رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سلوى محمد علي.. الأصدق يبقى

الفنانة الكبيرة سلوى
الفنانة الكبيرة سلوى محمد على

أعلن المهرجان القومى للمسرح عن تكريم الفنانة الكبيرة سلوى محمد على، خلال فعاليات دورته السابعة عشرة، المقرر انطلاقها فى الخامس عشر من يوليو المقبل. 

ربما يعرف الجمهور سلوى محمد على كنجمة تليفزيونية، لكن جمهور المسرح يعرف سلوى محمد على ابنة المسرح، المنتمية كلية إلى خشبته، ولم تتوقف أبدًا عن المشاركة فى أعمال مسرحية، ولديها قدرة على تجسيد أدوار مختلفة بكل المشاعر، حتى تتساءل: كيف لها القدرة على هذا التلون والتنقل بين مناهج الأداء المسرحى المختلفة بكل هذه المرونة؟

تشاهدها فى «الملك لير» للمخرج أحمد عبدالحليم، من إنتاج المسرح القومى، تؤدى دور «ريجان» ابنة «لير»، وقد أدركت الشعرة العميقة الفاصلة بين «التراجيديا» و«الميلودراما» التى كان العرض يجنح لها على مستوى الرؤية.

اختارت سلوى محمد على «ريجان» أن تحفظ لـ«التراجيديا» جلالها، من دون أن تحيد عن منهجية العرض، لتحافظ على الأداء الكلاسيكى الرصين، الذى يحسب الكلمة والحرف والوقفة، ومقاييس الجسد والحركة ونبرة الصوت، والمستوى الواقعى للشخصية المتلونة القاسية. هى ذات الممثلة التى تؤدى دور الأم فى مسرحية «ماما عايز أكسب المليون»، من تأليف وإخراج أحمد العطار، وتقديم فرقة «المعبد»، بأداء يكاد يخلو من المشاعر، تماشيًا مع منهج المخرج، وموضوع العرض الذى كان يتناول العائلة وأنماط العلاقات وبنيات السلطة الأبوية فى نموذج العائلة وتأثيرها، وتأثير الإعلام وتدفق المعلومات، والتناقض الكبير بين ما نراه فى «الميديا» ويرفع أفق توقعاتنا وطموحاتنا، وبين ما هو متاح فى واقعنا، فى ألم كبير صيغ فى إطار من الكوميديا السوداء، وأدته «سلوى» كما لو كانت خلف شاشة سينما بمشاعر خافتة أو جامدة أو آلية. هى ذاتها «غادة» فى مسرحية «أحلام شقية»، التى قدمتها فرقة «الشظية والاقتراب»، بقيادة المخرج محمد أبوالسعود، تلك الشخصية القوية المتشبثة بالأمل والحب، مع اعتماد «أبوالسعود» بُعدًا ملحميًا غلف به أحداث المسرحية، حتى لتتبدى لنا الشخصيات بواقعيتها الفجة وكأنها خرجت للتو من إحدى الأساطير.

الدمج العجيب الذى قدمه «أبوالسعود» ما بين الملحمى والواقعى، هو ذاته الذى هضمته سلوى محمد على فى أداء دور «غادة»، فلا ترى «غادة» فى صورة الفتاة المقهورة التى أُجبرت على الزواج من ابن عمها العاجز جنسيًا، وتقع فى الحب للمرة الأولى وتكون على استعداد للتضحية بعمرها فى سبيله، بل تراها «أنتيجونا» و«ميديا» و«ألكترا»، فى قوتهن وثباتهن وصمودهن فى المطالبة بحقوق وجودية.

وإذ أُعلن سعادتى لتكريم الفنانة سلوى محمد على، أتمنى أن يكون المهرجان القومى للمسرح قد أدرك أنها ليست فقط ممثلة أدت العديد من الأدوار الناجحة على خشبة المسرح باقتدار، بل هى مَثل فى الانحياز للفن والجمال، بعدما اختارت أن تنحاز للمسرح المستقل بموارده القليلة، فتعمل مع محمد أبوالسعود وأحمد العطار وعفت يحيى وعبير على. انحازت إلى لون من المسرح طازج وجديد وحى، واختارت أن تشبع ذائقتها المتعطشة لطعم جديد، وطموحها المتطلع لسماء جديدة، وقدمها الواثبة لأرض لم يطأها سواها.. انحازت إلى المسرح الحقيقى فانحاز لها «أبوالفنون». لذا فإن تكريم سلوى محمد على رسالة لشباب الفنانين: تشبثوا بالحلم وسيروا وراء شغفكم وانحازوا للجمال، فلا شىء يذهب سدى، ومصفاة الزمن والفن قادرة على الفرز، ودائمًا الأصدق يبقى.