رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"هنا البسايسة".. "الدستور" فى أول قرية تعتمد على الطاقة الشمسية بالكامل

قرية تعتمد على الطاقة
قرية تعتمد على الطاقة الشمسية بالكامل

منذ عقود طويلة، وتحظى قرية «البسايسة» بمحافظة الشرقية بالريادة فى مجال استخدام الألواح الشمسية، كمصدر طاقة نظيف وبديل للمصادر التقليدية المعتمدة على الوقود لتوليد التيار الكهربائى داخل المحطات، التى بدورها توزعه على منازل المواطنين. مَن يسير فى شوارع «البسايسة» وينظر إلى الأعلى، يجد أسطح معظم البيوت وهى مغطاة بالألواح والخلايا الشمسية التى تولد الطاقة الكهربائية للمواطنين بأقل التكاليف الممكنة، وتجنبهم الكثير من الأضرار الصحية الناتجة عن استخدام الوقود التقليدى، أو التعرض لأزمات انقطاع التيار مع خطط «تخفيف الأحمال». 

ويعود الفضل فى هذه الريادة إلى عالم مصرى يدعى الدكتور صلاح عرفة، أستاذ الفيزياء بالجامعة الأمريكية، وأحد أبناء القرية، الذى أقنع أهل «البسايسة» بتشغيل المنازل بالطاقة الشمسية عقب عودته من السويد عام ١٩٧٨، حيث جلب معه خلية شمسية، وعمل على تجريبها داخل القرية، وتعريف الأهالى بهذه الثقافة، ثم تعميم التجربة فى أغلب البيوت والمنازل. 

وبعد كل هذه الأعمال، وفى ظل أزمات الطاقة العالمية والمحلية، تعود «البسايسة» للظهور كنموذج يحتذى به فى التطوير وابتكار الحلول المختلفة بعيدًا عن الأنماط التقليدية عبر تأسيس جمعية تحمل اسم القرية، وتساعد الأهالى فى إنشاء الوحدات الشمسية، لدرجة تحقيق الاكتفاء الذاتى من التيار الكهربائى. 

وأجرت «الدستور» جولة ميدانية فى القرية طالعت فيها قصص نجاح الأهالى فى تأمين مصادر الطاقة عبر الألواح الشمسية، وتحدثت معهم حول تجاربهم فى تطوير تلك الثقافة وتعميمها، وتفاصيل أخرى.

سالم فتحى: حياتى اختلفت تمامًا بعد تركيب محطة صغيرة بقدرة 2 كيلووات 

حكى سالم فتحى، أحد أهالى قرية البسايسة، تجربته مع استخدام الألواح الشمسية، قائلًا إنه كان يعانى انعدام الكهرباء فى منزله هو وجيرانه، بشكل أثر على ضخ المياه، الذى أثر بدوره على كل مناحى حياته هو وأبناؤه الثلاثة وزوجته.

وقال إنه قدم إلى شركة الكهرباء أكثر من طلب للموافقة على إمداده بوصلة كهرباء لكن دون جدوى، حيث كان التخطيط العشوائى للقرية أبرز العراقيل وحرم أغلب المنازل من دخول التيار، مضيفًا أنه اضطر إلى الانتقال للعيش هو وأسرته فى منزل صديق له فى قرية مجاورة، تاركًا منزله وأرضه فى «البسايسة».

وأضاف أنه عاش حياة صعبة لمدة عامين، حتى سمع عن دخول الألواح الشمسية فى القرية، ومن هنا قرر خوض التجربة، قائلًا: «بمساعدة جمعية البسايسة استطعت تركيب محطة شمسية منزلية صغيرة بقدرة ٢ كيلووات فى الساعة على سطح منزلى، وأصبحت لا أعتمد على الكهرباء فى أى شىء داخل المنزل، فكل الأجهزة تعمل عبر الطاقة الشمسية حتى ماتور المياه، وانتقلت للعيش فى منزلى، وعُدت لحياتى القديمة». 

«ممدوح»: الفكرة جعلتنى أحصل على الطاقة من مصدرها الطبيعى

قال «ممدوح»، ٣٢ عامًا، من قرية البسايسة، إنه كان يقطن فى أحد المنازل غير المخططة التى لا تدخلها الكهرباء ولا المياه بالتبعية، وطالب شركة الكهرباء بتوصيل التيار إلى منزله على حسابه، لكن وجد أن الأمر سيكلفه مبالغ طائلة.

