رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الهيئات الإعلامية.. تغييرات فى مواجهة الأزمة

تستمر وتيرة التغيير في مصر، سعيًا لتوطيد أركان الدولة المصرية، وسعيًا نحو تحقيق مفهوم الجمهورية الجديدة.. دماء شابة تُضخ في عروق الوزارات والمحافظين، لإحداث النقلة النوعية المُنتظرة، في ظل العديد من التحديات التي تواجهها مصر.. تغييرات وصلت بالأمس إلى الهيئات الإعلامية، صوت مصر، بين المواطنين والمسئولين، والمعبرة عن صورة البلد الذي شهد طفرة غير مسبوقة في مسيرة البناء، بمشروعات قومية عملاقة، تستحق أن يكون لها إعلامها المُعبر عنها.. جاء د. ضياء رشوان، رئيسًا للمجلس الأعلي لتنظيم الإعلام، والدكتور طارق سعدة، رئيسًا للهيئة الوطنية للإعلام، واستمرار المهندس عبدالصادق الشوربجي، رئيسًا للهيئة الوطنية للصحافة.
فأما الأول، وهو ضياء رشوان، فهو السياسي والصحفي ونقيب الصحفيين لدورات عديدة، ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، وكان الباحث والخبير ومدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، والمنسق العام للحوار الوطني، والباحث الزائر بالعديد من المعاهد الأكاديمية في بلدان أجنبية، مثل اليابان وفرنسا خلال التسعينيات من القرن الماضي، والإعلامي المثقف عبر عدد من الفضائيات.. وأما الثاني، فهو د. طارق سعدة، الخبير والمستشار الإعلامي ونقيب الإعلاميين، والذي يرى أن مُستقبل الإعلام في مصر مُطمئن نتيجة ما يحدث من خطوات هامة في ترتيب البيت الإعلامي وضبط المشهد المصري.. وأما مسك الختام، فهو المهندس عبدالصادق الشوربجي، الذي تولى رئاسة مجلس إدارة مؤسسة روزاليوسف، وحقق فيها نجاحات، أهلته أن يكون رئيسًا للهيئة الوطنية للصحافة، ثم تجديد الثقة فيه ثانية لرئاستها، ضمن التغييرات الأخيرة.. وقد انتقد البعض، في زمن مضى ـ اختياره باعتباره ليس صحفيًا، لكن بعد مرور الوقت، اكتشف الوسط الصحفى أنه صحفى الهوى والمسلك، استطاع خلال فترة وجيزة، أن يمسك زمام قيادة الهيئة بيد قوية وعقل راجح، وأن يوظف الإمكانيات المتاحة، وأن يُجيّش قيادات المؤسسات للعمل فى إطار خطط يتم تنفيذها بقدر الإمكان.. وكان واضحًا حرصه على بذل جهده لحل مشاكل العاملين بالمؤسسات القومية على اختلاف مشاربهم ومؤسساتهم وتوجهاتهم و(جبر) خاطرهم، فهو يعمل بدون تمييز بين زميل وآخر، واستطاع أن يقيم بينه وبين الناس جسورًا من الثقة والاحترام.
وهنا يأتي السؤال: لماذا كان الحرص على تغيير الهيئات الإعلامية في هذه المرحلة؟.
