رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سمية عبد المنعم: النقد الأدبى فى مصر والوطن العربى يعانى أزمة كبيرة

سمية عبد المنعم
سمية عبد المنعم

سمية عبد المنعم .. قاصة وشاعرة وناقدة، وأخيرًا بعد مشوار طال لعشر سنوات من النشر، تطرق باب الرواية، بمشروع روائي جديد، اختارت له عنوان "جمهورية إمبابة"، فبعد ثلاث مجموعات قصصية "جنون الحب، رغبة، سرير فارغ" وديوانين في شعر العامية "شبابيك، حنين"، وكتاب نقدي، ومقالات عدة، ومشاركات عدة في فعاليات ثقافية مختلفة، تحط جناحيها فوق عالم الرواية، متخذة من الطابع الاجتماعي والسياسي قالبا مميزا.

سمية عبدالمنعم، مساعد مدير تحرير جريدة الوفد، والقاصة والشاعرة، تحدثنا في ذلك الحوار عن إبداعاتها وقضايا ثقافية وفكرية شائكة وعن انطباعاتها ككاتبة حول بعض القضايا الرائجة.. فإلى نص الحوار... 

 

بعد روايتك الأولى "جمهورية إمبابة"، ما الجديد؟ 

- بين يديّ مشروع إبداعي جديد، ربما ليس جديدًا على قلمي، فلطالما كتبت في ذلك المجال قديما، لكنني لم أصدر كتابا فيما يخص الفن من قبل، فأنا بصدد الانتهاء من كتاب عن العظيم عبدالحليم حافظ، أظنه يتناول زوايا مختلفة من حياته، لم تُطرق من قبل. 

 

 تكتبين القصة والمقال والرواية والشعر، فلماذا تطرحين روايتك الأولى الآن؟

- ربما لا يعرف الكثيرون أنني حين بدأت أطرق عالم الإبداع صغيرة كنت أكتب الرواية، بل كتبت منها سلاسل كاملة، البوليسي والاجتماعي والرومانسي، ثم هجرتها دون قصد حيث عالم القصة القصيرة الذي أغواني، فسرت إليه كالهائمة، ومازلت، وارتضيت تجاربي بها وكللتها بالنشر.

إلا أن ما دفعني للعودة إلى عالم الرواية، ليس إغراء متطلبات سوق النشر مثلما يزعم الناشرون وغيرهم،  حين يحاول بعضهم فرض ذائقة ما ولون ما على القراء، مستندين إلى مصطلحات نقدية راجت مؤخرا، إنما هو ذلك الزخم من الأحداث التي تقدمها "جمهورية إمبابة"، والتي ظلت تلح على مخيلتي لأكثر من عشرين عاما متصلة، وأنا أرجيء إخراجها للورق، حتى استحال الإلحاح تأريقا، وما عدت أجد سوى كتابتها سبيلا للخلاص، خاصة أنها تتناول فترة حرجة من تاريخ مصر وتاريخ تلك البقعة منها، إمبابة، حيث أحداث سياسية واجتماعية متداخلة، صنعت مزيجا عجيبا، شكل فيما بعد شخصية المصريين وأثر على التحولات الديمجرافية والسيكولوجية للشخصية المصرية، وأزعم أن إجابات كثير من تساؤلاتنا حول تلك الهوة بين الأجيال، تكمن في أحداث فترة التسعينيات، متمثلة في منطقة إمبابة.

 

كيف ترين صدى مقالاتك في مسار إبداعاتك الثقافية؟ 

- كوني في الأساس صحفية أهتم بالشأن والملف الثقافي، وعودة لطبيعتي كقاصة أنتمي لعالم الإبداع، قد أثر بشكل واضح على طبيعة مقالاتي، فصارت تتماس مع القضايا الثقافية، وحتى ما يعد منها سياسيا، فإن قلمي يخطه في قالب إبداعي، يقترب في مجمله من القصة الصحفية أو المقال القصصي، لذا فإنني أرى تأثرا وتأثيرا جليين، بين مقالاتي وكتاباتي الأخرى، ما جعل للأمر تميزا ألمسه في آراء القراء، ويسعدني صداه كثيرا. 

 

 بعد 7 أعمال متنوعة.. حدثينا عن نظرتك لمستقبل الرواية في ظل حروب الهوية والديانات والأعراق؟

- لا شك أنه على مدار التاريخ الإنساني عامة سيظل المنتج العقلي والفكري أيا كان جنسه، يشهد تجاذبا وتعاطيا مع مؤثرات الصراع البشري، وهو ما تبدت ظلاله على الإبداع بأشكاله، فما من حرب الا ووضعت أوزارها بين صفحات كتاب، وما من ثورة أو انقلاب أو حركة إلا وكان لها أثر في كتابات وإبداع المبدعين، بل وعلى استحداث أنواع أخرى من التعبير، وظهور مدارس واختفاء أخرى، فكانت مثلا للثورة الفرنسية

أثرها المباشر على الفن والثقافة في تاريخ الفن الأوروبي، وكانت سببًا من أسباب ظهور المدرسة الرومانسية والسينما الفرنسية بفرنسا وأحد أهم أسباب اكتشافها وتطورها.