وأضاف: «أزمات الكهرباء كانت كثيرة والمعاناة كانت متصاعدة، لكن فكرت فى خوض تجربة تركيب الألواح الشمسية فى منزلى وكذلك سخان شمسى، للحصول على الطاقة من مصدرها الطبيعى والأصلى». وتابع: «الألواح تشتريها مرة فى العمر ولا تحتاج شيئًا فى الصيانة سوى التنظيف كل فترة، كما أنها صديقة للبيئة بشكل كبير ولا تضر بصحة الإنسان، ولكن الكهرباء مكلفة وفى نفس الوقت تضغط على ميزانية الدولة».

محمد سليم: التكلفة 200 ألف جنيه وجمعية القرية تتولى التركيب للمنازل بالتقسيط

قال محمد سليم، مدير جمعية البسايسة، وأحد أهالى القرية الذين يستخدمون الألواح الشمسية فى المنازل، إن القرية كانت تعانى الانقطاع المتكرر للتيار، ما دفع الأهالى للبحث عن بدائل، من أجل إنارة بيوتهم وتحقيق متطلبات المعيشة.

وحكى أن الأهالى نجحوا فى فترة السبعينيات فى تشغيل التلفاز والراديو ومواتير المياه عبر الطاقة الشمسية، ومع دخول حقبة الثمانينيات بدأوا فى استخدام الألواح الشمسية، وبعد عدة سنوات تم تنفيذ أول محطة طاقة شمسية بقدرة ١٠ ك/ وات فى الساعة. وتم تحويل القرية إلى مركز للطاقة النظيفة.

وتابع: «بدأت البيوت تأخذ وصلات من تلك المحطة، وتم الاعتماد على الطاقة الشمسية فى إنارة المنازل وتشغيل الأجهزة بشكل كامل»، مبينًا أنه بعد ذلك تأسست الجمعية وبدأت تسهم فى تنفيذ الألواح على أسطح المنازل بقدرة من ٢- ٥ كيلووات فى الساعة.

وأكمل: «من يريد إنشاء ألواح شمسية على سطح منزله فى القرية، يمر بعدة مراحل بسيطة، تبدأ بإرسال متخصصين من الجمعية لقياس استهلاك المنزل فى الساعة من الكهرباء لتحديد سعة الألواح المطلوبة، عبر قياس فترة الإضاءة النهارية والقدرة التخزينية للبطاريات على مدار ٢٤ ساعة، وذلك فيما يشبه الدراسة».

وواصل: «تمد الجمعية صاحب المنزل بالألواح الشمسية اللازمة بنظام التقسيط، وتتراوح التكلفة بين ١٥٠ و٢٠٠ ألف جنيه، لكنها توفر كثيرًا على صاحب المنزل بسبب توفير الكهرباء، فضلًا عن أنه نظام صحى صديق للبيئة والإنسان».

وأشار إلى أنه حين تسير فى قرية البسايسة سيلفت نظرك سريعًا الساخانات الشمسية على الأسطح التى تعتمد على الطاقة الشمسية بشكل كبير، لأن حرارة الشمس تسخن المياه داخل السخان عبر الألواح الزجاجية الموجودة والمغطاة بالأسود ثم تولد الطاقة.

محمد أمين: أنتجنا البيوجاز بإعادة تدوير المخلفات الصلبة وروث الحيوانات

قال محمد أمين، أحد أهالى قرية البسايسة، الذى يستخدم ألواحًا شمسية فى منزله لتوليد الكهرباء، إن جمعية القرية هى أولى الجمعيات التى انتهجت طرقًا جديدة مختلفة للعيش فى بيئة آمنة ومهيأة لاستخدام الطاقة النظيفة.

وأضاف أن الجمعية ساعدته فى تركيب تلك الألواح، وعملت على نشر الوعى لدى أهالى البسايسة حول أهمية وكيفية استغلال الطاقة الشمسية والاستفادة منها بالشكل الأمثل.

وبيّن أن «البسايسة» أولى القرى التى تمكنت من تحقيق الاكتفاء الذاتى من التيار عبر استخدام الموارد الطبيعية، وتمكنت من توليد البيوجاز عبر إعادة تدوير المخلفات الصلبة وروث الحيوانات بأقل تكلفة.

