رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حقوقيون: بدائل الحبس الاحتياطى أقل تكلفة وأكثر كفاءة.. ونحتاج إلى تعديلات تشريعية لتنفيذها

الحبس الاحتياطى
الحبس الاحتياطى

أعرب عدد من النشطاء والحقوقيين عن ترحيبهم الكبير بفتح ملف الحبس الاحتياطى ومناقشته خلال جلسات الحوار الوطنى، ابتداءً من أمس، مشيرين إلى أن النقاش حول هذا الملف تأخر كثيرًا، رغم المطالبات بطرحه للنقاش، حفاظًا على حقوق المتهمين، خاصة بعد تحوّله أحيانًا من مجرد تدبير احترازى إلى عقوبة يخضع لها المتهم قبل أن تتم إدانته.

وأكد الحقوقيون، خلال حديثهم لـ«الدستور»، أن الحوار الوطنى فتح الباب أمام تلقى اقتراحات ورؤى القوى السياسية والأحزاب حول مسألة الحبس الاحتياطى بشكل شامل، والبحث عن بدائل لها تُحقق التوازن بين متطلبات الأمن واحترام حقوق المتهمين، مشيرين إلى أن استخدام الوسائط التكنولوجية الحديثة يمكّن جهات إنفاذ القانون من تتبع تحركات المتهمين أو تحديد إقامتهم بعيدًا عن مراكز الاحتجاز.

وأشاروا إلى ضرورة إدخال عدة تعديلات تشريعية على قانون الإجراءات الجنائية لمعالجة قضية الحبس الاحتياطى، وتحديد الحالات التى تنطبق عليها، مع وضع حد زمنى أقصى لتطبيقها، بالإضافة إلى وضع بنود تساعد فى تنفيذ عدد من البدائل التى يمكنها أن تكون أكثر كفاءة من سابقتها، وأقل تكلفة على الدولة حال تنفيذها.

وأوضح الدكتور ولاء جاد الكريم، عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، أن موضوع الحبس الاحتياطى والإجراءات الاحترازية فى حالة المتهمين أمام القضاء يحتاج إلى معالجة تشريعية شاملة، لافتًا إلى أن الموضوع كان مثار اهتمام القيادة السياسية، كما أنه يلبى جوهر التوجيه الرئاسى المتعلق بإحياء لجنة العفو فى أبريل ٢٠٢٢.

وقال «جاد الكريم»: «معالجة موضوع الحبس الاحتياطى يتوافق مع توجهات الرئيس عبدالفتاح السيسى، التى عبّر عنها من خلال إطلاقه الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان فى سبتمبر ٢٠٢١، ومبادرة سيادته بوقف العمل بحالة الطوارئ فى أكتوبر ٢٠٢١».

وأضاف: «نحتاج للإسراع فى إقرار قانون الإجراءات الجنائية الجديد، ووضع سقف زمنى قاطع لمدد الحبس الاحتياطى، والأخذ بالبدائل الأخرى المتعارف عليها للإجراءات الاحترازية، عوضًا عن الحبس الاحتياطى للمتهمين».

وأشار إلى أهمية دراسة استخدام الوسائط التكنولوجية التى تمكّن جهات إنفاذ القانون من تتبع تحركات المتهمين فى القضايا داخل نطاق جغرافى محدد، كبديل عن احتجازهم داخل مراكز الاحتجاز.

وأكد أن معالجة إشكالية تزايد أوامر الحبس الاحتياطى تستلزم مقاربة شاملة توفر للنيابة العامة سندًا تشريعيًا وإجرائيًا وتنفيذيًا، ما يجعلها مطمئنة لعدم تأثير وجود المتهم خارج مقار الاحتجاز على سير القضية المتهم فيها.

فيما اعتبر وليد فاروق، رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات، أن ملف الحبس الاحتياطى تأخرت مناقشته كثيرًا، لأنه كان من المتوقع أن تتم فى أولى جلسات الحوار الوطنى، فى ظل أهمية الملف، كما أن أغلب الآراء كانت ترى أن الحبس الاحتياطى يمثل عقوبة للمتهم وليس مجرد إجراء يتم اتخاذه لتسهيل إنفاذ القانون.

وقال: «لدينا عدة مقترحات بهذا الشأن تقدم بها البعض، منها مقترحات المجلس القومى لحقوق الإنسان فى عهد الوزير محمد فايق، والإجراءات البديلة أفضل بكثير ويمكن تنفيذها بشكل سهل، ما يخفف من الأعباء والمصاريف الضخمة على الدولة».

وأضاف: «أظهرت التجربة وجود عدد كبير من المسجونين احتياطيًا ممن ظلوا سنة أو أكثر فى الحبس، وهذا أمر غير مقبول، خاصة أن هناك حلولًا أخرى بديلة، لذا نقترح ألا تزيد مدة الحبس احتياطيًا على ٦ أشهر، واستخدام وسائل وبدائل تكنولوجية حديثة، منها القلادة الإلكترونية وتحديد محل الإقامة، مع النظر فى بعض التشريعات المتعلقة بالأمر، منها قانون الإرهاب الذى يجب إعادة النظر فيه، لأنه يضع تحت طائلته عددًا كبيرًا جدًا من الناس ممن ليست لهم علاقة بالموضوع».

وتابع: «فى كل الأحوال نحن مع أى عقوبة تُفرض على من تورط فى الدماء، خصوصًا فى الفترات التى شهدت تزايد العمليات الإرهابية، ومن الواضح أن مصر خطت خطوات مهمة فى الفترة الأخيرة ونجحت فى التصدى للإرهاب بإجراءات جيدة جدًا، وحان الوقت لإعادة النظر فى القانون، خاصة البنود المتعلقة بالأشخاص المشتبه فيهم على أنهم إرهابيون، وأؤكد أننا ضد الإرهاب تمامًا، ونقف مع الدولة فى كل ما تتخذه من إجراءات لازمة لمنعه وتجفيف منابعه».

