القاتل الصامت.. حكايات من دفتر ضحايا «الضغوط النفسية»
في مشهد مؤثر هزّ أركان الساحة الرياضية المصرية أُسدل الستار، أمس الأول، على قصة كفاح استمرت 4 أشهر حين أعلن عن رحيل النجم الشاب أحمد رفعت، لاعب مودرن سبورت عن عمر ناهز 31 عامًا (مواليد يناير 1993).
وبدأت أزمته الصحية في مارس الماضي على أرض ملعب مباراة التي جمعت مودرن سبورت والاتحاد السكندري، في لحظة مفاجئة توقف قلب رفعت عن النبض، ليتحول الملعب من ساحة للمنافسة إلى مسرح لمعركة من نوع آخر.. معركة مع الموت.
وفي سباق مع الزمن، نُقل رفعت إلى المستشفى حيث حارب الأطباء لإنقاذ حياته، استمرت محاولات إنعاش القلب لأكثر من ساعتين، تخللتها أكثر من عشرين محاولة لإعادة نبضات القلب باستخدام الصدمات الكهربائية.
وبعد صراع مرير، نجح الأطباء في إعادة رفعت إلى الحياة وعلى مدى الأشهر الأربعة التالية ظل رفعت يصارع المضاعفات الصحية الناتجة عن تلك اللحظات العصيبة والتي على أثرها ظل في غيبوبة لمدة ما يقرب من 3 أسابيع، بحسب تصريحاته في آخر لقاء تلفزيوني له مع الكابتن إبراهيم فايق.
وأمس، في لحظة أدمت قلوب عشاق الساحرة المستديرة، أعلن نادي مودرن سبورت الخبر الذي لم يرد أحد سماعه، فقد خسر رفعت معركته الأخيرة بعد تدهور حاد في حالته الصحية، وودعت مصر ابنها البار، تاركًا وراءه إرثًا من الذكريات الجميلة وقصة كفاح ستظل محفورة في ذاكرة كرة القدم المصرية لسنوات قادمة.
ورغم ما تم الإعلان عنه من بيانات رسمية أن وفاة رفعت كانت نتيجة تدهور حالته الصحية، إلا أن المقربين منه أعلنوا أن السبب هو ضغوطات نفسية تعرض لها اللاعب، فقد أعلن طبيبه أن "رفعت" عاني من ضغوط نفسية شديدة لم يستطع الكشف عنها، مفضلًا ترك هذا الأمر لأسرته لرفع الستار عنها.
والسؤال هنا هل تتسبب الضغوطات النفسية في الوفاة، والإجابة نجدها في الحكايات التالية التي يعلق عليها عدد من الأطباء والمتخصصين.
"نادر" عندما يصبح فقدان الوظيفة قاتلًا
في قلب القاهرة الصاخبة، تتكشف مأساة إنسانية وهي قصة نادر، الشاب الثلاثيني الذي تحول فقدانه لوظيفته إلى رحلة مؤلمة انتهت بفقدانه لحياته، وحدثنا عنها صديقه أحمد الذي عايش المراحل التي مرّ بها نادر إلى أن لاقى وجه ربه في سبتمبر 2022.
بدأت القصة عندما قررت الشركة التي عمل بها "نادر" -اسم مستعار- منذ تخرجه الاستغناء عن خدماته، رغم أن الشركة تعاملت بمهنية، فحصل منها على جميع مستحقاته كما تكفلت بعلاجه لاحقًا، إلا أن الصدمة كانت أكبر من قدرة "نادر" على التحمل.
وبنبرة حزينة، تابع "وجد نادر نفسه في دوامة من الخوف من المستقبل في سن الـ36 مع زوجة حامل وطفلة صغيرة، بدأ يرى نفسه عاجزًا عن إيجاد فرصة عمل جديدة، وهذه الأفكار السلبية لم تكن مجرد هواجس عابرة، بل تحولت إلى سم بطيء بدأ يسري في جسده".