وعطفا على ما سبق، فقد كان لتحولات ما بعد ٢٠١١، وثورات الربيع العربي، أثر في انتزاع بعض الفنون والإبداعات من عرش مكانتها وإحلال أخرى محلها، وهو ما حدث مع الرواية، حيث لمع نجمها، وصارت مبتغى المبدعين والقراء، ربما لما شابه العقل المصري والعربي من شعور بالرغبة في الحكي، والبحث عن الذات المفقودة عنوة بين سطور كتاب تتضخم صفحاته، البحث عن فجوة تبتلع ذلك الخواء والشعور بالفراغ واللاشيء الذي انتاب النفوس بعد اخفاقات تلك الثورات واحدة تلو الأخرى في كل بلد زارته، فكانت الرواية هي السلوى، والملجأ والمبتغى.

وربما ظلت الرواية كذلك لسنوات أخرى مقبلة، إلا أنها لن تستطيع الحفاظ على ذات المكانة خاصة بعدما بدأت فنون مثل القصة القصيرة تزاحمها وتتخذ لها مكانا أثيرا بجانبها. 

 هل ينتهي إحساس الكاتب بالخلاص مع انتهائه من كتابه أم أن هناك مفهوما آخر للخلاص؟

- حلم النشوة والخلاص حلم أبدي لا ينتهي أبدا، فكلما ظن الكاتب أنه وصل مبتغاه وحقق سلواه بنص ما، بزغت لديه أحلام أخرى تستولد نصوصا أكثر فأكثر، فالمبدع يكتب ليحيا، هكذا الكتابة، كجرعة هواء تنعش رئتينا عند الاختناق بأفعال الزمن، فلا تخمد حاجتنا إليها مادمنا نحيا.

 حدثينا عن خارطة النقد بمصر والعالم العربي، من خلال اشتباكه مع نصوصك؟ 

-  أولا لنتحدث عن النقد بمصر بشكل عام، والحقيقة التي لا يمكن إغفالها هنا أن النقد الأدبي بمصر والوطن العربي يعاني أزمة كبيرة، قد سقط فريسة لها منذ سنوات بعيدة، ربما استطعت إيجازها في ثلاثة أسباب؛ أولها تلك الفجوة الواسعة بين الناقد والقارئ، خاصة ذلك الناقد الذي يصر على أن يقدم نقده مغلفا بمصطلحات أكاديمية وغربية يصعب فهمها إلا على المتخصصين، وهو ما يجعل النقد يحلق بعيدا في سماوات خاصة به، الأمر ذاته قد حدث بين الناقد والمبدع، فلم تعد هناك قنوات اتصال بينهما، فبدلا من أن يؤدي النقد رسالته الحقة ويصبح رقيبا ومقوما ومشيدا، يتفاعل مع النص وكاتبه، أصبح منفصلا عنهما، يغرد في سماء المصطلحات فحسب، بل وقع بين براثن المجاملة والشللية، وذلك هو السبب الثاني الذي يشكل أزمته.

وقد قالها يوما يوسف إدريس "النقد في السر مساومة"، وقد ساعدت وسائل التواصل كثيرا في شيوع تلك المجاملات، بظهور  ما يسمى "الرفيو"، وهي قراءة انطباعية، يفعلها غير الناقد، وقد يقوم بها كاتب لصديق مجاملة له، وكثيرا ما تكون تلك الريفيوهات غير صادقة، مما يجعل ما يطفو على السطح ما لا يستحق، ويبخس كثيرا من حقوق الإبداع الحق.

ويتمثل السبب الثالث في عدم وجود دعم مؤسسي دولي لحركة النقد بمصر، فالأمر يحتاج لتضافر المؤسسات الثقافية لدعم المشروعات النقدية التي تستحق، والتي قد ينتج عنها مناهج نقدية جديدة خاصة بنا، تكفينا حد التأثر بالمناهج الغربية.

ورغم ذلك فمازال الأمل معقودا بوجود العديد من النقاد الموضوعيين، الذين لا يحلقون بعيدا، ولا يتخذون من المجاملات عنوانا لنقدهم، بل يتسمون بالموضوعية والحيادية، ويقدمون قراءات تفيد كلا من الكاتب والقاريء على حد سواء، ولا أبالغ إن قلت إن الله قد حباني بهذا النوع الفريد من النقاد، خاصة فيما يتعلق بمجموعتي الأخيرة "سرير فارغ"، والتي حظيت بدراسات نقدية محترمة، وأفردت لها ملفات كاملة في بعض المجلات الثقافية، وهو ما يفتح أمام عيني باب الأمل على اتساعه في إمكانية عبور النقد الأدبي لأزمته.

