صراع النماذج المعرفية والمعضلة الأخلاقية للعالم.. ورقة علمية في المؤتمر العالمي التاسع للإفتاء
يشارك الباحث إسلام عبد العزيز، في المؤتمر العالمي التاسع للإفتاء الذي تنظمه الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء العالمية، يومي 29 و30 يوليو 2024، بورقة علمية بعنوان "صراع النماذج المعرفية والمعضلة الأخلاقية للعالم".
وتسعى الورقة البحثية إلى تسليط الضوء على التحديات الأخلاقية التي يواجهها العالم في ظل التغيرات المعرفية السريعة والتطورات التكنولوجية المتلاحقة، واستكشاف كيفية تأثير هذه التغيرات على القيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية.
وتناقش الورقة مسألة الهيمنة المعرفية وتأثيرها على محاولات بناء إطار أخلاقي عالمي قادر على مواجهة التحديات الحالية، مشيرةً إلى منطق الصراع الذي ساد في توجيه الأحداث، وغياب الإطار القيمي والأخلاقي الواضح الذي يوجه البشرية.
وقال الباحث إسلام عبد العزيز إن الورقة تستعرض الصراعات الفكرية بين النماذج المعرفية التقليدية والحديثة، وكيفية تحقيق توازن بينها للحفاظ على الأخلاق والقيم في ظل التطور العلمي والتكنولوجي.
كما تتناول أهمية الاستفادة من التقنيات الحديثة بما يخدم المجتمع ويعزز من القيم الأخلاقية والإنسانية، وتستعرض الممارسات التي تؤدي إلى إفراغ المفاهيم من مقاصدها الأصلية وإعادة ملئها بدلالات جديدة، مما يسهم في إحداث تغيير في النظام المعرفي للأمم ويؤثر على تطورها الفكري وحفاظها على خصوصيتها الثقافية.
ويشبه الباحث في هذا السياق الاختطاف المفاهيمي بمثابة استيلاء على هوية المفاهيم من خلال تحويلها من دلالاتها الأصلية إلى دلالات جديدة تتماشى مع الأيديولوجيات السائدة، مما يؤدي إلى تجريدها من خصائصها الثقافية والفكرية الأصلية، لافتا إلى أن هذا النوع من التلاعب يسهم في تشويه المعاني الأصيلة ويؤدي إلى إحداث حالة من الفوضى المعرفية التي تُفقد المفاهيم قيمتها الأصلية وتعيد تشكيلها لتلائم الأهداف والاستراتيجيات المهيمنة.
وكنموذج تطبيقي، تستعرض الورقة كيف تمثل "عسكرة الذكاء الاصطناعي" أو أنظمة الأسلحة المستقلة تحديات كبيرة لأي بناء أخلاقي عالمي، وتشكل معضلة أمام تحقيق الأمن والاستقرار العالمي، حيث تُعتبر هذه الأنظمة قمة التقدم العلمي والتقني، لكن هذا التقدم يُعزى إلى مفهوم علمي يدعمه ويؤكد على استمرارية الهيمنة العالمية، ويُسوَّق على أنه النموذج الأرقى والأكثر تقدمًا، مما يعزز سيطرة هذا النموذج ويعزز من فرضه كمعيار وحيد للتقدم العلمي.
كما تستعرض الورقة نموذجًا تطبيقيًا آخر هو "اختطاف المفاهيم"، والذي يعني السيطرة على المفاهيم وتغيير دلالاتها الأصلية لتناسب النموذج المعرفي المهيمن، وهو يتضمن الاقتلاع للمفاهيم من جذورها المعرفية والتاريخية، ثم إعادة تشكيلها وفقًا للقيم والسياسات الخاصة بالنموذج المسيطر، مما يعزز هيمنته على الواقع ويشكل توجهات الفكر والرأي العام في الأمم والمجتمعات.
ويبث الباحث الأمل في احتمالية زحزحة هذه الهيمنة وتقويض أسسها، عبر مزاحمتها من قبل النماذج الحضارية المعرفية الأخرى، وهذه المزاحمة إنما تتم عبر مستويات عدة منها الفلسفي والفكري، والسياسي والاقتصادي، والعلمي والعملي، والمؤسسي والفردي.
وأكد الباحث في الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء أن مؤسسات الإفتاء في القلب من عملية المزاحمة والمقاومة المعرفية للنموذج الغربي، باعتبار أن دورها مزيج من مختلف مستويات الاشتباك مع النموذج من جهة، ولصلتها المباشرة بعموم المسلمين من جهة أخرى.
وفي هذا السياق، يقدم الباحث توصية هامة تتمثل في ضرورة تعاون دور الإفتاء مع مجمعات اللغة والمختصين لتثبيت مفاهيم تستبطن المرجعية الإلهية والرؤية الإسلامية للكون والعلم.
كما ينصح بتبني موقف نقدي معتدل تجاه التكنولوجيا، حيث يمكن الاستفادة من خيرها وتجنب ضررها دون إصدار أحكام بحل أو حرمة بغير دليل شرعي واضح.
ويقول الباحث: "كل حضارة إنسانية تنبثق عن (مرجعية نهائية)، وهذه المرجعية هي الفكرة الجوهرية التي تشكل أساس كل الأفكار في تلك الحضارة، وهي الركيزة النهائية التي لا يمكن أن يقوم أي نموذج حضاري بدونها؛ لأن المرجعية هي المطلق المكتفي بذاته، الذي يتجاوز كل الأفراد والأشياء والظواهر، ويمنح العالم تماسكه ونظامه ومعناه."
ويرى الباحث أن الفتوى لعبت دورًا بارزًا في تصحيح الصورة الإسلامية وإعادة توجيه المفاهيم وفق رؤية إسلامية، حيث تسهم في تحقيق استقلال المعرفة وتقديم رؤية مستقلة تخدم المجتمعات الإسلامية والعربية، وتبتعد عن التأثير الغربي المركزي.
ويأمل "عبدالعزيز" أن تسهم هذه الورقة في إثراء النقاشات العالمية حول العلاقة بين المعرفة والأخلاق، وأن تقدم نماذج وحلولًا فعالة للتحديات المستقبلية التي يواجهها المجتمع الدولي.