وعن مرحلة الخطر، بدأ أحمد يستعيد مشاهدها، وروى: "بدأ جسم نادر في مهاجمة نفسه، جهازه المناعي، الذي من المفترض أن يحميه، أصبح عدوه الأول، وبدأت صفائح الدم في التكسر دون سبب واضح، في ظاهرة حيرت الأطباء، وبعد علاج مكثف، بدا أن حالة نادر قد استقرت، فعاد إلى منزله، لكن الأمل كان خادعًا".
وفي أيامه الأخيرة، التي لم تكن ببعيدة عن وقت استقرار حالته كان يحاول النهوض من سريره، لكنه شعر بالعجز وهذا الشعور كان القشة الأخيرة التي قصمت ظهر البعير، فدخل نادر في غيبوبة لم يستفق منها، ليرحل بعدها بثلاثة أيام فقط.
*يعاني من الاكتئاب نحو 280 مليون شخص في العالم، وفق ما ذكرت منظمة الصحة العالمية عبر موقعها الإلكتروني.
صبري عندما تتحول الشهرة إلى قاتل
القصة التالية وقعت في فبراير 2021 التي تدور حول "صبري" -اسم مستعار- الذي يعمل في إحدى شركات الإنتاج الفني، والذي رحل في صمت، تاركًا وراءه دروسًا قاسية عن الوحدة والإهمال في عالم الشهرة الزائفة.
ويحدثنا عن قصته صديقه تامر، فقال إن صبري عمل في إحدى شركات الإنتاج الفني المعروفة، وكان مشهورًا في هذا الوسط، ولم يختلف عليه أحد في مرحه وحسن تصرفه في أي عراقيل قد تصادفه، لكن حاله تغيّر تمامًا، حينما قررت الشركة الاستغناء عن خدماته، فبات يتوسل لاسترداد مستحقاته أو العودة إلى عمله، لكن صرخاته ذهبت أدراج الرياح.
وبنبرة حزينة، تذكر "تامر" معنا أنه صديقه شعر بالقهر بسبب ما تعرض له من ضغوطات حياتية بعد تصفيته من العمل، فبدأ ببيع أثاث منزله، متنقلًا من شقة إلى أخرى أصغر، عاجزًا عن دفع الإيجار، وأصبح وحيدًا في معركته مع الديون المتراكمة، بينما تناسته الأغلبية العظمى من زملائه السابقين.
وبصوت يعتصره الألم، قال تامر إنه انتشر خبر وفاة "صبري" كموجة صادمة بين أصدقائه، كيف اكتشفوا رحيله؟ ومن الذي علم أولًا؟ أسئلة كثيرة بقيت بلا إجابة، تاركة وراءها حسرة وألمًا، ورحل الرجل الذي كانت ضحكته تملأ الدنيا بهجة، والذي لم يعرف عنه سوى الخير.
استشاري نفسي: الاكتئاب قد يقود للانتحار
بسبب تلك الحالات المأسوية التي فتح جراحها من جديد وفاة اللاعب أحمد رفعت، تحدث د.جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، محذرًا من خطورة مرض الاكتئاب، خاصة النوعين الوجداني والتفاعلي.
وأوضح فرويز في حديثه، أن المرض يبدأ بفقدان الشغف بالحياة، مرورًا باضطرابات النوم وضعف التركيز، وصولًا إلى الرفض التام للحياة، مشيرًا إلى أن الاكتئاب التفاعلي، الناتج عن ضغوط اجتماعية أو عاطفية أو صحية، قد يجعل المريض يرى الموت كخيار أفضل.
ودعا إلى ضرورة الانتباه لهذه الأعراض والسعي للعلاج المبكر، محذرًا من أن إهمال الحالة قد يؤدي إلى نتائج مأساوية.
جهود الدولة
وتقدم الدولة الدعم النفسي للمرضي النفسيين من خلال أكثر من جهة خط ساخن لمساعدة من لديهم مشاكل نفسية أو رغبة في الانتحار، أبرزها الخط الساخن للأمانة العامة للصحة النفسية، بوزارة الصحة والسكان، لتلقي الاستفسارات النفسية والدعم النفسي، ومساندة الراغبين في الانتحار من خلال رقم 08008880700، 0220816831، طول اليوم، كما خصص المجلس القومي للصحة النفسية خط ساخن لتلقي الاستفسارات النفسية 20818102.