لقد أصبحت عملية إدارة الأزمات إعلاميًا، تخصصًا علميًا له قواعده ونظرياته وأسسه وآلياته واستراتيجيته الخاصة، بل بات يحوز اهتمامًا واسعًا لدى المؤسسات التعليمية الأكاديمية والبحثية والمؤسسات الإعلامية والسياسية والدبلوماسية.. وبات إعلام الأزمات، أو (إعلام المواجهة) يحظى باهتمام القيادات السياسية في أغلب دول العالم، في ظل تعاظم الأزمات عالميًا في مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والبيئية والاجتماعية، وعلى كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية.. كما برز مفهوم إعلام الأزمات في العقود الأخيرة بكل وسائله التقليدية والحديثة، خصوصًا في عصر الإعلام الرقمي، بوصفه أداة فعّالة وأساسية في مواجهة الأزمات واحتوائها.. لقد تحول الإعلام، عبر منصاته المتعددة، إلى أداة التفاعل الرئيسة بين الأزمة وأطرافها، معلنًا عن انتهاء عصر (التعتيم والصمت) حيال الأزمات، مهما تفاوتت حدودها؛ إذ أصبح إخفاء أي أزمة أو تجاهلها في عصرنا الحالي أمرًا في غاية الصعوبة، على خلاف ما كان في الماضي.. واليوم لم يعد لإخفاء الأزمات مكان في أجندة الحكومات، كما بات لوسائل الإعلام الدور الرئيس في التعريف بها والتفاعل مع مجرياتها.. ففي كثير من الأزمات تنتشر شائعة أو أكثر، وهذه الشائعات تؤدي إلى تفاقم الأوضاع؛ وهنا يبرز دور إعلام الأزمات في مواجهة هذه الشائعات والتصدي لها ولأخطارها.. ويتمثل الأسلوب الأنجح والأقوى والأشد تأثيرًا من بين جميع الأساليب المستخدمة لمجابهة الحملات الإعلامية المعادية، في تقديم خطاب إعلامي غني وموضوعي وجذاب، يتمتع بأقصى قدر من المصداقية، دون إغفال المراقبة الدقيقة للإعلام المعادي، والتي هي مسألة بالغة الأهمية في إدارة الأزمة إعلاميًا.
وفي ظل شمولية البيئة الإعلامية وتنوع أنماطها ما بين تقليدي وحديث، ظهرت إشكالية جديدة في مجال إعلام الأزمات، تثير تساؤلًا حول العلاقة بين وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، من ناحية التكاملية أو المنافسة والمصداقية، في أوقات الأزمات والأحداث.. واختلفت الآراء في هذا الشأن: ففريق يرى أن العلاقة تكاملية يتناغم فيها كل طرف مع الثاني، فيما يرى فريق آخر أن منصات الإعلام الرقمي لها السبق والسرعة والتفاعل اللحظي الأكبر، إذ تتمتع بميزات تقنية تعلو بها درجةً على نظيرتها التقليدية. ومن ذلك ـ مثالًا لا حصرًا ـ خصوصية شخصية المستخدم، وسقف الحرية المرتفع في التعبير عن الرأي.. لكن هذا التدافع الإيجابي خلق مناخًا خصبًا للمنافسة بين الإعلام التقليدي والحديث.. وهنا ننبه إلى ضرورة توجيه رسائل إعلامية متصلة بالأزمات لجميع فئات المجتمع، باعتبارها ضرورة لأمنهم قبل تعاونهم.. كما أصبح الإعلاميون أهم الشركاء في إدارة الأزمات، نظرًا لقوة تأثيرهم في الرأي العام.. لذا ينبغي أن تتصف الشراكة بين السياسيين وأصحاب القرار من جهة، والإعلاميين من جهة ثانية، بالطابع الاستراتيجي المشمول بالتعاون المكثف والمنتظم.
