "الضجيج الداخلي والخارجي وحالة التولة"، في كتابه "أهمية أن نتثقف يا ناس"، أنه مرة في أوائل السبعينيات كتب قصة وسيناريو فيلم عن توت عنخ آمون، وجاء المخرج ستيفن سكوت ومعه الممثلون الإنجليز الذين اشترك معهم النجم عزت العلايلي وصوَّروا الفيلم ما بين القاهرة والأقصر وأسوان، وحين عاد "ستيفن سكوت" المخرج، وكانت تلك أول مرة يزور ويُقيم ويعمل في مصر، سأله عن رأيه في الشعب المصري؟.

فرد عليه المخرج أنه معجب جدًّا بأداء المصريين الفردي، ولكنه  أضاف: ثمة حالة من اﻟ APATHY الجماعي موجودة بين الناس بحيث لا بد أن تذكر الشيء مرتين على الأقل لينتبهوا لسماعه، وأحيانًا بعد ذكره ثلاث مرات لا بد أن تسأل المتلقي عنه، وفي أحيان كثيرة تجد أنه، أيضًا، أخطأ في الانتباه وفهم أو أدرك نصف ما قاله، أو على الأقل لا بد قد نسي شيئًا.

ويشرح الكاتب يوسف إدريس معني اﻟ APATHY قائلًا إنها كلمة لاتينية الأصل لا يوجد لها ترجمة عربية دقيقة؛ إذ هي في الأصل حالة مرضية، ولكنها ممكن أن تُترجم بعدم الإدراك أو عدم الوعي الكامل، أو المسافة الكائنة بين التوهان وعدم الانتباه ونقص الإدراك. 

ويروي يوسف إدريس أن المخرج ستيفن سكوت، كان يحب مصر والمصريين تمامًا وشديد الإعجاب بهم، وقد أخذ هذه الكلمة على محمل ملاحظة صديق متعاطف مع شعبنا، مضيفًا: فقد كان انطباعي حتى قبل أن أسمع منه الملاحظة هو نفس الانطباع.

ويحلل يوسف إدريس هذه الحالة، أن هذه الحالة قد زادت بطريقة أصبحت ملحوظة تمامًا، قائلًا:  تذهب إلى الموظف وباختصار شديد تشرح له المشكلة والمطلوب، فإذا به يستعيدك ما قلت مرة أو مرتين، وتلاحظ أنه أيضًا لم يبدأ يسمع، إلا حين فقط تبدو عليك معالم الغضب فيسمع ليجمع أسبابًا يرفض بها طلبك أو يزجرك، كثيرًا ما ذهبت إلى وِرش وشاهدت عمالًا يقومون بأعمال، ولا تركيز هناك، لفة مسمار، ثم زعقة هنا، وشتيمة هناك، وطلب شاي مرة، ولعن للصبي مرة أخرى، والكلمة التي على لسان السائر في الشارع: نعم؟! بتقول إيه؟!.

مؤكدًا: لا أحد يسمع أو ينتبه من أول مرة.

ما أسباب عدم الإدراك و"التوهان" لدى المصريين؟

ويرجع يوسف إدريس أسباب هذه الحالة من عدم الإدراك التي أصابت المصريين إلى أن الإنسان المصري خلال الحقبة الأخيرة قد بدأت تتراكم حوله وداخل عقله كثير من المشاكل الصغيرة جدًّا، أن تشتري طابع بريد، أن تركب أوتوبيسًا، أن تقطع تذكرة قطار، أن تعبر شارعًا، أن تقود عربة، أن تستخرج رخصة، أن تدفع فاتورة تليفون... باختصار أن تفعل أي شيء في مصر، مهما كان تافهًا، وأعود وأكرر أن تفعل أو تحاول أن تقوم بأي شيء، مشكلة؛ إذ لا شيء أبدًا يحدث تلقائيًّا أو بسهولة، حتى الحصول على ساندوتش طعمية.

وأضاف يوسف إدريس: مئات من المشاكل اليومية الصغيرة إذا رفعت كل مشكلة منها ضغط دمك ملليمترًا فسيصل ضغطك إلى الثلاثمائة قبل حلول موعد الهول الأكبر، العودة من العمل. وصحيح أن العقل البشري مخلوق ليحل المشاكل الصغيرة والمشاكل الكبيرة أيضًا، وليظل طوال الوقت، ومع هذا منتبهًا تمامًا للعالم الخارجي، ولكن كثرة المشاكل الصغيرة التافهة وصعوبة حلها في كثير من الأحيان تطغى على الخلايا العقلية وتغرقها أو تخنقها في تراكمها الراكد المخزون.

أما السبب الثاني، لفت يوسف إدريس إلى: أن الأقدار لم تتركنا للمشاكل الصغيرة نصارعها وتصارعنا ولكنها أيضًا قدَّرت علينا مفاجآت مذهلة نصحو عليها، حربًا مرة، وصدمة كهربائية مرة، وقرارات تزلزل الكيان، حتى الكيان الشخصي مرة، وقانون يصدر فجأة دون أي دراسة أو مرونة، وتصرفات وإجراءات، كالحيوانات النمرية المفترسة تنقضُّ علينا وسط توهاننا في غابة مشاكلنا الصغيرة فلا نعرف كيف نتصرف.

حلول ومقترحات الأديب "يوسف إدريس" ليتخلص المصريون من مشاكلهم الصغيرة؟

واقترح يوسف إدريس عدة مقترحات في مقاله، لحل هذه الحالة من "التوهان" لدى المصريين، أولها: أن تُؤلف بشكل جاد عاجل لجنة غير حكومية تدرس كل المشاكل الصغيرة التي يتعرض لها المواطن المصري صباح مساء وتستأصلها تمامًا، واصفًا: ملعون ذلك الروتين الذي يتوه شعبًا عن أن يعيش بوعيه وأن تقتل روحه مشاكل بالغة السفاهة والتفاهة، لكيلا يتحول إلى حاجز جديد على الشعب.

وثانيًا: ألا يصدر أي مشروع أو قرار إلا بعرضه على الرأي العام لمدة خمسة عشر يومًا على الأقل بحيث يقال ما له وما عليه حتى يصدر وقد استوعب الواقع ورأي الشعب فيه.

ثالثًا: إلغاء الميكروفونات تمامًا من حياتنا وإلغاء السيرينات والكلاكسات واستبدال أجراس الحنطور بها لو أمكن، فالضجة في شوارعنا تلك التي تنفذ بإجرام إلى أسرَّة نومنا وحجراتنا تعمي آذاننا عن أن تسمع أو تستمع.