تامر شيخون: "شفرات القيامة" تتقاطع فيها أحداث الواقع مع استشرافات الرواية (خاص)
على عادة الإبداع الأدبي في استشراف الظواهر المستقبلية، تطرقت العديد من الأعمال الأدبية لسطوة التكنولوجيا الحديثة، خاصة ثورة وسائل الاتصالات على حياة البشر، من بين هذه الأعمال السردية رواية "شفرات القيامة"، والصادرة عن الدار المصرية 2021، وفيها تنبأ مؤلفها تامر شيخون، بالشلل الذي أصاب العالم أمس الأول إثر تعطل نظم تشفير مايكروسوفت.
"الدستور" حاورت الكاتب الروائي تامر شيخون، حول روايته التي حذر فيها من موت الشاشات الزرقاء، واختراقها لكل خصوصيات حياتنا، عبر جهات الأرض الأربع.
شفرات القيامة واستشراف المستقبل
واستهل تامر شيخون حديثه مستشهدًا بمقطع من روايته شفرات القيامة: "اكتملت ملحمة الفوضى الخلاقة. ضرب الوباء الرقمي أمريكا والكرة الأرضية، أصبحت انفجارات البيوت العشوائية خبرًا اعتياديًا..إذا كان فصل البيوت عن الإنترنت هينًا، فالمشكلة أعقد في قطاع البنوك التي تلّقت هجمات شرسة سَطَت على الأرصدة وحوّلت الأموال بين الدول والفروع المختلفة. لكن يظل ذلك أهون من كارثة الطيران الدولي، حين تعرضت بعض الرحلات لخلل في أجهزة الملاحة، وبدأت الطائرات التحليق خارج مساراتها الصحيحة!".
وقال شيخون موضحًا: استدعت الأحداث الأخيرة للعطل الرقمي الذي ضرب نُظُم المعلومات في مطارات وبنوك العالم، تلك الفقرة من رواية شفرات القيامة التي صدرت منذ ثلاثة أعوام إلى ذاكرتي، وهى لم تكن المرة الأولى التي تتقاطع فيها أحداث الواقع مع استشرافات الرواية.
الأدب، هو فن إعادة رسم الواقع بعين حالِمَة وعقل حُر، لكن رسم الواقع يتطلب بالضرورة، قراءته بعمق ورصده بتجرد.
لذلك علاقة الأدب والفن باستشراف المستقبل، علاقة كلاسيكية، رُصِدَت تباعًا عبر العديد من الأمثلة. لعل من أشهرها تنبؤ الأديب جورج أورويل في روايته الخالدة "1984"، بسقوط النظام الشيوعي في الاتحاد السوفيتي. الرواية التي صدرت عام 1944 ثم صودرت نسخها في الاتحاد السوفيتي ثم تحققت النبوءة بعد أربعة وأربعين عامًا من صدورها.
في عالمِنا العربي أيضًا، تحققت نبوءة نجيب محفوظ بهزيمة 67 عبر أحداث "ثرثرة فوق النيل" التي صدرت قبل عام من وقوع النكسة.
ولفت شيخون إلى أن الأمر لا يتعلق بقدرات خاصة على التنبؤ أو مهارات تحليلية خارقة، بل بصدق الكاتب أو الروائي في التفاعل مع قضايا مجتمعه والإنسانية بوجهٍ عام عبر الملاحظة وتدبر التاريخ والاطلاع على مستجدات الحياة.
لا يتعمد الكاتب الدخول في لعبة التنبؤات أو التخمينات المستقبلية، إنما يبقى مشغولًا بهموم إنسانية عامة، تدفعه إلى التعبير عن أفكاره ومشاعره للقراء.
مثلًا في رواية شفرات القيامة، كنت مهمومًا بمالآت ثورة المعلومات الرقمية والذكاء الاصطناعي على الأجيال القادمة. كيف سيتشكل وعيهم؟ ماذا ستكون مرجعيتهم الفكرية والروحية؟
مركزية البيانات
واستكمل تامر شيخون: عبر اطلاعي على كتب وأبحاث تناولت مسارات وتوقعات مستقبل التكنولوجيا والاتصالات والمواصلات والتطبيقات الرقمية، خلصتُ أن ما يميز تلك الطفرة الجديدة من التكنولوجيا عن الطفرات التاريخية السابقة "الثورة الزراعية، الصناعية، الكمبيوتر..إلخ" هو:
1- مركزية البيانات: إذ حوَّلَت التكنولوجيا الرقمية جميع البيانات إلى أكواد أو خوارزميات تنتقل من جهاز لآخر ومن نظام لآخر. وهو الأمر الذي يساعد على سهولة التسارع في التطور، لكنه أيضًا يضاعف مخاطر الاختراقات. لأن اختراق جهاز أو نظام واحد، قد يسهل اختراق العديد من الأنظمة الأخرى.
2- لا مركزية المعرفة: على عكس تكامل وتجانس البيانات، أصبحت المعلومات متاحة لأي فرد متصل بشبكة الإنترنت في أي بقعة في العالم. بقدر ما يمنح ذلك الأمر قوة المعرفة لأكبر عدد من الناس، بقدر ما يمنح الراغبين في إحداث خلل في تلك الأنظمة، استجابةً لدوافع عديدة، القُدْرَة على تنفيذ مخططاتهم.
3- تماهي الحكومات والأفراد على اختراق الأنظمة: في ذلك العالم الرقمي الجديد، لا تجد العديد من حكومات الدول الكبرى، حرجًا في الاستعانة بأفراد، مهرة في اختراق أنظمة المعلومات. وبفكرٍ مكيافليٍ خالص، تجدُ في غاية الاطلاع على الدول "المعادية"، أو حتى تخريب أنظمتها، تبريرًا كافيًا للجوء إلى أساليب غير شرعية، بل والاستعانة بالمَهَرَة من الخارجين عن القانون "مثل الهاكرز".
رسمتُ نسختي الخاصة من العالم عام 2036 وما يليها، معبراً عن رؤيتي الخاصة..عن مخاوفي حول مصير البشرية. لكن غرضي من هذا الاستبصار هو إمتاع القارئ أولًا والاشتباك مع أفكارِه ثانيًا وإلقاء الضوء على مخاوف، أراها شرعية أو على أقل تقدير، جديرة بالمناقشة والتأمل. أو هكذا آمل.