أصبح الإعلام السياسي إحدى أهم ركائز العملية السياسية؛ بل هو عصب العملية السياسية ذاتها، كما عرَّفَه (كارل دويتش)، أستاذ العلوم السياسية لدى جامعة هارفارد بالولايات المتحدة الأمريكية.. فمتى كان الإعلام فاعلًا، قللَ احتمالات الخطأ في اتخاذ القرارات الصائبة، والذي هو قمة العمل السياسي وغايته.. فهو يهدف إلى التأثير في الرأي العام، وتحقيق الأهداف المنشودة، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي.. وقد تطور هذا النوع من الإعلام بالتطور التقني الذي شهدته وسائل إعلامية أخرى مستجدَّة، فأصبح يوظف التقنيات الحديثة في أداء رسالته الإعلامية السياسية، بأسلوب متكامل يجمع بين الكلمة والصوت والصورة.. وهكذا بات الإعلام السياسي يتناول النشاطات والأحداث والقرارات السياسية بالنقل والتحليل؛ ما وسع نطاق الحصول على المعلومات لدى القادة والسياسيين، وأتاح قدرة أكبر على قياس ردود أفعال الجمهور تجاه السياسات المتَّخَذَة، وكذلك المواقف والقرارات.. والنتيجة، أن بات صانعو القرار السياسي يعتمدون بقدر كبير على مُخرجات الإعلام السياسي في صنع قراراتهم، وباتت الشعوب تعتمد عليه في تكوين الآراء والاتجاهات والمواقف المختلفة، إزاء الأحداث والسياسات الدائرة في محيط عيشها.
وفي ضوء أحداث العصر الحالي، ينبغي لوسائل الإعلام والإعلاميين، الوعيَ بحجم مسئولياتهم في تشكيل الرأي العام المحلي والعالمي، والحرص على تفعيل الدور المتبادل في بناء الشراكات الفعالة مع الجهات الحكومية، وتعظيم دور الإعلام في الأجندة والاستراتيجيات الوطنية.. كما يجب أن يصب العمل الإعلامي ضمن المنظومة السياسية الوطنية، لتطوير وتنفيذ خارطة الطريق المشتركة التي يتسق فيها الإعلام مع العمل السياسي مُشكلًا شراكة مستدامة، تتصدى لكل من يمارس التضليل ويعمد إلى تشكيل صور ذهنية مشوّشة ومربكة للجمهور.. فضلًا عن ذلك، يجب تعزيز صورة الدولة وسمعتها الطيبة، من خلال إلقاء الضوء على توجهاتها، وإبراز إنجازاتها السياسية؛ مع ضمان صون هذه الصور واستدامتها من خلال خطاب إعلامي سياسي يفوق التوقعات في هذا الشأن.. ويتطلع خبراء الإعلام والاتصال، إلى إعلام سياسي لا يكتفي بتحليل الواقع الراهن، بل يتجاوز حدود الزمن ويبحث في المستقبل، مستشرفًا آفاقًا تأسست على تحليل حقائق الماضي وأحداث اليوم، تعمل بمُدخل رئيس في صياغة الاستراتيجيات السياسية، التي لا تخضع لهيمنة التحليل السياسي لحاضر الأمَّة فقط، بل لمستقبلها أيضًا. فذلكم هو الإعلام الساعي لمستقبلٍ أفضل للوطن وللأمّة.
 

■■ وبعد..
فإن الإعلام أمانة ومسئولية.. والمؤسسة الإعلامية كالمؤسسة التربوية، من حيث أثرها في تشكيل بنية المجتمعات ورسم ملامحها، وقد يتفوق أثر المؤسسة الإعلامية على التربوية نتيجة عوامل مختلفة، منها طبيعة المادة التي تقدمها كل منهما ومدى مناسبتها لأهواء المتلقين وتنوع أشكال المؤسسات الإعلامية، ومرافقتها لأفراد المجتمع في مختلف الأوقات والأماكن بعكس المؤسسة التربوية، وغير ذلك من عوامل، ما يستوجب استثمار الإعلام في توجيه شبابنا نحو ما يعود بالخير والنفع على مجتمعنا على الأمد البعيد؛ فالأجيال التي تنشأ على متابعة كل ما هو سطحي وتافه، لن تستطيع أن تقدم شيئًا مفيدًا لمجتمعها ووطنها، ولن تستطيع أن تنقل معرفة حقيقية للأجيال اللاحقة، وقد تكون حلقة في سلسلة لا يستطيع أحد أن يتوقع طولها.

حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.