وأكمل: «الحوار الوطنى أصبحت له إمكانية أكبر لتنفيذ توصياته، خاصة بعد تعيين المستشار محمود فوزى، رئيس مجلس الأمناء، وزيرًا للشئون النيابية والتواصل السياسى، الأمر الذى سيسهل نقل وجهات نظر المشاركين فى الجلسات لأعضاء البرلمان، ويحرك بعض الملفات نحو الأفضل».

الأمر نفسه أكده أحمد فوقى، رئيس مؤسسة «مصر السلام للتنمية وحقوق الإنسان»، بقوله إن إخلاء سبيل نحو ٧٩ متهمًا من المحبوسين على ذمة قضايا مؤخرًا يُعد انفراجة حقوقية تستحق الإشادة، ومناسبة مهمة لفتح النقاش بشكل أوسع حول إشكالية الحبس الاحتياطى، لا سيما فى ضوء استئناف جلسات الحوار الوطنى وتخصيص جلسة لمناقشة هذه القضية المهمة، التى تستدعى سرعة النظر فيها. 

ودعا «فوقى» إلى تعديل قانون الإجراءات الجنائية لمعالجة قضية الحبس الاحتياطى، عن طريق تحديد الحالات التى يتم تطبيقه فيها بدقة، وتوضيح خطورة الجرائم وتأثيرها على المجتمع، والتركيز على وضع بدائل تكنولوجية متطورة، مثل سوار المراقبة الإلكترونية، مع وضع سقف زمنى للحبس الاحتياطى حتى لا يكون عقوبة فى حد ذاته، ويظل تدبيرًا احترازيًا.

وقال: «الحوار الوطنى فرصة مهمة لنقاش مجتمعى يضم مختلف الأصوات والتيارات والأيديولوجيات، وتخصيص جلسة لمناقشة هذه القضية يؤكد وجود إرادة سياسية حقيقية لحلها، خاصة أن المحور الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فى الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان أكد أهمية علاج هذا الملف بشكل جذرى».

من جانبه، أكد الدكتور محمد ممدوح، رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس القومى لحقوق الإنسان، مطالبة المجلس بإعادة النظر فى استخدام الحبس الاحتياطى كإجراء استثنائى، ليُستخدم فقط فى أضيق الحدود وبشروط محددة، وذلك لضمان احترام كرامة المتهمين وحقوقهم الأساسية.

وقال: «يمثل الحبس الاحتياطى قيدًا على حرية المتهم، ويعرّضه لظروف قاسية قد تؤثر سلبًا على صحته النفسية والجسدية. كما يؤدى إلى وصم المتهم اجتماعيًا، حتى قبل إثبات إدانته، ما يعوق فرص إعادة تأهيله ودمجه فى المجتمع».

وأوضح «ممدوح» أن «القومى لحقوق الإنسان» يعمل منذ بداية فترته الحالية، فى يناير ٢٠٢٢، على إعادة النظر فى استخدام الحبس الاحتياطى، والبحث عن بدائل تحقق التوازن بين متطلبات الأمن واحترام حقوق المتهمين.

وأضاف: «فى هذا الإطار، اقترح المجلس مجموعة من البدائل، تشمل: الضمانات المالية مثل الكفالة أو التأمين، لضمان حضور المتهم أمام جهات التحقيق والمحاكمة، والرقابة الإلكترونية باستخدام سوار إلكترونى لتعقب تحركات المتهم ومنعه من مغادرة مكان محدد، أو الحبس المنزلى مع وضع قيود على تحركات المتهم داخل منزله، بالإضافة إلى إمكانية الحظر من مزاولة بعض الأنشطة، مثل العمل فى وظائف معينة أو السفر خارج البلاد».

وأكد أن بدائل الحبس الاحتياطى المقترحة تتمتع بالعديد من المزايا، منها: حماية حقوق المتهمين، من خلال تجنيبهم السجن قبل إثبات إدانتهم، وتقليل الاكتظاظ فى أماكن الاحتجاز، ما يحسّن من ظروف المحتجزين ويقلل من مخاطر انتشار الأمراض، بالإضافة إلى ترشيد الإنفاق على أماكن الاحتجاز، لأن البدائل أقل تكلفة من الحبس التقليدى.

وتابع: «بالإضافة إلى ذلك، توفر هذه البدائل فرصة أكبر فى إعادة تأهيل المتهمين من خلال دمجهم فى المجتمع بدلًا من عزلهم فى السجون، مع تعزيز الثقة فى منظومة العدالة، من خلال إظهار التزام الدولة باحترام حقوق الإنسان».

وأشار إلى ضرورة اتخاذ خطوات جادة لتطبيق بدائل الحبس الاحتياطى، ما يتطلب تعديلات تشريعية لمراجعة قانون الإجراءات الجنائية ومواد الحبس الاحتياطى وتحديد شروط استخدامه بشكل دقيق، بالإضافة للتطوير المؤسسى، عبر بناء قدرات المؤسسات من خلال تدريب القضاة وأفراد إنفاذ القانون على تطبيق تلك البدائل، والعمل على نشر الوعى المجتمعى حول فوائدها.

وأكمل: «كل تلك الإجراءات المقترحة متوافقة مع الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التى أطلقتها الدولة المصرية فى سبتمبر من عام ٢٠٢١، وقاربت حاليًا على إتمام عامها الثالث».