وقال: «أصبحنا قرية صديقة للبيئة بفضل مجهودات الدكتور صلاح عرفة، إخصائى الفيزياء وعالم الطاقة المتجددة، ورائد التنمية المستدامة، التى بذلها لتحقيق تلك المعادلة الصعبة فى إنشاء أول قرية صديقة للبيئة».

وأردف: «استجاب عدد كبير من أهالى القرية لمبادرات استخدام الأجهزة التى تعتمد على الطاقة النظيفة من الشمس والمولدة للكهرباء، وذلك بعد نجاح التجربة والعائد الكبير الذى حصلنا عليه من استخدام الألواح داخل المنازل، كونها تعمل على توفير الاستهلاك مع استخدام الطاقة البديلة وتوفر الكثير من الأموال».

وكشف عن أن جمعية البسايسة أطلقت عددًا من الورش التدريبية لتعليم الأهالى كيفية استخدام الأجهزة المعتمدة على الطاقة الشمسية، خاصة مع استمرار تنامى المخاوف البيئية، ورغبة الأهالى فى الاكتفاء ذاتيًا، وقد زاد معدل تثبيت الألواح الشمسية على أسطح المنازل لتوليد الكهرباء كثيرًا خلال الفترة الماضية.

ورأى أن استخدام الأجهزة المعتمدة على الطاقة الشمسية أحدث فارقًا كبيرًا فى قرية البسايسة، قائلًا: «أنا واحد من المستفيدين، وألجأ إلى استخدام سخان مياه بالطاقة الشمسية للتسخين، وهذا وفر علىّ كثيرًا أنا وأسرتى ونستخدم مياهًا ساخنة دائمًا فى أى وقت حتى لو انقطعت الكهرباء».

صلاح عرفة: استخدمنا أدوات لتغيير اتجاه أشعة الشمس لتكون عمودية على أسطح البيوت

تُعد تجربة الدكتور صلاح عرفة، الذى يعود له الفضل فى نشر ثقافة الألواح الشمسية فى القرية، نموذجًا يحتذى به فى النجاح والعمل والفكر المتطور.

والتحق «عرفة» بقسم الفيزياء بالجامعة الأمريكية فى مصر، وعقب حرب ٧٣ بدأ يفكر كيف ننمى القرى الفقيرة الموجودة فى مصر عبر العلم، وكانت قريته معزولة ونائية وتفتقر لكل مناحى الحياة الأساسية، خاصة الكهرباء، إذ كان بناؤها عشوائيًا وغير مخطط تمامًا.

وقضى الدكتور صلاح نحو ١٠ أشهر فى مدينة أوبسالات بالسويد، بعد حصوله على منحة بحثية هناك، تعلم خلالها الكثير، وحينما عاد إلى بلده بدأ يفكر كيف يستثمر ما تعلمه فى صالح أهله. وذهب «عرفة» إلى قريته بنية التطوير عبر العلم والمعرفة، وأجرى حوارًا مجتمعيًا فى مضيفة القرية، وتحدث مع الأهالى حول فكرة إدخال الألواح الشمسية فى كل منازل ومبانى القرية.

وقال الدكتور صلاح، لـ«الدستور»: «المساعدات المالية الأولية جاءت من الجمعيات الأهلية سواء فى المحافظة أو خارجها، فكانت البداية تشغيل التلفاز والراديو عبر الطاقة الشمسية، وكان هناك تلفاز واحد فى المقهى يجتمع حوله أهل القرية، ثم تم إنشاء أول محطة لإنتاج الطاقة الشمسية، وتركيب وصلات إلى المنازل والدكاكين والورش ومراكز التدريب».

وأضاف: «بعد فترة بدأت الجمعيات تشارك فى المشروع بشكل أكبر، عن طريق إنشاء وحدة توليد الطاقة الشمسية وتوزيعها على البيوت، ثم بدأ أهالى القرية يطالبون بأن تكون لديهم ألواح شمسية على أسطح المنازل، فبدأ النظام الشمسى النظيف يدخل إلى القرية».

واختتم بقوله: «تطورت الفكرة إلى أن أصبحت هناك سخانات شمسية، تعتمد على أدوات لتغيير اتجاه أشعة الشمس كى تكون عمودية على السطح، وتوالى تركيب الأفران الشمسية والاستفادة من تجميع أشعة الشمس، وتوجيهها لتوفير التيار وتشغيل القرية بأكملها».