 

 عن الجوائز، هل هناك عتبات بعينها تخص لجان التحكيم في مصر والوطن العربي؟ 

_  لا يمكننا أن ننكر دور الجوائز الأدبية فى إقبال القراء على الأعمال المتسابقة أو الفائزة، فيكفي أن يصل العمل للقائمة الطويلة أو القصيرة حتى تنهال الحوارات الصحفية ويقدم القراء على شراء تلك الأعمال، وتقدم الدراسات النقدية والريفيوهات، خاصة إذا كان العمل يثير بعض اللغط والجدل.  

 للأسف، بعض تلك الجوائز ومنها ما هو شهير حقا، تدور حوله وحول مشروعية نتائجه الكثير من الشبهات، بل إن بعضها تثار علامات استفهام حول حقيقة تمويله ومصدره، وهو ما يجعل الحديث عن تلك الإشكالية يسبب لي الكثير جدا من الألم والحزن، يكفي أنني قد هجرت الاشتراك في أي من المسابقات الأدبية لسنين طويلة، ربما لم يقطعها سوى رغبتي في الخروج من حالة حزن تملكتني، إلا أن واقع الأمر مزرٍ، فقد تصنع الجائزة نجما ممن لا يستحق، وتظلم من يستحق، فالهدف الأكبر من الجوائز الأدبية هو تقديم الأعمال المميزة للقارئ وتعريفه بها، إلى جانب تشجيع المبدعين، لكن ما يحدث في بعضها على العكس تماما.

 

عن زمن الرواية، الشعر، القصة.. أين أنت من كل هذه الأزمنة، وما موقفك تجاهها؟ 

- دعني أعبر أولا عن اختلافي كلية مع أستاذي الدكتور جابر عصفور، والذي أطلق بيننا مصطلح "زمن الرواية"، في كتابه الأشهر "زمن الرواية"، استنادا إلى كون الرواية تعد تأريخا لحقب وأحداث وشخوص ومشاعر، لأن الأمر ذاته يحدث مع كل صنوف الإبداع، فما من جنس أدبي إلا ويؤصل لشعور ما أو حدث أو حتى فكرة ما، وهو داعي الإبداع عامة، ولا تستأثر به الرواية وحدها، ولا القصة فحسب ولا الشعر بمفرده، فتلك المصطلحات هي التي تثير فصلا ونزاعا مفتعلا بين المبدعين على اختلاف ما يكتبون، فيرى الروائي أنه وحده المبدع الحق والقاص يرى قصر يد الروائي عن التعبير عن لقطة مكثفة، فيما يرى الشاعر أنه وحده مالك الحرف وملك المجاز، وكل ذلك لا يصب إلا في تشرذم الإبداع وضياع أثره الحق واختفاء رسالته وعدم جدواها.

وعليه فإنه لا يتبقى من تلك المصطلحات سوى غثاء، ولا يبقى من الإبداع الا ما وقر في نفس القارئ وأشبع روحه وانتزع منه آهاته. 

 

 حدثينا عن رمز أدبي كان له سطوة اختيارك لمجال الكتابة؟

- دائما ما يكون للقراءات الأولى الأثر الطويل والمحرك الباعث لجني الكتابة داخلنا، ورغم تنوع قراءاتي في فترة التكوين ما بين الأدب الروسي والإنجليزي والعربي، وما بين علم النفس وشغفي به وبالتاريخ، إلا أنني لا أنكر تأثري الواضح بالعظيم يوسف إدريس، والذي دفعتني عبقرية قلمه لطرق مجال الكتابة وخاصة القصة القصيرة التي كان هو رائدها، وللحقيقة مازال إدريس ملهمي وأستاذي الذي لا أمل النهل من عبق إبداعه. 

 

حدثينا عن طقوس الكتابة في تلك الأيام، وعلاقة الحياة بالكتابة؟

- الكتابة ظل الحياة الجميل، وراحة النفس المتعبة، ومستقر الروح القلقة، فلا إبداع دون حياة، وكلما زاد صخب وزخم تلك الحياة صارت الكتابة أكثر ثقلا ومتعة وقربا، ودائما ما أقول إن الكتابة التي لا تحمل جزءا من روح كاتبها هي كتابة زائفة مصطنعة، فظلال الذكريات تلوح بين ما نكتب، هذا أكيد ولا ريب فيه.

وعليه فإن الكتابة في أيام الأعياد ربما ليست واردة، لكن الكتابة عنها واردة وموجودة، تطفو بعد انتهاء أجواء وأقول العيد التي تلتهم جل الوقت وجل التركيز الذي يحتاجه الإبداع، وقد تستدعي شعورنا بها في لحظات صفاء تختارنا لنكتب.